جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«أخبِروا السرطان أنني أقوى».. حكاية سماء طارق مُحاربة «الكانسر»

سماء طارق
سماء طارق

ثمانية عشر عامًا كان عمرها.. وكلية الطب كانت حُلمًا يُراودها بحثًا عن دواء لآلام القلوب، حتى لا يفقد أحدهم عزيز؛ مثلما فقدت أباها من قبل.. أحلام كثيرة خططت لها «سماء طارق»، قبل أن تتلقى خبرًا بنتيجة فحوصات ورم أصاب قدمها، ليُخبرها الأطباء أن السرطان سكّن جسدها.. صدمة، وحزن، تحولا لقوة وعزيمة قاداها لأن تقهر من حاول قهرها، وتطرده من جسدها لتعود بأحلام جديدة تتلألأ بين ناظريها.

في العام 2018، شعرت سماء القاطنة بمحافظة الجيزة، بمتاعب تؤثر على حركة قدمها، ووصل بها الحال إلى سقوطها أثناء السير.. الأمر كان مُقلقًا، فتوجهت لأحد الأطباء، وهُنا أكد لها أن ما تمر به مُجرد التهابات، وستنتهي بالعلاج.. شهران كاملان انتظمت خلالهما سماء بتعليمات الطبيب، لكن المخاوف لم تتبدد، بل كانت تزيد مع تورم الركبة.

كان الفتاة في بداية عامها الثالث من الثانوية العامة، بحثًا عن حلمها في الالتحاق بكلية الطب، لكن وجهتها تغيّرت بعد أن لجأت لطبيب آخر، اشتبه في الأشعة الخاصة بقدمها، ونصحها بالتوجه إلى مستشفى سرطان الأطفال (57357).. «قال ليّ أتمنى أن تُهاتفيني وتُخبريني بأنني مُخطئ.. سوف أفرح كثيرًا» ـ تتحدث سماء عن مشهد الطبيب في ذلك اليوم.

أوقَفَت «سماء» مسارها في الثانوية العامة.. توقف كل شئ، وقررت تعليق الدراسة إلى إشعار آخر.. «ذهبت في اليوم التالي إلى مستشفى سرطان الأطفال، وظلّت الفحوصات الطبية لمدة أسبوعين لتحليل الورم، وتبين أنه لم ينتشر.. لكنه سرطان عظام بالفعل» ـ تقول مُحاربة السرطان، مؤكدة أن الأمر كان صادمًا لعائلتها جميعًا، وأن مخاوفهم عليها كانت كبيرة للغاية، وكانوا يُرافقونها للمستشفى دائمًا، من أجل دعمها.

إيمان يكسر اليأس

«لا أُنكر أنني انهرت وبكيت كثيرًا حينما أخبروني بإصابتي بالسرطان.. كنت خائفة في البداية، لكن لم يبق الأمر كثيرًا، وإيماني بأن الله لا يؤذي عباده، جعلني أؤمن بأنه قادر على شفائي.. حدث ما حدث، وعليّ الآن أن أبدأ رحلة العلاج» ـ تقول سماء، مؤكدة أن المستشفى أخبرتهم بموعد جُرعات الكيماوي بعد يومين من التأكد من إصابتها بالسرطان.

تروي «سماء» أنها لم يكن يشغلها الكيماوي وألمه، لكنها كانت تخشى الحُقن و«الكالونة»، وكانت تُسبب المتاعب لطاقم التمريض أكثر ما يواجهونه عند حقن أطفال صغار ـ تقولها ضاحكة.

سؤال لم تنقطع الفتاة عن الاستفسار عنه مع حقنِها بالكيماوي، كانت تبحث فيه عن إجابة حول موعد سقوط شعرها: لم أكن أغرب في اصطدم بالأمر.. كنت أرغب في تمهيد قبل أن يحدث، ولكنهم طمأنوني بأن السقوط لن يحدث فجأة، وسيكون على مراحل.. ولكن سقط من الجرعة الأولى، وكنت أستيقظ من النوم أجده بجواري.. كان ذلك يُسبب ليّ الضيق في البداية، لكن فيما بعد لم تعد ملامحي المرهقة، أو شعري الساقط يُسبب أي إحراج.. شئ واحد فقط بقي مُزعجًا بالنسبة ليّ، وهو حيرة الأطباء في كوني أنثى أم ذكرًا.. لكنني تجاوزت هذا.

جراحة لاستئصال الورم

18 جرعة كيماوي تلقتها سماء، كان معها عملية جراحية لإزالة الورم من قدمها، كان معها تغيير مفصل الركبة كاملًا، ثم واصلت جرعات العلاج، مرّت خلالها بأوقات حاول اليأس أن يتسلل إلى داخلها، وترغب في وقف العلاج، لكن أسرتها الداعمة لها كانت بجوارها طيلة العامين تُحاول مدها بالقوة لاستكمال المسير، من بينهم والدتها التي لم تكن تعرف طعم النوم لفترات طويلة من أجل العناية بابنتها.. «كانت فترة صعبة على والدتي أكثر مني» ـ تقول الابنة، مؤكدة أنها ظلت هكذا حتى انتهت الجُرعات بسلام.

عادت «سماء» سالمة، وأصبحت تسير طبيعية على قدمها، لكن أثرًا تركته رحلة العلاج، جعلها تتعرض للتنمر.. «هم لا يعرفون  ما مررت به».. تقولها عن المتنمرين بها، مضيفة أنها أيضًا فقدت كثيرون ممن كانوا في حياتها، وابتعدوا عنها فترة مرضها، لكنها تؤكد أن دعمًا نفسيًا كبيرًا تلقته ممن حولها.. أقارب وأصدقاء، وأخرون تعرفت عليهم في رحلتهم سويًا في مستشفى 57357.. «سعيدة أنني تلقيت علاجي في هذا المكان الجميل المُبهج» ـ تقول قاهرة السرطان.

أحلام تُرفرف من جديد

عودة الفتاة، أعادت الأحلام من جديد لتبني مستقبلها الذي طالما حلمت به.. استأنفت دراستها في الثانوية العامة، وشاء قدرها أن يذهب بها بعيدًا عن الطب، نحو كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، والتحقت بقسم الإعلام: عوض الله جميل.. منحني أشياء أكثر مما كنت أتمناه.. والآن أحلم في أن أحقق شيئًا في مجال الإعلام.