جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

د. صفوت البياضي يكتب: لسد النهضة حدود فاعقِلوا؟

رغم أنى كتبت أكثر من مرة عن سد النهضة الذي تزمع الحبشة عن ملء خزانها حتى النهاية، فالدراسة المؤكدة تقول "إن مصر هي الأكثر ضررًا، والأشد تعرضًا للخطر، بل هي مسالة حياة أو موت لمصر والمصريين".
نعم إنها أزمة لا يمكن السكوت عنها، رغم التحذير الذي أطلقته الوثيقة البريطانية وأيدته الولايات المتحدة الأمريكية للقيادة الإثيوبية ثم السودان، كما في وثائق الخارجية البريطانية بشأن نهر النيل، والتي توضح جميعها أن أكثر الدول تضررًا هي مصر من بين دول تسعة هي: أوغندا، كينيا، تنزانيا، زائير، رواندا، بورندي، ثم: السودان، مصر والجميع يتمتع بنعمة الحياة من مصدر واحد للمياه.
كما أن وثائق الخارجية البريطانية بشأن نهر النيل توضح أن الأكثر تضررًا هي مصر؛ لكونها هي التي تعتمد بشكل أساسي وكامل تقريبًا علي مياه نهر النيل، وكما تقول الدراسات البريطانية "أنه في سنوات الجفاف، يمكن لإثيوبيا أن تحبس المياه عن كل من: السودان ومصر"، وبهذا تصبح مصر رهينة بيد دولة المنبع، أي إثيوبيا التي حبست المياه بملء سدودها أو خزاناتها، وكما يقول المثل "موت يا حوت من سيعطيك القوت".
فالأمر إذًا في هذه الحالة ليس غريبًا أو مستغربًا، فقد أجرى المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي المعني بهذه القضية المصيرية حياة أو موت وبين هو الآخر بأن مصر ستصبح رهينة لدولة المنبع، هكذا يعترف المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي في دراساته القديمة التي تم إجراؤها منذ عام ١٩٥٨، ومرة أخري مؤكدًا ذات النتائج في عام ١٩٦٣ وفي كلتا الدراستين تنتهي الوثيقة إلي أن الواجب مراعاة حاجة مصر إلي القدر الذي تناله سنويًا علي مر العصور ولا يجب الإقلال من القدر المائي الذي تعيش عليه الآن.
وهنا يأتي السؤال الملزم والذي لا بديل عنه "ماذا بوسع مصر أن تفعل ومصير شعبها مرتبط بالماء وبه حياة أو موت؟"، حيث إنه لا استغناء لإثيوبيا ومصر عن القدر الذي تستقبله لا سيما مصر التي تقل بها مياه المطر التي تقترب من العدم حتي إنها لا تستطيع التفريط في أي قدر من المياه التي تصلها من خلال نهر النيل وأن السد المزمع ملؤه يقابله تبوير مليوني فدان زراعي في مصر.
وتحت عنوان أزمة سد النهضة حياة أو موت لمصر كانت هذه الدراسة الموثقة في حالة ملء السد: أولًا التأثيرات البيئية والاجتماعية:
في حالة ملء السد تتبعه تأثيرات بيئية واجتماعية جراء تعديل حركة مياه نهر النيل بالسدود والحد من انسيابه الطبيعي بشكل جذري مما يهدد بيئته الطبيعية ومكوناته البيولوجية باعتباره من المعالم الطبيعية الأبرز، ليس فقط في كوكب الأرض، بل في المجموعة الشمسية كلها، وتؤثر هذه المتغيرات على معظم دول حوض النيل ومجتمعاتها في اختبار صعب لإيجاد الحلول والبدائل، وخاصة بالنسبة لمصر، حيث ستكون بحيرة ناصر والأراضي الزراعية على ضفاف نهر النيل والدلتا، معرضة للأخطار الكبيرة مستقبلًا بسبب عملية ملء خزان سد النهضة، وبالتالي تناقص تدفق المياه في النهر في وقت تحتاج فيه مصر حاليًا إلي نحو ثمانمائة مليار متر مكعب من المياه سنويًا، أي أن هناك نقصًا في الاحتياجات المائية حاليًا إلي نحو مليار متر مكعب من المياه سنويًا، أي أن مصر لديها حاليًا احتياج إلي القدر اللازم لمسيرة حياة مواطنيها، وليس إلي الانتقاص من القدر السنوي الحالي.
ومما لا شك فيه أن مصر كانت وما زالت الحاضنة لأبناء المنطقة، باعتبارهم إخوة جوار، سواء في: التعليم بمختلف أنواعه، أو احتضانها لكل من احتاج إليها أمنًا واستقرارًا عند اشتداد المخاطر الطبيعية وغير الطبيعية، فهل يليق بدولة جوار أن تغلق الطريق على مصدر الحياة.....!؟
دعاؤنا لله الذي وحده مصدر الأمن والأمان لأبناء القارة من جانب، ومصر علي وجه الخصوص، والتي كانت الملجأ عبر التاريخ لكل من لجأ إليها، ويكفي مصر فخرًا أن العائلة المقدسة والسيد المسيح، كان طفلًا مهددًا بهوس حاكم قديم أراد التخلص من جميع الأطفال ومنهم المسيح طفلًا، ولكنه لجأ مع العائلة المقدسة إلي مصر ونجا من مذبحة كل الأطفال بأمر حاكم اشتهر بالبطش والهوس في زمانه.
وعلي مر التاريخ كانت مصر وما زالت، الملاذ والراحة والكرم لكل من لجأ إليها طلبًا للأمن أو مصدرًا لإطعام الجياع، هكذا كانت مصر وستظل بلا نزاع، فيا ليت العقلاء في زماننا يراجعون تاريخ مصر، ويتأملون في أهراماتها التي ارتفعت لا فخرًا في البناء ولكن إيمانًا بالبعث بعد الوفاة حتي سبقت مصر العالم كله في عقيدة الحياة بعد الموت قبل الديانات الحالية في طول البلدان وعرضها، فاتركوا النيل شريان الحياة بكل قطرة من مياهه وارحموا شعبًا أبيًا تاريخه من أقدم شعوب العالم يرحمكم الله.

  • الرئيس الشرفي للطائفة الإنجيلية