جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

داليا مجدي عبد الغني تكتب.. الإسقاط

مُصطلح "الإسقاط" يحمل العديد من المعاني، مثل سحب الثقة من أحد الأشخاص، أو نزول شخص من نظر أحد ذويه، أو إنزال الجنود بالمظلات، أو خلع الشاعر مشاعره على أحد الأشياء، أو تأليف عمل يتناول أحداث ماضية، ويتضمن رموزًا تدل على الحاضر، وعليه، فتوجد الكثير من الأمور التي تقع تحت مفهوم "الإسقاط".

ولكن هناك معنى آخر لهذا المُصطلح، وهو محل حديثنا، ألا وهو "الإسقاط النفسي" وهذا السلوك يحدث عندما يقوم أحد الأشخاص بنسبة أفكاره وعُيوبه وأحاسيسه إلى الآخرين، وهذا يعتبر من وجهة نظر التحليل النفسي أسلوب من أساليب الدفاع عن النفس، ومُحاولة إيجاد مُبررات لسلوكياتها، لأنه في عقله الباطن يكون مُتحفظًا على تلك النزعات التي تُواتيه، وتُجْبره على الإتيان بتصرفات غير مقبولة من وجهة نظر المنطق والعقل والأخلاق.

ولكن بسبب عناده ورفضه التام الاعتراف بتلك العُيوب والأخطاء، وكذلك عدم قُدرته على مواجهتها مع استسلامه الكامل لها، وخُنوعه لدوافعه بشكل لاإرادي، وخُضوعه لأفكاره الهدامة أو صفاته السلبية، فيضطر أن يوُجد المُبررات بداخله لكل هذا، ولكي يتحرر من الشعور بالذنب الذي يُحيط به من كل الجوانب، يُحاول جاهدًا أن يُلقي بتلك التصرفات على الآخرين، وينسبها إليهم، بمنتهى الجرأة، بشكل مُلفت للنظر، وفي اعتقاده أن سلوكه هذا نوعًا من أنواع الدفاع عن النفس ضد هُجوم الآخرين، وكذلك لإقناع نفسه بأن الكل يخضع لذات العيب، ولا يستطيعون التحرر منه مثله، لأن هذا الشعور يُضفي حالة من الرضا بداخله، ويُريح ضميره إلى حد كبير، عملاً بمقولة: "ما كل الناس بتعمل كدة".

وهذا هو التحليل النفسي لهذا النوع من "الإسقاط" أو بمعنى أدق هو تحليل ما يجول بخاطر "المُسقِط"، ولكن علينا ألا نتجاهل "المُسقَط عليه" فهو ضحية تلك السلوكيات الملفوظة، ولكن للأسف، أحيانًا كثيرة يكون له يد في تبعة ذلك السلوك، وهذا يحدث عندما يقبل ذلك الإسقاط، أو عندما تحدث له اضطرابات لاإرادية بمجرد إلصاق بعض التهم، أو العُيوب، أو الأخطاء، أو السلوكيات به، فهنا يضطرب ويتلعثم، ويشعر لاإراديًا أن كل ما هو منسوب إليه حقيقي، وحتى لو حاول الدفاع عن نفسه، يكون دفاعه أجوف، يميل إلى الانفعال، ومُحاولة التهرب من الموقف، لدرجة أنه في بعض الأحيان، يُلصق تلك التصرفات بشخص آخر، حتى يتنصل منها.

وفي رأيي أن ذلك يرتبط إلى حد كبير باهتزاز الثقة في النفس، وعدم القُدرة على الثبات الانفعالي، والعجز عن دحض الحُجة بالحُجة، وللأسف الشديد، كثيرًا ما يقع "المُسقط عليه" فريسة حقيقية لتلك السلوكيات، وهذا يحدث عندما يبدأ بالفعل في تصديق أنه يتسم بتلك العيوب، فيبدأ إحساسه بالإخفاق، وتزداد عدم ثقته في نفسه، مما يترتب عليه ظهور كثير من الاضطرابات عليه، بسبب خشيته من أن يكون محل شك، أو لتوهمه أن ما تم إسقاطه عليه قد يكون في محله.

فالواقع أن من يقوم بالإسقاط هو شخص مريض، ويُحاول إلصاق مرضه بغيره، سواء كان هذا المرض نفسيًا أو اجتماعيًا، ولكن يتسبب في إصابة من يُسقط عليه أفعاله وصفاته بالمرض مثله، فهو ينزع ثقته في نفسه، ويُدخله في دوامة من الاضطراب الوجداني، لدرجة أنه قد يُحول حياة هذا الشخص إلى مأساة حقيقية.

وأخيرًا، فـ"الإسقاط" المسلكي والنفسي من أخطر التصرفات على الإطلاق، وللأسف الشديد، يلجأ إليها الكثيرون لمُحاولة دفع أي تُهمة عنهم، أو رغبة منهم في تشويه الآخر بأي وسيلة، خاصة لو كان هذا الآخر يتسم بضعف الشخصية، وعدم القُدرة على المُقارعة بالحُجة.

وعليه، فهذا السلوك يُعد من أخطر الآفات التي تُصيب المُجتمع.