جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عرش نتنياهو يهتز.. مؤقتًا

 

بفشل رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، فى تشكيل ائتلاف حكومى يقتنص به ولاية سادسة، أو خامسة على التوالى، اهتز عرشه مؤقتًا، ومنح الرئيس الإسرائيلى رءوبين ريفلين، مساء الأربعاء، يائير لابيد، زعيم المعارضة، تفويضًا لتشكيل حكومة جديدة، خلال ٢٨ يومًا.

لابيد، صحفى سابق فى جريدة «يديعوت أحرونوت»، وأسس حزب «يش عتيد»، أو هناك مستقبل، سنة ٢٠١٣، الذى حل فى المرتبة الثانية فى الانتخابات الأخيرة، بحصوله على ١٧ مقعدًا. وحال فشله فى عقد تحالفات تتيح له الحصول على الـ٦١ مقعدًا، أو نصف عدد المقاعد زائد واحد، سيكون عليه أن يعيد التفويض، ووقتها يمكن للرئيس مطالبة البرلمان باختيار مرشح خلال ثلاثة أسابيع. وإذا لم يتمكن البرلمان من ذلك، ستجرى انتخابات جديدة، ستكون هى الخامسة خلال عامين، وغالبًا ستتبعها سادسة، لو لم ينجح نتنياهو فى تشكيل الحكومة!

السيناريو نفسه، تقريبًا، تكرر فى اثنين من الانتخابات الثلاثة السابقة، ثم استطاع نتنياهو فى الثالثة تشكيل الحكومة، فى الثالثة عبر تحالف هش، سرعان ما انهار، وتقرر إجراء انتخابات مبكرة فى مارس الماضى، أسفرت عن فوز حزب الليكود بـ٣٠ مقعدًا نزولًا من ٣٦ حصل عليها فى الانتخابات السابقة. وخلال مشاورات الرئيس الإسرائيلى مع الأحزاب الفائزة بالانتخابات، أوصى ٥٢ نائبًا بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، مقابل ٤٥ نائبًا أوصوا بإسناد المهمة إلى يائير لابيد، و٧ فقط اختاروا نفتالى بينيت، هم نواب حزب «يمينا»، الذى يتزعمه. 

تأسيسًا على ذلك، وبمجرد انتهاء مهلة نتنياهو، استقبل الرئيس الإسرائيلى، صباح الأربعاء، يائير لابيد ونفتالى بينيت، ثم أعلن عن تفويض الأول، بعد أن وصل عدد النواب الداعمين له إلى ٥٦، ولأن التوصيات التى تلقاها ريفيلين، رأت أن لديه «أفضل فرصة لتشكيل الحكومة». وفوق ذلك، لم يستبعد بينيت إمكانية الانضمام إلى ائتلاف مع لابيد، كما أبدى الأخير استعداده لتقاسم رئاسة الوزراء مع بينيت، بالتناوب. وفى بيان أصدره بعد تسلمه خطاب التفويض شدّد «لابيد» على أن إسرائيل تحتاج إلى حكومة يعمل فيها اليسار واليمين والوسط لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، وأكد أن «حكومة الوحدة ليست حلًا وسطًا بل هى الهدف».

الكلام يبدو لطيفًا، لكن المشهد شديد التعقد وما لم تحدث مفاجآت أو معجزات فإن خيارات «لابيد» لتشكيل الحكومة محدودة وتكاد تكون منعدمة. وغالبًا سينجح نتنياهو فى إغلاق أى باب مفتوح أو موارب، كما نجح، طوال مشواره السياسى فى إفشال معارضيه وحلفائه، أو الإطاحة بهم، لضمان بقائه فى الحكم أو لتثبيت عرشه. وعليه، فإن سيناريو الذهاب إلى انتخابات خامسة، يصعب تفاديه إلا بتعديل النظام الانتخابى وإجراء انتخابات مباشرة بين المتنافسين على موقع رئيس الوزراء، وهو المقترح الذى تقدم به حزب الليكود بالفعل، غير أن هيئة البث الإسرائيلية «مكان»، ذكرت أن هذا المقترح تم حذفه من جدول أعمال الكنيست. 

الطريف أن حزب الليكود خسر ٦ مقاعد بعد تطبيع العلاقات مع أربع دول عربية، الذى سوّق له نتنياهو على أنه منجز شخصى، وكان يعوّل عليه لزيادة عدد مقاعد حزبه. بالضبط، كما لم تتأثر نتائج الانتخابات بمحاكمته فى ثلاث قضايا فساد واحتيال ورشوة، التى انطلقت فى ٢٤ مايو الماضى ولا تزال مستمرة. وسواءً نجح نتنياهو، ٧١ سنة، فى اقتناص ولاية سادسة، أو لم يتمكن من ذلك، فقد صار رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى حكم لأطول فترة، فى تاريخ ذلك الكيان: منذ سنة ١٩٩٦ إلى سنة ١٩٩٩، ثم منذ سنة ٢٠٠٩ إلى الآن، ما جعله معروفًا باسم الملك بيبى!

على ذكر الانتخابات، أكدت السلطة الفلسطينية التزامها بإجراء الانتخابات التشريعية، التى كان مقررًا إجراؤها الشهر الجارى، وتم تأجيلها بسبب عدم موافقة إسرائيل على إجرائها فى القدس. وخلال زيارته إلى موسكو، بحث وزير الخارجية الفلسطينى، مع نظيره الروسى العقبات التى واجهت التحضير لها وتلك التى أسفرت عن تأجيلها. وكنا قد أوضحنا، فى مقال سابق، أن عدم الموافقة على إجراء الانتخابات فى المدينة المحتلة ينتهك اتفاقية المرحلة الانتقالية، «أوسلو ٢»، الموقعة سنة ١٩٩٥، بحضور الرئيس الأمريكى وممثلين عن الاتحاد الأوروبى.

بالانتخابات الفلسطينية أو الإسرائيلية، أو بدونهما، وبالوجوه نفسها أو بتغيرها، وسواء كان اهتزاز العرش مؤقتًا أو مستمرًا، سيظل الوضع على ما هو عليه، إذ إن مواقف «لابيد» و«بينيت» من الاستيطان والعلاقة مع الفلسطينيين تكاد تكون متطابقة مع مواقف نتنياهو. كما لا نعتقد أن أحدهم، وكذا الجانب الفلسطينى، يمكنه أن يكون أكثر انفتاحًا على إحياء المفاوضات المتوقفة، أو قد يقدم أى تنازلات، مقابل اتفاق يضاف إلى الاتفاقات السابقة غير الملزمة!