جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إسرائيل ومياه النيل

منذ أن ظهر الكيان الإسرائيلي بجوار مصر عام 1948, وهو ينظر جنوبا، وكانت أحلامه هي الوصول الى نهر النيل، وظل هذا الحلم يراودهم.    
كما أنه ثمة اعتقاد لدى الإسرائيليين بأن حدود دولتهم ستمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وهو ما أشارت إليه الكتابات التوراتية اليهودية، وكُتب على لوحة توراتية في مدخل الكنسيت الإسرائيلي بأن حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل.    
كانت لدى الصهاينة أحلام مبكرة بالحصول على مياه النيل، ففي عام 1903 قدم تيودور هيرتزل المؤسس الفعلي للحركة الصهيونية تقد باقتراح لدي بريطانيا بصفتها دولة احتلال لمصر بنقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى سيناء، ومنها إلى فلسطين، بحجة تنمية شمال سيناء، إلا أن هذه الدراسة لاقت احتجاجًا بالغًا من الحكومة المصرية، خوفا من تقليص كمية المياه بما يؤثر على زراعة القطن، ولم تكن بريطانيا متحمسة، ومن ثَمَّ فقد تم إهمال مشروع هيرتزل.    
ظل حلم إسرائيل بمياه النيل كامنا حتى ما بعد حرب 1973, وزيارة الرئيس السادات للقدس، وقتها كانت أحلام الرئيس السادات بالسلام بعيدة المدى، كان السادات يحلم بعيون يقظة، ولم يسرف كثيرا في الحلم. 
في تلك الأثناء أعاد الإسرائيليون التفكير في وصول مياه النيل الى الصحراء النقب عبر سيناء. وخلال سير مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، تقدم المهندس الإسرائيلي شاؤول أولوزورف، مدير هيئة المياه الإسرائيلية، بمشروع إلى السادات، في إطار مشروعات مشتركة لتطوير مياه النيل، يهدف إلى نقل مياه النيل إلى إسرائيل من خلال شق ست قنوات تحت قناة السويس، بحيث ينقل حوالي مليار متر مكعب لري صحراء النقب، منها 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة.    
صارح السادات مستشاره الدكتور بطرس غالى والذي كان وقتها وزير دولة للشئون الخارجية بما ينوي ان يقدمه للإسرائيليين لمحاولة جذبهم لإتمام اتفاقية السلام،    .
كان الرئيس السادات يريد التخلص من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية في كامب ديفيد. وهو ما دا الدكتور مصطفي خليل رئيس الوزراء في الوقت بالتصريح بأن تصريحات الرئيس السادات لا تتجاوز النوايا الحسنة، تم تجمدي العمل بترعة السلام.    
ولكن الدكتور بطرس غالي، أخبر الرئيس السادات بأن توصيل مياه النيل إلى الصهاينة مستحيل لسببين: 
الأول أن اتفاق 1959 بين مصر ودول حوض وادي النيل يمنع بيع مياه النيل لطرفٍ من خارج دول الحوض، والثاني أن مياه النيل لا تكفي مصر أصلاً حتى نبيعها للغير.    
وبالفعل صرح الرئيس السادات بنيته تلك للصحافة الأمريكية وقتها، بنيته مدّ مياه النيل إلى إسرائيل، وقد أثارت تصريحات السادات، حفيظة رئيس الوزراء الأثيوبي منجستو هيلا مريام، الذي هدَّد بمنع مصر من حقهّا في مياه النيل إذا أخلَّت باتفاق 1959.    
وفي عهد الرئيس مبارك، وبعد افتتاح النفق الثالث تحت قناة السويس في نوفمبر 1996، أُشاع الإسرائيليون أن الغرض منه إمداد قطاع غزة وإسرائيل بمياه النيل تحت الإشراف الفني للحكومة الإسرائيلية، وهو ما لم يثبت صحته آنذاك. ولكن الرئيس مبارك نفى ذلك.    
لأجل ذلك لم تيأس إسرائيل واتجهت جنوبا نحو القاهرة الأفريقية، وتواجدت بكثافة في دول حوض النيل، في ظل الغياب الكامل لمصر، بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس ابابا عام 1995. من أجل الضغط على مصر وتطويق دورها، والعبث بأمنها المائي من ناحية، والسعي نحو تحويل جزء من مياه النيل إلى إسرائيل عبر مصر من ناحية أخرى، من خلال إثارة المشاكل بين دول حوض النيل، وخاصة بين مصر وإثيوبيا، مما يسهل من مخططاتها بشأن مياه النيل، والتأثير على الدور المصري في المنطقة بما يحقق مصالحها ويبسط من نفوذها.    
يترتب على قبول مصر بفكرة توصيل مياه نهر النيل إلى إسرائيل أنها ستصبح بحكم القانون الدولي ضمن دول حوض النيل، وبالتالي سيكون لديها الحق في المطالبة بنصيب أكبر من مياه نهر النيل، خاصة في ظل التواطؤ الإثيوبي معها، وهو ما يعتبر تهديدًا كبيرًا للأمن القومي المصري.