جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

دمية الإخوان.. ورئيسان تونسيان




الثلاثة، المنصف المرزوقى، الباجة قائد السبسى وقيس سعيد، جلسوا بالترتيب على مقعد الرئيس التونسى، بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن على. الأول أجلسه «إخوان تونس» على المقعد، والثانى أدخله الشعب التونسى إلى قصر قرطاج، وربطته علاقة قوية بمصر، وزارها مرتين. والثالث جاء، أيضًا، بإرادة شعبية، ويزور القاهرة، منذ أمس الأول الجمعة، «بدعوة من أخيه الرئيس عبدالفتّاح السيسى»، بحسب بيان أصدرته الرئاسة التونسية.
زيارة سعيد إلى مصر هى الأولى له منذ توليه منصبه فى ٢٣ أكتوبر ٢٠١٩، وتأتى، بحسب تعبيره، فى إطار «ربط جسور التواصل وترسيخ سنة التشاور والتنسيق بين قيادتى البلدين، إضافة إلى إرساء رؤى وتصورات جديدة تعزز مسار التعاون المتميز القائم بين تونس ومصر، بما يُلبّى التطلعات المشروعة للشعبين الشقيقين فى الاستقرار والنماء». أما الرئيس السبسى، رحمه الله، فزارنا مرتين، أولاهما، كانت فى ٤ أكتوبر ٢٠١٥، بعد ثلاثة أسابيع تقريبًا من اجتماعات اللجنة العليا المصرية التونسية المشتركة، فى تونس، برئاسة رئيسى وزراء البلدين، التى تم خلالها التوقيع على ١٦ مذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذى شملت مختلف مجالات التعاون.
زيارة السبسى الثانية كانت فى ٢٤ فبراير ٢٠١٩، للمشاركة فى أعمال القمة العربية الأوروبية الأولى بشرم الشيخ. وبعد ظهر ذلك اليوم، استقبله الرئيس السيسى، مثمنًا المستويات المتميزة التى وصلت إليها العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين، ومؤكدًا حرص مصر على بذل المزيد من الجهد للدفع قدمًا بأطر التعاون على شتى الأصعدة. ومن جانبه أعرب الرئيس السبسى عن ارتياحه لمسيرة التعاون بين البلدين، وأكد حرص تونس على مواصلة تطويرها فى مختلف المجالات، خاصة فى المجال الأمنى لمواجهة التحديات الأمنية والمخاطر الإرهابية فى المنطقة، وجدّد الإعلان عن تضامن تونس مع مصر، ومساندتها الكاملة فى جهودها لمحاربة الإرهاب.
مساهمة الرئيس السبسى التاريخية فى مسيرة تطور تونس وتعزيز استقرارها سيسجلها التاريخ بأحرف من نور، بعكس المدعو المنصف المرزوقى، الذى زار مصر فى يوليو ٢٠١٢، والتقى نظيره وشبيهه محمد مرسى العياط. ونقول نظيره وشبيهه، لأن كليهما كان مجرد دمية تحركها جماعة الإخوان، ولم يكونا فاعلين أو جزءًا من تركيبة الحكم.
المرزوقى، كان يدعى أن توجهه «علمانى حداثى معتدل». ومن فرنسا، التى كان يعيش فيها مع زوجته وأولاده وأحفاده، الذين يحملون جنسيتها، كان ينادى بفصل الدين عن الدولة. لكن حين عاد إلى تونس، فى يناير ٢٠١١، بعد الإطاحة بزين العابدين بن على، باع نفسه لـ«إخوان تونس»، أو الفرع التونسى للجماعة الإرهابية، وجعلوه رئيسًا للجمهورية، فى ديسمبر ٢٠١١، بـ١٥٣ صوتًا من إجمالى ٢١٧ هم عدد أعضاء ما وصفوه بـ«المجلس الوطنى التأسيسى».
بدعم الإخوان، أيضًا، حل المرزوقى ثانيًا فى انتخابات الرئاسة، التى جرت أواخر ٢٠١٤ وفاز فيها الرئيس السبسى، لكن بعد أن قررت الجماعة الاستغناء عن خدماته، فشل حزبه، حزب حراك تونس، فى الحصول على مقعد نيابى واحد فى الانتخابات التشريعية التى جرت فى أكتوبر ٢٠١٩، ما اضطره إلى الاستقالة من رئاسة الحزب والإعلان عن اعتزال الحياة السياسية.
ربما لأنه كان فى سلة مهملات الإخوان، التزم المرزوقى الصمت خلال زيارتى السبسى إلى مصر، ويمكنك أن تراجع بنفسك صفحته الرسمية الموثقة على «فيسبوك»، التى أنشأها فى ٩ فبراير ٢٠١١، يديرها ٦ من تونس وواحد من فرنسا، بعد أن سبقناك إلى ذلك ولم نجد أى إشارة إلى الزيارتين طوال شهرى أكتوبر ٢٠١٥ أو فبراير ٢٠١٩. غير أن المذكور، شن هجومًا حادًا، أمس الأول الجمعة، على رئيس دولته، فى الصفحة نفسها، لمجرد أنه زار مصر!. فى تدوينة عدائية، تفوح منها كل روائح الإخوان الكريهة، كتب المرزوقى: «هذا الرجل لم يعد يمثلنى، هذا الرجل لا يمثل الثورة التى سمحت له بالوصول للسلطة، هذا الرجل لا يمثل استقلال تونس، وحدة دولتها، مصالحها، قيمها و... و... إلخ». ولم نجد تفسيرًا لهذه التقيؤات، وغيرها، غير أن إخوان تونس أو تنظيمهم الدولى، استدعوا المرزوقى من مخبئه، أو استعادوه من سلة المهملات، ليشاركهم محاولتهم إبعاد الرئيس التونسى عن الحكم، سواء بعزله داخل قصر قرطاج، أو بتقييد سلطاته، ليكون طرطورًا، دوره «رمزى لا أكثر»، حسب تعبير راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة الإخوانية، رئيس البرلمان التونسى.
.. وأخيرًا، نرى أن زيارة الرئيس قيس سعيد تأخرت كثيرًا. ولأن تونس ومصر تجمعهما علاقات أخوية عريقة على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، نرى أيضًا أن حجم التبادلات التجارية والاستثمارات، بين البلدين الشقيقين، أقل بكثير، بكثير جدًا، من الطموحات والإمكانات المتاحة. ولا تتناسب مع الاتفاقيات والأطر القانونية التى تنظم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتى تم توقيع معظمها فى عهد الرئيسين السيسى والسبسى.