جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

التليفزيون والسلام الاجتماعي

لا يقتصر تعريف الأمن القومى على الموقع الاستراتيجى والقدرة الاقتصادية والمواجهة العسكرية وعلى سياسة خارجية تجيد تسويق الأفكار والإقناع بالحقوق والحصول على مزيد من الأصدقاء والمؤيدين، لكن لا بد من سياسة داخلية تعتمد في المقام الأول على توافق وطنى وحشد شعبى قوامه السلام الاجتماعى والعدالة الاجتماعية.

وإذا كان السلام الاجتماعي بصفة عامة يعنى غياب المظاهر السلبية مثل العنف والحقد والحسد، ولذا فالمقابل فهناك مظاهر إيجابية مثل الهدوء والاستقرار والصحة.. إلخ، كما أن العدالة الاجتماعية تعني أيضًا ذلك النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، أي أن تسود العدالة في كل مجالات المجتمع بدلًا من انحصارها في عدالة القانون فقط.

ولذا وعلى مر التاريخ وجدنا أن الصراع الإنساني بشكل عام سواء كان هذا الصراع بين الإنسان والطبيعة لكي يضمن الإنسان الأمن والأمان، أو بين الإنسان والإنسان حتى يحقق الإنسان ذاته في ظل صراع طبقى بين غنى وفقير وبين قوى وضعيف. 

وحتى يمكن تهذيب وتقويم هذا الصراع ظهرت النظم والأنظمة السياسية المختلفة التى تحاول التعامل مع كل الطبقات في إطار ما سمي بالسلام الاجتماعي، ولذلك وجدنا كل نظام سياسى يحاول الاستفادة من النظم الأخرى بهدف الوصول لذلك السلام،  فالبرغم من سيطرة النظام الرأسمالي على الساحة الدولية، وبعد ظهور النظم الاشتراكية وما صاحبها من حقوق عمالية وحقوق تؤكد العدالة الاجتماعية، فكانت هذه الحقوق وتلك العدالة تمثل اكسير الحياة للنظم الرأسمالية بعد تبنيها لهذه الممارسات.

وحتى يتم تجاوز الصراع الطبقي بين العمال وصاحب العمل، نعم العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة في المطلق بين من يعمل وبين من لا يعمل، ولكن هي تضمن للجميع فرصة عمل وأن يكون ناتج ذلك الحصول على حياة إنسانية تسقط الحقد والحسد والضغينة الاجتماعية، وهذا يكون ويتحقق في ظل نظام اقتصادي إنتاجي وغير استهلاكي، فالنظام الاستهلاكي يتبعه إعلام يسوق ويسعى ويجذر القيم والسلوك الاستهلاكي الذي يذهب بالناتج الفردي وبالتالي الناتج القومي إدراج الرياح، فما بالك إذا كان الإعلام والإعلان لا حديث ولا عمل لهما غير نشر القيم والعادات الاستهلاكية، هنا فماذا سيكون رد الفعل لغير القادر على مسايرة تلك العادات الاستهلاكية؟، مع العلم أن الطبيعة الإنسانية خاصة لغير القادر هي المحاكاة والتقليد والحلم بالتملك نتيجة الإلحاح المستمر على هذه القيم والسلع الاستهلاكية.

فهل التليفزيون وهو أهم الوسائل الإعلامية التي لها تأثير مباشر على المشاهد وخاصة في رمضان له تأثير إيجابي أم تأثير سلبي؟ لا شك فالإعلانات المستفزة والتي تجاوزت كل الحدود سيكون لها رد فعل عكسي ويمثل خطورة حقيقية على السلام الاجتماعي، فما تأثير الإعلانات عن ما يسمى (أماكن السكن المغلقة التي تخص خاصة الخاصة)؟ على ساكن الحوار والعشش والغير قادر على تملك شقة حجرة وصالة؟، ما هو تأثير الإعلانات عن الملابس والأماكن والمأكولات التي لا علاقة للغالبية الغالبة من الشعب المصري بها؟ حتى برامج الأكل فلا تخلو قناة من مطبخ يسلم لمطبخ أخر لإعداد أنواع لاعلاقة لنا بها ولا حتى بإجادة نطقها اسمها!!!، في الوقت الذي يعتبر فيه الفول والطعمية غاية المنى؟، هذا وناهيك عن الدراما التي أصبحت كل الأماكن التي يتم التصوير فيها هي الفيلات والسرايات والأثاث الفاخر الذي يتجاوز حتى قدرة الطبقات القادرة على اقتنائه. 

حتى شقة الموظف العادي نرى فيها ما لا وجود له على أرض الواقع، كل هذه الإعلانات الاستهلاكية والمستفزة تمثل خطورة حقيقية على سلامة الاقتصاد الوطني وعلى السلام الاجتماعي الذي نحن في أحوج ما يكون إليه الآن ونحن في ظل ظروف وتحديات داخلية وخارجية تتطلب أن نكون جبهة واحدة متوافقة وطنيًا ومتحابة اجتماعيًا حتى نسقط كل ما يكرس الحقد والحسد ويوجد ضغينة لا ولن تكون في صالح الوطن والمواطن، حمى الله مصر وشعبها العظيم.