جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حقنا فى الرقى والتقدم والسعادة وإفادة البشرية

لأسباب عديدة، لست مقتنعة بالاستعراضات الإعلامية التى تتكلم عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى. وفى شهر رمضان، تزداد هذه الاستعراضات الإعلامية الملتحفة بالدين.
أهم هذه الأسباب، أن العقلية التى تناقش هذا التجديد غير مؤهلة، ثقافيًا، وفكريًا، وإنسانيًا، لكى تجدد أى شىء. ولو حتى «تتر البرامج»، التى تقدمها، حيث يتمثل نبوغها المطلق فى التأييد، والتصفيق، والموافقة، وليس فى النقد الجرىء الجذرى.
ثانيًا، هذه العقلية رد فعل للدعوة التى بادرت بها الدولة، وليست فعلًا أصيلًا نابعًا من قناعتها الخاصة، وبالتالى كلهم يرددون الأقاويل المكررة، ولا يستضيفون إلا الشخصيات المتأسلمة المستهلكة، التى تؤمن فى داخلها بحكم رجال الدين.
إن أكبر آفاتنا، هى «الاستسلام» لطرق التفكير التى «تغلق» التفكير، لا تفتحه. «تغطى» العلل والموروثات المريضة، لا تكشفها. وهذه الآفة تتضخم أكثر عند تناولنا الأفكار، والثقافة الدينية، حيث يشكل الدين فى بلادنا أحد «التابوهات» الأسمنتية، التى تحرم وتجرم وتكفر النقد بكل درجاته، وأشكاله، ونواياه، وغاياته.
فى هذا المناخ يكون «تثوير الفكر الدينى»، هو المصطلح الأكثر دقة وحسمًا وضرورة، لخلق علاقة جديدة بين الدين والمواطن المصرى، والمواطنة المصرية.
وإذا شئنا المزيد من الدقة والحسم والضرورة، فإن تثوير الفكر، بشكل عام، هو الهدف الأكبر الذى إذا تحقق، فإن كل الأشياء فى حياتنا، سوف تلبس رداء الثورة؛ بما فيها الفكر الدينى، والخطاب الثقافى، والتربية الأخلاقية.
ترى ماذا نقصد بعملية «التثوير»؟. الفكر الثورى، كما أؤمن به، لا بد أن يحقق الآتى:
1- المشى فى جنازة كل القيم التى «تستعبد» الإنسان.
2- دفن الموروثات الذكورية التى تهين المرأة، فى فكرها وجسدها ومكانتها ودورها، وامتلاكها مصيرها وحياتها.
3- استبدال العلاقات على كل المستويات المستمدة من النسق الهرمى، بالعلاقات المبنية على النسق الدائرى، حيث الجميع على مسافة واحدة من مركز الدائرة.
4- إحلال الأسرة الإنسانية العادلة، محل الأسرة الذكورية المستبدة القائمة على طاعة وإخضاع الزوجات، والأطفال.
5- إلغاء تدريس الأديان فى جميع المراحل التعليمية، وتنقية المناهج التقليدية من توجهها العنصرى الذكورى السلطوى.
6- إلغاء خانة الديانة من جميع أوراق الحكومة، وأوراق الدولة الرسمية.
7- الديانات، والعقائد، والمذاهب، والطوائف، والملل الدينية، مكانها قلوب البشر، وليس أى مكان فى المجتمع، والدولة. فالمجتمعات والدول، لا دين لها، فهى لا تصوم، ولا تصلى. كل إنسان يعبد ربه، فى صمت، داخل قلبه، وبيته فقط.
8- تحقيق اقتصاد إنتاجى قائم على العمل، والإنتاج، والتصدير. وليس الاقتصاد الاستهلاكى الطفيلى، القائم على الاستيراد والمعونات. ولا بد أن يحقق لجميع أفراد الشعب، فى القرى، والنجوع، والمدن، الحد الأدنى الكريم إنسانيًا من المعيشة، والسكن، والعلاج، والمواصلات، والتعليم، والثقافة، والفن.
9- اكتشاف القدرات الإبداعية، فى كل مجال، ومنحها الفرص، لابتكار حلول جريئة، مبدعة فى مناصب صنع القرار.
10- إلغاء الرقابة على جميع أنواع الفنون، وأشكال التعبير.
11- تشريع قوانين عادلة ناجزة، تخدم ترسيخ العدالة والحريات فى أشكالها الخاصة، والعامة.
12- إقرار مبدأ: «لا صوت يعلو فوق صوت العدالة والحرية». 
13- إنشاء كيان وطنى من الشخصيات العامة الثائرة، وأهل الفن التنويرى، لكى تراقب الأداء الثورى، بشكل يومى، وتقوم بتصحيح فورى للانتكاسات والانحرافات.
وعملية «التثوير» الشاملة فى حالة «ديناميكية» لا تتوقف، وتتفاعل مع المتغيرات الجديدة بالروح الثورية. «التثوير» له أعداء، داخليًا وخارجيًا. لكننا إذا كنا حقًا نريد التقدم، فلا بد من دفع ضريبته بفخر، وإصرار.
الفكر الثورى، إذن، بهذا المعنى، فى ارتباط عضوى مباشر مع علاقتنا بالحياة.
ليس صدفة، أن المجتمعات التى تواجه الحياة بجسارة الفدائيين، هى التى تذوقت طعم التقدم. والتقدم، ليس فقط فى الصناعة والتكنولوجيا وأبحاث الفضاء، لكنه التقدم الإنسانى، الثقافى، الأخلاقى، الذى يتم اختصاره فى «السعادة».
«النقاء» الثورى ينقى مناخنا، ينقى أفكارنا، ينقى سلوكياتنا، ينقى مشاعرنا، ينقى ثقافتنا، ينقى عاداتنا وتقاليدنا، وينقى أخلاقنا.
أجمل صور النقاء الأخلاقى، أن يجتمع رجل وامرأة، تحت سقف واحد، ولا يكون ثالثهما الشيطان. وإنما حوار عميق، متفلسف عن الفن، والثورة، والحرية، يأخذنا إلى آفاق اشتقنا إليها. أيهما نختار، الشيطان أم الرقى؟. لازم «مصر» تتقدم، وتأخذ حقها فى الرقى، والسعادة، وتقديم المنفعة للجنس البشرى.

من بستان قصائدى
من أمنياتى المستحيلة.. أننى أحمل على ذراعى
«نفسى».. عندما انفصلت عن جسد أمى
ولم أزل بعد طفلة رضيعة.. أتأمل نفسى الطفلة طويلًا
أطعمها أسقيها.. وأسألها ألف سؤال
أتركها وأرحل سريعًا.. رأيت فى عينيها العسليتين مرارة الفجعة.