جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

رحلة طويلة

«الدستور» في رحلة علاج مع مرضى التوحد بمصر

مرضى التوحد
مرضى التوحد

«عبداللطيف» 10 سنوات، طفل توحدي أو مصاب بمرض «الذاتوية» كما يُعرف علميًا، اكتشف والده إصابة طفله الوحيد بذلك المرض الغامض، بعد بلوغه سن السادسة من عمره، صُنف مرضه على أنه توحد شديد في مرحلة متأخرة؛ بسبب صمت الطفل الدائم، وعدم رغبته في التواصل أو التعامل مع الآخرين حتى ذويه من أبيه وأمه.

يروي «أسامة» والد الطفل رحلة علاج بدأت منذ 5 سنوات وما زالت مستمرة إلى الآن لـ«الدستور» متحفظًا عن ذكر أسماء مراكز العلاج الشهيرة، التي طرق أبوابها لعلاج طفله، ولم ينل منها سوى مزيد من الاستنزاف القوي للوقت والمال.

قال: «أدخلناه مركز شهير لعلاج التوحد والتخاطب في مصر، الذي صنف مرضه إنه (توحد خفيف)، ظل يتلقى فيه علاجًا لمدة ستة أشهر، تحسن في تلك الشهور القليلة، إلا أن المركز عقب ذلك قام بتغيير طريقة العلاج وطاقم المشرفون، وهو يعد أمرًا قاسي على أطفال التوحد في مرحلة العلاج؛ بسبب بغضهم الشديد من عملية التغيير لأي شيء حولهم».

تطول فترة علاج مرضى التخاطب في مصر الذين يتنقل ذووهم بهم على عدد كبير من مراكز التوحد والتخاطب من أجل العلاج وكثير منهم تمر به السنوات دون فائدة وفق حكايات خاصة رصدتها «الدستور» في التقرير التالي: 

بحسب أسامة بدأ المركز يستخدم طريقة علاج تُعرف باسم: "تحليل السلوك التطبيقي وتدريب التوحد" الذي يرمز له بـ"ABA"، حسبما يضيف الولد: "أصيب الولد بانتكاسة كبرى ولم يتحسن لمدة أربع أشهر هو يزداد سوءًا، ويتعلم عادات سيئة من طاقم العلاج، حتى وصل إلى درجة فقد بعض الكلمات التي كان قد تعلمها في شهور المرض الأولى.

وأشار إلى أنه أنهى تعامله مع ذلك المركز نهائيًا، وأخذ جميع أوراق الطفل الخاصة من المدرسة المرفقة بمركز العلاج الشهير، وقام بالتقديم وطلب العلاج في مركز آخر، والذي اتبع معه أسلوبًا جديدًا، يقول "أسامة": "كان عبداللطيف حالته تسوء يومًا تلو الآخر ورغم ذلك كان أطباء المركز يخفون الأمر علينا، حتى يستنزفوا مزيدًا من الأموال، ولم نجن سوى إضاعة مزيد من الوقت فقط".

الدكتور محمود كامل، طبيب تخاطب في إحدى المراكز، قال إن هناك أعراضًا متفقًا عليها يتم اختبار طفل التوحد فيها قبل البدء في علاجه للتأكد من مدى استجابته لها من عدم، وهي قصور التفاعلات الاجتماعية، وطريقة النطق ومعرفة بعض الكلمات الصعبة، وصعوبات اللغة، والتواصل البصري.

وأضاف أن الطفل بمجرد دخوله المركز يخضع لعدد من الاختبارات للتأكد من وجود تلك الأعراض من عدمها، وفي حال وجود عرض واحد يأخذ في الاعتبار أنه قد يكون مؤشرًا على وجود أعراض أخرى خفية.

أشار إلى أنه يتم تصنيف طفل التوحد على حسب الأعراض، سواء طفيف أو حاد أو متوسط، وعقد أيضًا كورسات تدريبية اختيارية للأباء والأمهات الذين يتعاملون بشكل مباشر مع مريض التوحد، يتعلمون فيه ردود الفعل الصحيحة في حال غضبه أو فرحه الشديد أو بكاؤه أو انفعاله.

أوضح أن هناك كورسات تعقد من أجل المهارات اللغوية، لاستيعاب المفردات والمعاني التي يقابلها الطفل على مدار يومه، حتى يضع الكلمة الصحيفة في مكانها، ومن ثم ينتقل المتفوقون منهم إلى مرحلة التواصل اللفظي وأخيرًا إجراء الحوار الكامل بداية من الإشارة حتى النطق.

لا يوجد إحصاء رسمي دقيق عن مرضى التوحد في مصر، ولكن  بحسب دراسات طبية أمريكية، ظهرت أعراض مرض التوحد في مصر عام ‏1940‏، وزادت نسبة حدوثه عام ‏1978‏ إلى طفل من كل ‏300‏ طفل.

ووفقًا لتقارير معهد أبحاث التوحد، بدأ ينتشر المرض بصورة كبيرة مؤخرًا، حيث أصبح 75 حالة في كل 10 آلاف طفلًا من عمر 5 إلى 11 سنة، وتعتبر هذه نسبة عالية،  مقارنة بما أعلن سابقًا بأن 5 حالات من كل 10 آلاف طفل.


وفى بيان لمنظمة الصحة العالمية عام 2014، أكدت أنه في مصر يقدر عدد المصابين بالتوحد 800 ألف مصابًا، وفي الوقت ذاته أعلنت إدارة الأطفال بالأمانة العامة للصحة النفسية، أن نسبة انتشار مرض التوحد في مصر تصل لـ1% أي حوالي 800 ألف مريض، وهي الإحصائية الأخيرة عن مرضى التوحد في مصر.

لم يختلف حال عبدالعظيم والذي رزق بطفل مصاب بالتوحد، ومر به في رحلة علاج مضنية، حيث قدم له في أحد مراكز علاج التوحد، وبدأ يلتزم في حضور المدرسة التابعة للمركز، والتي حسبما يؤكد الولد قالت لهم إن عدد الأطفال في الفصل الواحد لا يتعدى 8 أطفال مصابين بالتوحد، إلا أنه تفاجأ في يوم بوجود نحو 15 طفلًا في الفصل الواحد، ما جعله يفقد الثقة في المركز.

وأضاف: "العدد الكبير في الفصل أصاب الطفل برهبة شديدة وجعله يصمت عن الحديث لفترات طويلة، لكون حالته أصعب من الأطفال الآخرين، وتفاوت المستوى بينهم جعل حالته تتأخر بشكل أكبر، فضلًا عن أن مدرسة المركز كانت غير مؤهلة للتدريس".

واختتم: "الكثير من مراكز علاج التخاطب والتوحد في مصر، ليست سوى مراكز تجارية لا تهدف سوى للربح فقط، فقد ظللت أطوف بطفلي لمدة تزيد عن خمس سنوات، ولم أجد مركزًا واحد مؤهلًا للتعامل مع أطفال التوحد، أو أن الموجودين به قادرون على التخاطب مع الأطفال ولم يدرسوا في ذلك المجال، حتى سافرت إلى الخارج من أجل علاجه".

ينصح "عبدالعظيم" كل والد لديه طفل مصاب بمرض التوحد، ألا يعتمد على المراكز في مصر، فقد يستطيع من خلال بعض الدورات التدريبية على الإنترنت معرفة كيفية التعامل مع الطفل التوحدي، مؤكدًا أن 90% من تلك المراكز عقب تلك التجرية المريرة لا تهدف سوى للربح فقط، ولن ينال منها الطفل أو الآباء سوى مزيد من استنزاف الوقت والجهد.