جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الأسد و50 مرشحًا.. ليه؟!

بإغلاق باب الترشح، أمس الأول الأربعاء، من المفترض أن ينافس ٥٠ مرشحًا الرئيس السورى بشار الأسد فى الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها فى ٢٦ مايو المقبل، تحت إشراف أو بمراقبة برلمانات ١٤ دولة «شقيقة وصديقة» قرر البرلمان السورى دعوتها، غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، رفضت إجراء تلك الانتخابات وشكّكت، مسبقًا، فى نتائجها، وقال جير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، إنها ليست جزءًا من العملية السياسية!.

تم فتح باب الترشح فى ١٩ أبريل الجارى، وبعد يومين تقدم الرئيس بشار الأسد، بأوراقه للمحكمة الدستورية العليا، وسبقه وتبعه المرشحون الخمسون الذين اشترط قانون أقره البرلمان سنة ٢٠١٤ أن يكونوا قد أقاموا فى سوريا، خلال السنوات العشر الماضية، بشكل متواصل. وفوق ذلك، فإن ترشحهم لن يصبح رسميًا أو نهائيًا إلا بعد حصول كل منهم على تأييد ٣٥ على الأقل من أعضاء البرلمان البالغ عددهم ٢٥٠ عضوًا.

المرشحون الخمسون لن يستمر منهم إلا ثلاثة أو أربعة على الأكثر. ولعلك تتذكر أن المحكمة الدستورية السورية تلقت ٢٤ طلب ترشح قبل انتخابات ٢٠١٤، ثم لم يتنافس فيها فعليًا إلا ثلاثة مرشحين، فى سابقة كانت الأولى فى تاريخ سوريا، استحدثها الدستور، الذى أقره السوريون سنة ٢٠١٢، وغيّر طريقة أو صيغة اختيار الرئيس من «الاستفتاء» إلى «انتخابات متعددة المرشحين». واستنادًا إلى الدستور نفسه، ستجرى الانتخابات القادمة لأن اجتماعات اللجنة الدستورية التى انعقدت فى جنيف برعاية الأمم المتحدة، لإقرار دستور سورى جديد، لم تسفر عن أى نتائج.

الانتخابات الرئاسية السورية تجرى كل ٧ سنوات، وإذا جرت هذه الانتخابات، ستكون هى الثانية منذ سنة ٢٠١١، بعد انتخابات يونيو ٢٠١٤، التى حصل فيها بشار الأسد، الذى يحكم سوريا منذ سنة ٢٠٠٠، على أكثر من ٨٨٪ فى مواجهة اثنين من المرشحين، وحال فوزه، هذه المرة، كما تقول غالبية التوقعات والترجيحات، داخل سوريا وخارجها، ستكون تلك هى ولايته الرئاسية الرابعة. ولعلك تعرف أن محاولة «أو مؤامرة» الإطاحة به أزهقت أرواح نحو ٤٠٠ ألف سورى، وخلّفت مئات آلاف الجرحى والمعوقين، وشردت نحو نصف سكان البلاد داخليًا وخارجيًا، ودمرت وخربت الاقتصاد ومجمل مناحى الحياة، ومختلف البنى التحتية، والمرافق الخدمية التى باتت شبه معطلة، فى مختلف المناطق السورية.

أهل سوريا، طبعًا، أدرى بشعابها، ولهم وحدهم حق اختيار رئيسهم ورئيسها. ومع ذلك رفض مجلس الأمن، بغالبية أعضائه أو بكلهم باستثناء دولتين أو ثلاث، نتيجة الانتخابات بشكل استباقى. وخلال الجلسة الشهرية لمجلس الأمن بشأن سوريا، قالت ليندا توماس جرينفيلد، المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إن «الفشل فى تبنى دستور جديد دليل على أن ما يسمى انتخابات ٢٦ مايو ستكون زائفة». وأكدت ضرورة اتخاذ خطوات جادة من أجل «مشاركة اللاجئين والنازحين فى أى انتخابات سورية». ولاحظ أن المقصود بـ«المشاركة» هنا، هو الترشح، لأن المواطنين السوريين فى الخارج، معارضين أو مؤيدين، سيكون متاحًا لهم التصويت يوم ٢٠ مايو، لو سمحت لهم الدول التى يقيمون فيها بذلك.

الموقف نفسه تقريبًا اتخذه نيكولا دى ريفيير، مندوب فرنسا، وسونيا فارى، ممثلة بريطانيا و... و... حتى إستونيا، التى نتشكك فى وجود سورى أو عربى يعرف مكانها على الخريطة، اشترط ممثلها، مشاركة من وصفهم بـ«المعارضين الذين يعيشون خارج البلاد»، ووصف أى انتخابات لا يشارك فيها هؤلاء بأنها «مهزلة جديدة». 

مقابل كل هؤلاء، قال فاسيلى نيبينزيا، مندوب روسيا: «من المحزن أن بعض الدول ترفض الفكرة نفسها لهذه الانتخابات، وأعلنت بالفعل أنها غير شرعية»، مستنكرًا «التدخل غير المسموح به فى الشئون الداخلية لسوريا». وبما أن روسيا إحدى الدول الخمس دائمة العضوية، التى تتمتع بحق النقض «الفيتو»، فإن موقفها ينسف مواقف الدول الـ١٤ الأخرى. ما دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، إلى المطالبة بإنشاء «شكل جديد» يمكن أن يجمع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بملف الأزمة السورية، من أجل الشروع فى تسوية جديدة!.

نتيجة الانتخابات تكاد تكون محسومة، حسب غالبية التوقعات والترجيحات، كما أن موقف المؤسسات الدولية أو ما يوصف بالمجتمع الدولى منها محسوم أيضًا. ما يعنى أن الوضع سيظل على ما هو عليه. ولأن أهل سوريا أدرى بشعابها، كما قلنا ونكرر، فإن الطريق إلى استعادة دولتهم يستحيل أن يبدأ من خارجها أو من أى مؤسسات دولية تعجز عن فرض احترام قراراتها، بل من داخلها، من داخل سوريا، التى نتمنى أن يواجه أهلها بأنفسهم، على أرضها، مخطط تدميرها، أو ما تبقى منها. هذا لو تفاءلنا وافترضنا أن دولة تم تدمير ثلثيها، على الأقل، وغادرها أكثر من نصف شعبها، يمكن أن تعود أو تستعاد.