جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فاتنات وقويات: بطلات الدراما يتحدين الواقع

إن أى مراقب أو محلل لأحوال مجتمعنا سيجد أن هناك مشاكل وقضايا وتغيرات وممارسات حدثت فى سلوكيات وتعاملات الناس وأخلاقياتهم فى السنوات الأخيرة، وأن هناك انتشارًا واضحًا لسلوكيات العنف والانحرافات والبلطجة، ما يستلزم الحديث عنها وتحليل أسبابها وتبعاتها على المشهد الاجتماعى ككل.

كان من الطبيعى أن تنقل الدراما إلى الشاشة مشاكل المجتمع وقضاياه وأحواله وناسه والتغيرات التى حدثت فى السنوات الأخيرة، وهذا ما حدث ويحدث خلال السنوات الأخيرة، حيث يتم تقديم عدد كبير من المسلسلات التى يتسابق كل منها على الفوز باهتمام ومتابعة الجمهور، وفى تقديرى أن مصر خلال العامين الأخيرين قد استعادت ريادتها فى صناعة الدراما فى المنطقة، سواء كان ذلك من خلال إنتاج عدد كبير من المسلسلات المتميزة فنيًا، والتى تتناول موضوعات سياسية واجتماعية متنوعة أو من خلال مشاركة عدد كبير من كبار النجوم فى الدراما الرمضانية والحرص على المشاركة فى السباق الرمضانى الذى يمكنه اجتذاب العدد الأكبر من المشاهدين.

وبالنسبة للمسلسلات الاجتماعية التى تناولت أحوال المجتمع، فإننى يمكننى أن أذكر هنا عدة ملاحظات عامة على الدراما الاجتماعية التى تعرض خلال السباق الرمضانى الحالى، ثم سأتناول بعض المسلسلات التى استطعت متابعة بعضها، حيث تجاوز العدد هذا العام ٣٠ مسلسلًا، مما يتعذر معه متابعة كل المسلسلات، وسوف أحاول أن أقدم للقارئ بعضًا من رؤيتى النقدية لبعض المسلسلات التى استطعت متابعتها.

أول ملاحظة هى أن المسلسلات الاجتماعية تغلب عليها البطولات النسائية فى السباق الرمضانى الحالى.. وهناك بطولات متواصلة لنجمات وممثلات لهن جماهيرية لدى المشاهدين، مثل يسرا.

ثانى ملاحظة هى بروز قضية الخيانة، فهى محور أحداث غالبية الدراما الاجتماعية خلال مسلسلات شهر رمضان الحالى، والخيانة فى دراما رمضان الحالى تأتى من أقرب المقربين، حيث يجد المشاهد نفسه فى مواجهة واقع أليم وأحداث موجعة للقلب ومشهد لمجتمع ليس فيه أسوياء فى كل الأسر التى نراها، كما فى «حرب أهلية» و«ضد الكسر» و«اللى ما لوش كبير»، ولا نجد شخصيات عادية أو طبيعية، ممن يعيشون بيننا وحولنا، فالشر هو الغالب والعنف وسيلة للوصول لحل أى مشكلة تظهر فى الأحداث.

صحيح أن الواقع فى السنوات الأخيرة يؤكد أن هناك تغيرًا كبيرًا فى أخلاق الناس وأن بعض السلوكيات قد انحدر إلى مستويات دنيا، حيث نشهد جرائم وممارسات ضارة وبلطجة وعنفًا واضحًا وانحرافات كثيرة تؤكد أن هناك خللًا ما حدث فى المجتمع، وفى حاجة إلى إصلاح وتوعية ومعالجات مختلفة ومبتكرة، إلا أن الدراما من ناحية أخرى ليس دورها أن تقدم الحلول.

ثالث ملاحظة أن هناك مبالغة فى تقديم الفساد والانحرافات والمخدرات فى المجتمع، إلا أننى أرى أن هذا الأمر يمكن أيضًا أن يكون جرس إنذار ينبهنا إلى أخطاء فى المجتمع علينا أن نجد لها حلولًا.

رابع ملاحظة هى ظهور تأثير مواقع التواصل الاجتماعى والميديا، وهى تظهر فى مسلسلات مثل «ضد الكسر»، حيث تدمر العلاقة بين الزوجة نيللى كريم ومحمد فراج وأيضًا تلجأ إليها تمارا فى «حرب أهلية» لتدمر صديقاتها ويلجأ إليها يوسف فى «حرب أهلية» لتهديد زوجته.

.. ويأتى فى مقدمة المسلسلات التى تحظى بمشاهدة عالية «حرب أهلية»، حيث ترسخ يسرا مكانتها كنجمة تغيّر من جلدها فى كل مسلسل، وتستوعب مراحل العمر المختلفة، فهى طبيبة تجميل ثرية، لكنها تعيش ظروفًا صعبة وخطيرة بشكل متواصل وتواجه الحياة من خلال سلسلة من الخيانات التى تحاصرها ومكائد تحاك ضدها وهى امرأة ذكية تبدو فى البداية مستسلمة لمكائد مَن حولها، إلا أن الأحداث تكشف عن شخصية قوية ومخططة تحاول التغلب على الصراعات والمكائد من حولها ومن أقرب المقربين إليها.

المسلسل يدور فى إطار التشويق والإثارة، وهو من تأليف أحمد عادل وإخراج سامح عبدالعزيز.. ويشوبه بعض المبالغة فى الأحداث وأيضًا يجسد العنف ضد المرأة فى مشاهد يوسف الطبيب الشرير والمنحرف والمعقد، والذى يحيك الخطط لكل النساء من حوله.. وعمومًا أدى الممثلون فى هذا المسلسل أدوارهم بتميز ومن خلال مخرج متمكن فنيًا وقصة تعتمد على الإثارة والمؤامرات والتشويق.

وفى مسلسل «ضد الكسر» أيضًا تبدو الخيانة هى العنصر الرئيسى المسيطر على الأحداث، وفيه تغير نيللى كريم من نفسها عن العام الماضى، ويظهر تأثير السوشيال ميديا، حيث تجسد دور سلمى وهى زوجة تشتهر مع السوشيال ميديا، ولكنها تواجه بمؤامرات باستغلال السوشيال ميديا أيضًا وتأتى الخيانة من كل مَن حولها ومن أقرب المقربين إليها، زوجها الثرى، الذى يؤدى دوره محمد فراج، وهو زوج متعدد العلاقات يتسم بالاستهتار بمن حوله ويشك فى زوجته بسبب السوشيال ميديا، والذى أيضًا يتعرض للخيانة من أقرب الناس من أسرته وأصدقائه ويخون زوجته بلا مبرر واضح، كما تخون نيللى كريم أقرب صديقاتها لقاء الخميسى، لأنها تحب زوجها وتحيك لها مؤامرات لتدمر حياتها.. كما نرى نيللى كريم تعيش فى ظل حقد أختها «تارا عماد» التى تنشأ بينها وبين صديق أختها علاقه آثمة ينتج عنها حمل، فتجد رجلًا ليتزوجها وتوهمه بأن المولود ابنه فيكتشف خيانة زوجته وتلاعبها وأن الطفل ليس ابنه.. والأم لا تدرى شيئًا عن بناتها فتقرر نيللى كريم بكل بساطة أن تطرد أمها من حياتها فى قسوة واضحة.. ويدور المسلسل حول الخيانة والصراعات والمشاكل والعنف الذى يحدث بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء، وأرى أن فيه مبالغة فى الأحداث التى تدور فى إطار اجتماعى ومبالغة فى الخيانات المتواصلة من كل شخصية وأيضًا تبدو القسوة مسيطرة على كل العلاقات، فلا نجد شخصية واحدة يمكن أن نتعاطف معها فى ظل هذه الأحداث، والمسلسل من تأليف عمرو الدالى وإخراج أحمد خالد..

المسلسل الثالث الاجتماعى هنا، والذى يحظى أيضًا بمشاهدة عالية هو «اللى ما لوش كبير» وهو يقدم عالم الانحرافات تجارة السلاح والبلطجة والمصلحة الشخصية من أجل الثراء ولو على حساب أهم العلاقات فى الأسرة الواحدة، وتدور الأحداث أيضًا فى ظل مناخ الخيانة والصراعات والمؤامرات فى ظل أحداث الأكشن والإثارة، وأيضًا يسيطر عنصر الخيانة على أحداث المسلسل.. وتبرز فيه البطولة النسائية لياسمين عبدالعزيز فى دور «غزل» فى ثانى تجربة لها على التوالى، لكنها فى دور مختلف تمامًا وهى تبدو أكثر نضجًا فى التمثيل وأكثر اختلافًا عن كل ما قدمته. 

وفى رأيى بشكل عام ودون أن أكون مبالغة فإن يسرا قد استطاعت بموهبتها وذكائها وحضورها القوى واختيارات شخصيات متغيرة فى كل السباقات الرمضانية كل عام أن تحفر لنفسها مكانة خاصة عن جدارة لدى الجمهور ودون أن تقارن بغيرها.. فيسرا منذ أن صعدت لتكون بطلة مسلسل رمضانى اختارت أن تكون ضمن فريق عمل وضمن مجموعة كبيرة يعملون كفريق عمل معًا فهى لا تسخر الكاميرا لنفسها ولم تصعد على أكتاف أحد، بل لديها ذكاء، بحيث إنها تظهر معها ممثلات أخريات دون أن تطلب الاستئثار بالكاميرا، ولديها ذكاء أن تكون أمًا لشباب وشابات من الأجيال الجديدة منذ أكثر من عشرين عامًا باقتناع تام، فإنها تتقمص مقتضيات الدور، لهذا يمكننى القول إنه فى ظل مائدة رمضانية عامرة بالدراما من كل لون وشكل، فإن يسرا تتصدر قائمة أفضل البطولات النسائية هذا العام، ثم تأتى من بعدها بمسافة كبيرة ممثلات أو نجمات أخريات، فليس كل من تريد أن تتولى البطولة النسائية فى رمضان تصلح لأن تقوم بالمسلسل، بدليل أن هناك مسلسلات لم يلتف حولها الجمهور.. فالذكاء هو القيام بالدور المطلوب أيًا كان حجمه بشكل يعكس موهبة الممثلة ويقدم قدراتها وكفاءتها دون أن تكون هى التى تقوم بدور البطولة.. وأنا مع زيادة عدد البطولات النسائية، لكننى أيضًا مع تقديم نماذج لسيدات مصريات مكافحات أو يمثلن قصص بطولة حقيقية فى مجتمعنا من خلال أدوار تقدم القدوة والنماذج الإيجابية للشباب، كما أننى أتمنى أن أشاهد فى العام المقبل دراما تحرص على بث رسائل ذات مضمون يبث القيم الإيجابية والمفاهيم النبيلة التى تكرس مفاهيم الجمال والخير والحق والعدالة والأخلاق والتى لا تدمر الهوية المصرية العريقة، وهذه الرسائل من الضرورى أن تقدم بشكل غير مباشر وبشكل لا يخل بالعمل الفنى وبما يرفع درجة الوعى لدى المشاهد ويجعله يرى الصواب ويرفض الخطأ أو يفكر فى تغيير نفسه إلى الأفضل وبما يحقق فى النهاية رفض الانحرافات والجرائم والعنف المفرط والمخدرات، فالدراما والإعلام والسوشيال ميديا قد أصبحت وسائل فعالة للتأثير فى وعى الشعب، كما لاحظنا فى السنوات الأخيرة.