جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الحوادث ليست بمصير بل إهمال وتقصير»

مجلس وزراء الداخلية العرب يشارك في الاحتفال بأسبوع المرور

مجلس وزراء الداخلية
مجلس وزراء الداخلية

تشارك الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب للدول العربية خلال الفترة من 4-10 من شهر مايو من كل عام، في الاحتفال بأسبوع المرور العربي.

 

ويعتبر الحدث مناسبة للتذكير بما تتعرض له البشرية من مآس نتيجة حوادث المرور، التي تعد إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها دول العالم، ومنها دولنا العربية التي تدفع ثمنا غاليا من حياة أبنائها وثرواتها نتيجة ما تستنزفه هذه الحوادث من طاقات بشرية وموارد مادية ، وما تتسبب به من فواجع ومشاكل اجتماعية ونفسية، كما يمثل هذا الأسبوع مناسبة ذات أهمية كبيرة لتوعية المواطنين عامة والسائقين بصفة خاصة بأهمية احترام قواعد المرور وتطبيقها وتنمية إحساسهم بمسؤولياتهم المشتركة تجاه تحقيق السلامة المرورية.


ويأتي الاحتفال بأسبوع المرور العربي هذا العام تحت شعار "الحوادث ليست بمصير بل إهمال وتقصير" للتأكيد على أهمية احترام قواعد المرور وأخلاقيات القيادة وتجنب السلوكيات الخاطئة التي تتمظهر في جوانب متعددة منها الإهمال والتقصير والتشتت وعدم الإنتباه، ويعد التحدث بالهواتف المحمولة -الذي أصبح ظاهرة ملحوظة أثناء القيادة - مصدرا باعثا على القلق بشأن السلامة المرورية، فالسائقون الذين يستخدمون الهواتف المحمولة يتعرضون أكثر من غيرهم بأربعة أضعاف تقريبا لمخاطر حوادث المرور حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، وكذلك عدم ربط أحزمة الأمان التي تعد أداة أكثر فعالية في تخفيض خطورة الإصابات التي يتعرض لها ركاب السيارة نتيجة حوادث المرور.

 

وبحسب نفس التقرير يؤدي استخدام حزام الأمان إلى الحد من مخاطر وفاة ركاب المقاعد الأمامية بنسبة 40-50 % ومن مخاطر وفاة ركاب المقاعد الخلفية بنسبة تتراوح بين 25 و 75 % إلى جانب القيادة بسرعة عالية تتجاوز المسموح به حيث توجد علاقة مباشرة بين الزيادة في متوسط السرعة واحتمالات وقوع الحوادث، ذلك أن زيادة قدرها 1كم/ ساعة في متوسط سرعة المركبة تؤدي إلى زيادة بنسبة 3 % في معدل وقوع الحوادث التي تنجم عنها إصابات، وزيادة بنسبة 4-5 % في معدل وقوع الحوادث المميتة، إلى جانب إهمال أنظمة السلامة والأمان، وأهمال المركبة وعدم صيانتها بصورة دائمة وعدم الالتزام بالنصائح والإرشادات المرورية، وغيرها من الممارسات والسلوكيات  التي تفضي إلى خسائر وتكاليف باهظة.   


وبينت إحصائيات منظمة الصحة العالمية للعام 2020م أن نحو 1.25 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً نتيجة لحوادث المرور، ويتعرض ما بين 20 مليون و50 مليون شخص آخر لإصابات غير مميتة، ويصاب العديد منهم بالعجز نتيجة لذلك، وأن نصف الأشخاص الذين يتوفون على طرق العالم يكونون من المشاة ومن راكبي الدراجات الهوائية والنارية، وتكلف هذه الحوادث في معظم البلدان 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما تشهد البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 90 % من الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في العالم، على الرغم من أنها لا تحظى إلا بنحو 45 % من المركبات الموجودة في العالم. 


وليست البلدان العربية بمنأى عن هذه المعضلة، فقد بينت النشرة الإحصائية السنوية لحوادث المرور الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، أن عدد حوادث المرور بلغ (873086) حادثا مروريا، وكان عدد الوفيات بسببها (19748) شخصا، وعدد الجرحى (258574) شخصا، وبلغت الكلفة التقديرية الإجمالية للحوادث (10627978234) دولارا أمريكيا. 

 

ولا زالت أخطاء العنصر البشري تمثل  السبب الرئيسي لحوادث المرور المسجلة في الدول العربية، إذ تشير النشرة إلى أن نسبة (92.45%) من الحوادث التي سجلت في المنطقة العربية كانت بسبب تلك الأخطاء، وهو معطى يشكل كارثة لمجتمعاتنا العربية التي هي في أمس الحاجة إلى جهود أبنائها بقدر ما هي في حاجة إلى الحفاظ على كافة إمكانياتها وثرواتها.


ويولي مجلس وزراء الداخلية العرب موضوع السلامة المرورية اهتماما كبيرا من خلال الاستراتيجيات والبرامج والخطط المختلفة التي يعتمدها، فقد حقق المجلس على مدى السنوات الماضية العديد من الانجازات على صعيد السلامة المرورية والوقاية من الحوادث، وعلاج الآثار التي تنجم عنها، ومن هذه الإنجازات على سبيل الذكر عقد مؤتمر لرؤساء أجهزة المرور كل عامين، حيث عقد في شهر فبراير من العام الحالي المؤتمر الثامن عشر الذي مثل مناسبة هامة لعرض احتفالات الدول العربية بأسبوع المرور العربي وتجاربها في تنظيم حركة المرور والحد من حوادث الطرقات، كما حث المؤتمر الدول الأعضاء على استثمار شبكات التواصل الاجتماعي للتوعية بالسلامة المرورية، وذلك لسهولة استخدامها لنشر ثقافة استعمال الطريق بشكل آمن، ولكونها باتت الوسيلة الأكثر فعالية في التأثير في الجمهور. 


ومن الإنجازات كذلك الاستراتيجية العربية للسلامة المرورية، التي تضمنت جملة من المجالات والبرامج على صعيد السياسة الوطنية، والتعاون العربي والدولي، والتي يتم تنفيذها وفق خطط مرحلية كانت آخرها الخطة المرحلية السابعة التي اعتمدها المجلس في دورته الثامنة والثلاثين التي انعقدت يوم 25 مارس 2021م، إلى جانب اعتماده في نفس الدورة للخطة العربية النموذجية لتخفيض الحوادث المرورية لسائقي الدراجات النارية، كما اعتمد المجلس في وقت سابق كل من: القانون النموذجي العربي الموحد للمرور، والدليل العربي الموحد للمرور، والخطة الإعلامية العربية النموذجية للتوعية المرورية، إضافة إلى برنامج نموذجي موحد لمناهج ونظم مدارس تعليم قيادة السيارات، وصيغة نموذجية للمصطلحات المتعلقة بالحوادث المرورية وضحاياها وفقا للمصطلحات الدولية، إلى جانب المشاريع والبرامج التي تعمل أجهزة المجلس على تنفيذها والتي تصب في إطار الجهود المبذولة للتخفيف من حوادث المرور وإنقاذ شعوبنا العربية من الويلات والمآسي التي تنجم عنها.


ولا شك أن الإحتفال بمناسبة أسبوع المرور العربي يمثل مناسبة هامة لتثمين الأدوار العملية والجهود الفعلية التي تبذلها أجهزة المرور في الدول العربية عامة وخلال فترة جائحة كورونا المستجد التي طالت بلداننا العربية بصورة خاصة، من خلال إبراز الأدوار التي لعبتها هذه الأجهزة، بالتعاون مع مختلف أجهزة إنفاذ القانون في مختلف مجالات عملها وأنشطتها التي تستهدف تنظيم تحركات المواطنين والحفاظ على سلامتهم، والحد من الآثار والتبعات الناجمة عن هذا الوباء، وتقديم كل ما من شأنه خلق وعي شامل لدى مستخدمي الطرقات بإجراءات الوقاية والسلامة والحفاظ على الأرواح والممتلكات.


كما أن تلافي أوجه الإهمال والتقصير، وتقليل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور يتطلب اتخاذ إجراءات على نحو شامل في مجال السلامة المرورية، ومشاركة واسعة من قطاعات متعددة منها أجهزة المرور والشرطة والنقل والصحة والتعليم، علاوة على أن برامج التوعية بخطورتها ينبغي أن لا تقتصر على أسبوع المرور العربي، بل يجب أن تكون الحملات والأنشطة التوعوية متواصلة طوال العام، ذلك أن توسيع دائرة الوعي بالسلامة المرورية والتغلب على جوانب الإهمال والتقصير وتلافي الأخطاء والابتعاد عن التهور والتسرع بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود والمبادرات المستمرة حتى يشعر كل فرد أن سلوكه أثناء استعماله للطريق كفيل بأن يحفظ سلامته وسلامة غيره، بقدر ما قد يجعله عرضة للخطر على نفسه وأهله وماله وعلى المحيطين به. فلنعمل جميعا على معالجة الإهمال والتقصير، ولنتحل بالمسؤولية أثناء استعمالنا للطريق، حتى نتمكن من الحد أو على الأقل التخفيف من هذه الكوارث لما فيه سلامة أوطاننا ومواطنينا.