جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ماذا عندك يا مرسي.. كيف اكتشف شاعر الأغنية نفسه عبر قصيدة رثاء؟

مرسي جميل عزيز
مرسي جميل عزيز

كانت شوارع مدينة الزقازيق، في ذلك العام خالية من المارة، حيث لا ضجيج، ولا زحام، ولا أبواق سيارات مزعجة، عندما ترك الحاج جميل عزيز باب وكالته مفتوح في حراسة العمال، فهو من أكبر تجار المديرية ـ سُميت فيما بعد محافظة الشرقية ـ وعاد إلى بيته للغداء مع أولاده، سأل عن ابنه مرسي قالت الأم: في حجرته.

لكن قبل أن يجلس الأب على المائدة، تحرك إلى حجرة ابنه، وفتح الباب عليه، فوجده يجلس وأمامه ورقة وقلم رصاص.

الأب: هل تذاكر دروسك؟
سكت الطفل قليلًا، بعدما وقف في مكانه، قال: "لا".. ثم بكى!
فاستفسر: ما الذى يبكيك؟
رد: "اليوم مات أستاذي الذي يعلمني في المدرسة، وأنا الآن أكتب عنه قصيدة رثاء طويلة".

حضن الأب ابنه وهو يقول: "اكتب ما تشاء"، ثم تركه وأغلق عليه باب الحجرة، وعاد ليتناول الغداء مع باقي أفراد الأسرة في تلك اللحظة أدرك الأب أن ابنه كتلة من المشاعر الطيبة والأحاسيس الصادقة الجميلة.

في اليوم التالي وداخل فناء المدرسة، ذهب الطفل مرسي إلى مدرسته، ووقف في طابور الصباح وفي يده كلمات الرثاء التي كتبها في رحيل أستاذه. توفيق أفندي - مدرس اللغة العربية - المشرف على الاذاعة، يلاحظ حالة التوتر والترقب على وجهه. اقترب منه وسأله:

ـ ماذا عندك يا مرسي؟
رد بهدوء: "كلمات رثاء، أُريد قولها".
ابتسم توفيق أفندي، وأخذه من يده، وصعد به إلى منصة الطابور الصباحي. وقف مرسي ـ صاحب الـ12 عامًا، يلقي كلماته الصادقة، المعبرة عن إحساس جارف، ومشاعر ساخنة، كشفت عن ملامح هذه الشخصية مبكرًا. وبعدما انتهى من إلقاء قصيدته.. وجد نفسه وسط عاصفة من التصفيق، هزت جدران المدرسة، من الطلاب والمدرسين معًا.

ومرت الأيام، وكبر الطفل مرسي، وكبر بداخله الإحساس المرهف، والمشاعر الجارفة، التي تُرجمت بعد ذلك إلى كلمات أغاني عاشت ـ وما زالت ـ تعيش في وجدان الجماهير العربية، خاصة كلماته عن الحب.. وسيرة الحب!

كتب الأغنية ليصبح شاعرها، ومعها القصة القصيرة، والسيناريو، والشعر، ووضع لنفسه - رغم عمره القصير الذى لم يمتد كثيرًًا حيث عاش (58) سنة - مكانة خاصة وسط المبدعين الكبار، وذلك حسبما روي وذكر الكاتب الصحفي خيري حسن قصة هذا المبدع في كتابه "أبي الذي لا يعرفه أحد".