جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حصاد زيارة ليبيا

بإعلان مشترك و١١ وثيقة لتعزيز التعاون، انتهت زيارة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، والوفد الوزارى المرافق، إلى العاصمة الليبية طرابلس، التى استهدفت دعم السلطة التنفيذية الجديدة، وجرى خلالها الاتفاق على مكافحة الإرهاب ورفض أى تدخلات خارجية، إقليمية أو دولية، وعدم الاصطفاف فى محاور أو تكتلات مشبوهة أو معادية.

الزيارة هى الأولى لرئيس وزراء مصرى إلى العاصمة الليبية منذ سنة ٢٠١١. وفى المؤتمر الصحفى المشترك، قدّم إليه نظيره الليبى، عبدالحميد الدبيبة، الشكر على هذه الزيارة التى وصفها بـ«الكبيرة والمهمة»، وأكد أن أهم الإيجابيات التى جاءت مع «حكومة الوحدة الوطنية» هى بدء استعادة ليبيا لعلاقاتها الطبيعية مع الدول الشقيقة. وثمّن الدبيبة «الدور الكبير»، الذى لعبته مصر فى دعم الحوار السياسى وإيجاد حل شامل للأزمة الليبية، وقال إن ليبيا «تتطلع لأن تستمر مصر فى المساعدة على تحقيق الاستقرار».

الإعلان المشترك قال إن الجانبين بحثا خلال هذه الزيارة المهمة «جُل القضايا السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، واتسم اللقاء بتطابق وجهات النظر حيالها، ووضوح الرؤية التى انبثقت من صدق النوايا، مع العزم الأكيد للسير نحو تطوير العلاقات الثنائية فى شتى المجالات، وعلى مختلف صعدها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية». وأكد الجانبان أهمية التنسيق المستمر بين البلدين، وتوحيد موقفهما من مختلف القضايا الإقليمية، والدولية، مع التأكيد على أهمية حماية ليبيا لسيادتها على أراضيها، ووحدتها السياسية، واستقلالها.

بالإضافة إلى اتفاقهما على ضرورة إخراج العناصر والتشكيلات الأجنبية المسلحة من الأراضى الليبية، أدان الجانبان الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، داعيين إلى إنشاء منظومة معلومات وقاعدة بيانات مشتركة لمكافحة الإرهاب، ورصد ومتابعة وتبادل المعلومات حول الأنشطة الإرهابية، وحصر العناصر الإرهابية فى البلدين، وإعداد دليل موحد للعناصر المطلوبة، والمشتبه بها، وتسيير دوريات حدودية مشتركة، وإقامة نقاط أمنية ومراقبة على طول الحدود البرية والبحرية، والتعبئة العامة ضد تمويل الإرهاب، وتبادل الخبرات بين البلدين فى هذا المجال، وتشكيل قوات مشتركة بين البلدين لمكافحة الإرهاب ميدانيًا، وفكريًا، وإعلاميًا.

غير الإرهاب وحالة الاحتراب بالوكالة، سينعكس تأزّم الوضع فى تشاد على ليبيا التى قد تكون ساحة لتصفية الحسابات، أو نقطة تجمع وانطلاق الجماعات المسلحة لتزكية الصراعات التى قد تتسع رقعتها، لتشمل دول الساحل ووسط إفريقيا. وعليه، ستجد الأطراف الخارجية التى تتحرك فى تلك المنطقة ذريعة لمزيد من التدخل، خاصة بعد أن اتخذت التنظيمات الإرهابية صحارى المنطقة الشاسعة ملاذات لعناصرها. إذ لم يعد سرًا أن لكل تلك التنظيمات دولًا تدعمها وتستخدمها فى تحقيق مصالحها.

إضافة إلى ذلك، دعا الإعلان المشترك إلى تشجيع التبادل التجارى والاقتصادى بين البلدين الشقيقين من خلال رجال الأعمال والمستثمرين، وتسهيل حركة السلع والبضائع فيما بينهما، والعمل على زيادة المبادلات التجارية من خلال حث الفعاليات الاقتصادية فى البلدين لإجراء اتصالات مباشرة، وتشجيعها على تكوين شراكة فاعلة، مع ضرورة المشاركة فى الأنشطة الاقتصادية والمعارض، التى تقام فى أراضيهما. كما أعلن الجانبان عن استئناف رحلات الطيران وفتح الخطوط البحرية للركاب والشحن بين موانئ البلدين.

اليوم قد يشبه البارحة، جزئيًا، ففى كتابه «دولة الخيمة» الذى سيصدر قريبًا، أشار الكاتب الليبى مجاهد البوسيفى إلى أن «سنوات البراءة» التى تلت ثورة الفاتح من سبتمبر ١٩٦٩، ووصول العقيد معمر القذافى إلى السلطة شهدت تسابقًا من عدة أنظمة لاستقطاب «العقيد»، غير أن هذا السباق، كما اتضح للجميع، كان محسومًا منذ بدايته، لصالح القيادة العربية الكلاسيكية: مصر وزعيمها جمال عبدالناصر. وأوضح «البوسيفى» أنه بعد إعلان الانحياز للناصرية، هاج الناس وخرجوا إلى الشوارع، على الرغم من حظر التجول، للتعبير عن الفرحة وإعلان التأييد.

وقتها، لم تعد مشكلة الثوار الجدد فى وجود أعداء سيقاومون الثورة، بل فى امتلاء الشوارع بالمؤيدين. وبعدها، وعلى امتداد سنوات كثيرة صارت ليبيا شكلًا مصغرًا من مصر فى كل شىء تقريبًا، بما فى ذلك العلم والنشيد الوطنى. ويؤكد «البوسيفى» أن اعتماد القذافى ورفاقه على عبدالناصر، كان كبيرًا بشكل لا يمكن تجاوزه، موضحًا أن مصر أسهمت بفاعلية فى كل شيء تقريبًا، من الحفاظ على تدفق السلع التموينية، إلى المساعدة فى إعادة بناء الجيش وإنشاء جهاز المخابرات، ثم قام بـ«التشريع» لعملية تأمين الثورة واقترح قوانين لا يُسمح بتجاوزها.

التطور فى العلاقات الإقليمية والدولية، فرض تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، وأوجب أن يتم تطوير العلاقات الراسخة التى تجمع البلدين الشقيقين و... و... وأن يتفق الجانبان على بدء التحضير لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين مصر وليبيا، التى لم تنعقد منذ ٢٠٠٩، ويوصى الإعلان المشترك بالبحث عن صيغ لعقد لقاءات بين مسئولى البلدين، على مختلف المستويات، بشكل دورى، لتعزيز العلاقات وبناء المزيد من جسور الثقة والوئام.