جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حسين أبو ركبة


النهر، بـ ينطلق من منابعه، بـ قوة هائلة وعنفوان طاغي، بـ يحفر في الأرض وينحت، ويعمل لـ نفسه مجرى، ويفضل يعمق فيه، وممكن يفيض كمان.
لما يحصل الفيضان، بـ ياخد اللي فـ وشه، لو باني حتى بيت بـ المسلح، ممكن يشيله النهر، اللي عنده قدرة يقضى على قرى ومدن بـ زيها.
إنما هو إيه النهر دا؟جايب منين القوة دي؟هل هو مكون من مواد صلبة وثقيلة، بلدوزر يعني بس كبير؟
الإجابة: خالص، النهر هو تجمع لـ قطرات مياه، بس تجمع هائل، عدد لا يمكن تخيله منها، قطرة المية لـ وحدها كدا، ولا ليها أي لازمة، ولا تمتلك من القوة ما يمكن إدراكه.
حضرتكلو جبت فنجان صغير، ورحت مليته من النهر، الفنجان دا فيه قطرات كتير جدا، مع ذلك، لو رشيته على حيطةمبنية بـ الطين، مش هـ تتأثر إطلاقا.
إنما هذه القطرة التافهة، لما تكون في النهر، بـ تشكل مع إخواتها القطرات الصغيراتقوة جبارة، وهو النهر إيه غير القطرات دي؟
لو فقد قطرة ورا قطرة ورا قطرة، ممكن نوصل لـ مرحلة الجفاف، والأرض تمتص القطرات اللي فاضلة، وخلاص بح، مفيش نهر.
أما حسين أبو ركبة، المواطن المصري "العادي"، فـ ممكن يكتب على حسابه الشخصي، بـ أي موقع لـ التواصل الاجتماعي، إنه مثلا بـ يحب الزلابية، تفتكر هـ يأثر في مين؟كام واحد هـ يهتم بـ هذا الحب؟
دا حتى مراته ممكن تطنشه، وبـ الكتير أمه، لو كانت عايشة، هـ تقول له: "تعالى الجمعة وأنا أعملها لك".
إنمالو عشرة مليون "حسين أبو ركبة"، كل واحد منهم كتب على صفحته، بـ شكل متزامن، إنه بـ يحب الزلابية، فـ دا هـ يخلي حتة العجينة المقلية في الزيت، محور تفكير البلد، ومش بعيد تلاقي شركات كبرى، قلبت حلواني، لـ إشباع رغبة المواطن في الزلابية.
هـ تلاقي دراسات وإحصائيات، ومحاولات تفسير وتجذير، والتلفزيون هـ يستضيف صاحب فرن "الحرمين"، يستشيره في هذا الأمر الخطير.
هـ تلاقي واحدكاتب إنه مش بـ يحب الزلابية خالص، مع إن محدش سأله عن رأيه فيها، وهو نفسه، يمكن ما فكرش قبل كدا في هذا الموضوع.
ساعتها، هـ يحس حسين أبو ركبة، إن رأيه مؤثر وفارق، وإن العالم يهتم بـ أمره.
الموضوع دا قديم، من قبل السوشيال ميديا، من قبل الكومبيوتر، من قبل التقدم التكنولوجي، من قبل "التاريخ" ذاته.
خوف الإنسانمن إنه يكون "قطرة مياه خارج النهر"، بـ يخليه يفضّليكون جزء من "مجموع" ما، ويهتم بـ ما يهتم به "الجميع"، ويفكر في إطار "الموضوع الذي يفرض نفسه"، وما ينفصلش عن "اللي حاصل".
حتى المتمردين، بـ يكونوا برضه في نفس الإطار، يمكن بـ يحاولوا يلعبوا دور "السد"، اللي بـ نبنيه في طريق النهر، لـ كبح جماحه والسيطرة عليه، على الأدق طوبة في جسم السد، محدش يقدر يكون السد كله، إنما هم في نفس "المجرى".
هل هذا الأمر كله شر؟
هو لا شر ولا خير، هو طبيعة اجتماعية، سمة أساسية عند البشر(وربما غير البشر من الأحياء)وهذاممكن أحيانا يبقى أمر طيب، ممكن أحيانا يبقى مفيد، حتى لو لم يكن طيبا. ممكن أحيانا يبقى ضرورة، ممكن في أحايين كتيرةتراه إيجابيا على أي نحو، وكتير بـ يكون سلبي.
لا يعنيني تقييم الأمر، إنما يعنيني جدا، إنه هذا الأمر بـ رمتهأصبح مزعجا لي، مزعج جدا جدا، أنا لا أحب أن أكون قطرة مياه، لا داخل النهر ولا خارجه، ولا طوبة في السد.
أنا إنسان، له اهتماماته الخاصة به، له أولوياته الخاصة به، له منطقه الخاص به.
لو بـ أحب الزلابية، مش هـ أقول إني بـ أحبها، هـ أروح أشتريها، ولو مش موجودة هـ أعملها، ولو ما عرفتش هـ أنصرف عنها.
لو صادفت، ولقيت إنسان زيي بـ يحبها، هـ نتشارك هذا الشعور، ولو ما صادفتش، هـ أعيش تجربتي معاها في صمت.
لا أرغب في أن أكون مؤثرا، لا بـ مفردي، ولا كـ جزء من "تيار".
وفي هذا الصدد، أذكر دائماحكمة خالدة لـ الفلاح المصري الفصيح، لـ الأسف مش هـ ينفع أقولها، بس لو عايز تعرفها، راجع حلقات الأستاذ وائل الإبراشي ع اليوتيوب، هـ تلاقيها في حلقة منهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.