جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ربيع السرد فى جزيرة الورد


صدر حديثًا كتاب «غواية شهرزاد.. قراءات فى السرد النسوى»، للناقد فرج مجاهد عبدالوهاب، يأتى هذا الكتاب استكمالًا لمشروع نقدى محوره رصد الكتابات السردية فى مدينة المنصورة، بالدقهلية، التى عرفت قديمًا بجزيرة الورد.
وقد تم تخصيص هذا الكتاب لعدد من المبدعات الكاتبات بنات الدقهلية، وقد اتسمت الأعمال التى تناولها الناقد بالتحليل والنقد بحداثة الإصدار، حيث صدرت بين عامى ٢٠٠٣ و٢٠١٩، مما يقدم صورة حديثة عن السرد فى المنصورة كجزء من المشهد السردى المصرى والعربى الآنى.
ويلفت الكتاب الانتباه إلى وجود عدد كبير من دور النشر فى المنصورة، وهذه سمة لا تتوافر فى كثير من محافظات الجمهورية، مما يؤكد الدور الثقافى المهم الذى تلعبه مدينة المنصورة قديمًا وحديثًا.
تنوعت الأعمال التى قدمها الكتاب ما بين روايات ومجموعات قصصية ونصوص، وتنوعت الأعمال الروائية ما بين الرواية الاجتماعية كما فى رواية «نصف حياة» لحنان شاهين الصادرة عن مكتبة جزيرة الورد ٢٠١٣، حيث تتناول مشكلة المرأة المهزومة الضعيفة المنتهكة جسديًا دون شعور بالمتعة، فتقف عند سيرة شخصيتين كانتا محور الرواية، ولكل منهما مأساتها ومعاناتها الخاصة.
ورواية الواقعية الأسرية التى تقدم علاقات متواترة ومضطربة ضمن فضاء سرد تتفاعل مكوناته التى تربطها صلة الرحم علوًا أو سقوطًا، سلبًا أو إيجابًا لتقدم للمتلقى صورة متكاملة الجوانب عن مجتمع صغير فاعل ومتفاعل موجود فى كل المجتمعات على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما فى كتابة «نسمة الجمل» فى روايتها «بعد أن أغلق الستار» الصادرة عن دار المصرى للنشر والتوزيع فى القاهرة عام ٢٠١٩.
ومن الواقع الحالى إلى الواقع التاريخى المتخيل، نلتقى مع قضايا تفجير الهوية والوحدة الإنسانية مع الروائية «ضحى عاصى»، من خلال روايتها «غيوم فرنسية» الصادرة عن دار ابن رشد ٢٠١٩، فى نسيج رواية تقصُّ من خلالها تجربة من رحلوا مع الجنرال يعقوب الذى خرج مع جنود الحملة الفرنسية بعد فشلها.
ولا تخلو الروايات المنتقاة من أعمال رمزية كما فى رواية «البئر» التى صدرتْ عن إيزيس للإبداع والثقافة ٢٠٠٣ للكاتبة «نجلاء محمود محرم»، التى يتضافر فيها الحوار مع المونولوج الداخلى، رواية نابضة بالحركة والحيوية فى الوقت الذى تدق فيه ناقوس الخطر لكشف الفاسدين والمفسدين والمستغلين لضعف الفقراء والبسطاء وفقرهم.
ركز الكتاب على اهتمام الكاتبات بعنصرى المكان والزمان مثل: «داليا أمين أصلان»، ورواية «المختلط»، الصادرة عن دار الثقافة الجديدة عام ٢٠١٦، والمختلط هو اسم حى فى المنصورة، وقد عمقت الروائية دلالة المكان وأهميته من حيث وجوده فى المنصورة التى ضمت جاليات أجنبية كثيرة، حتى تعمق دور كثير من هؤلاء الذين سكنوا المدينة لاسيما الغرباء الذين لا يعرف أحدٌ من أين جاءوا حتى إنه لا يُعرَف إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا.
وأشاد ببراعة «منى العطار» فى روايتها «إلا عشرين ثانية» الصادرة عن المركز العربى للنشر والتوزيع فى القاهرة عام ٢٠١٨، القائمة أساسًا على زمن السرد فى اللعب على الزمن من خلال منجز روائى مهم يكاد يكون الأبرز فى فعل الكتابة الروائية القائمة على فعل الزمن ودوره فى إنجاز الحدث الفاعل والمتفاعل بأحداثه وشخصياته وتداعياته، وكل ذلك فى عشرين ثانية سواء أكانت كافية أم لا فإنها تجربةٌ سرديةٌ روائيةٌ مُتميِّزةٌ تحتاج إلى أكثر من قراءة، ولم يخل الكتاب من الإشارة لأعمال تتخذ من الفضاء السردى المُتعلِّق بتعدد الأصوات بناء لها، مثل الروائية «نهاد كرارة» فى مشروعها الروائى القائم على هذه التعددية الصوتية وعلاقاتها سواء مع بعض، أو مع الداخل النفسى أو الواقع الخارجى المعاش.
تضمن الكتاب تحليلًا لعدد من المجموعات القصصية القصيرة التى قدم من خلالها أصواتًا قصصية متميزة منهن: «حنان فتحى» التى وصفها الكتاب بأنها واحدة من أبرز الأصوات النسائية التى اتخذت من القصة وسيلة للكشف عما يخطر ببال المرأة، وما تعيشه فى واقعها، سواء الأسرى أو الوظيفى أو الحياتى، حتى الوجدانى والإنسانى والصوفى، من خلال المجموعة القصصية «عصاى الرحيمة» الصادرة عن دار الإسلام فى المنصورة عام ٢٠١٨، وأيضًا «منى ياسين» التى نجحت ببراعة فى دمج فعل كتابة المرأة المبدعة مع فعل وأفعال المرأة الأخرى المعبَّر عنها فى مختلف حالاتها وإحالاتها، فى مجموعتها القصصية «الحضن المفقود» الصادرة عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع عام ٢٠١٧، و«درية الكردانى» التى قدمت تسع حكايات من المرويات المختلفة التى تدور بين القطط ونسيج علاقتها مع إيقاع النفس التى تعيش الوحدة والعزلة، وهى تتلبس المرأة على وجه الخصوص، فى مرويات «حكايات القطط» الصادرة عن دار الثقافة الجديدة عام ٢٠١٥ فى القاهرة.
و«سارة طوبار» فى مجموعتها التى تحمل عنوان «التفاحة لم تكن فاسدة»، الصادرة عن دار مقام للنشر والتوزيع عام ٢٠١٦، المعبرة عن معاناة المرأة المثقفة المبدعة مع الواقع والمجتمع الذكورى.
وأوضح الكتاب أن بعض الأعمال المختارة لم تخضع لتعريف المصطلحات النقدية، ولكنها تدخل فى باب التجريب مثل: شيرين فتحى فى روايتها «خفة روح»، وما قدمته فاتن فاروق فى رواية «عيون» الصادرة عن دار الفاروق عام ٢٠٠٨، وما قدمته «مريم توفيق» فى نصوص «وبكت الأشجار»، حيث احتوت النصوص على قصص تنتمى دون نزاع إلى فن القصة القصيرة جدًا.
إن هذا الكتاب يمثل إضافة مهمة إلى مكتبة النقد والإبداع، حيث يحتفى بنماذج سردية تستحق الإشادة، وليت كل الجهات الثقافية فى المحافظات المختلفة تتوسع فى نشر مثل هذه الدراسات الرصينة.