جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حيثيات الحكم بالإعدام على المتهم بحرق سيدة العصافرة في الإسكندرية

جريدة الدستور

اودعت محكمة جنايات الإسكندرية برئاسة المستشار محمد حماد عبد الهادي، حيثيات الحكم الصادر بالإعدام شنقا علي المدعو إبراهيم حسن قبيص إسماعيل وشرته "إسلام" المتهم بقتل عمدا المجني عليها سامية حجازي سالم، والملقبة إعلاميا بـ«سيدة العصافرة» مع سبق الإصرار بأنه بيت النية وعقد العزم على قتلها حرقا بإحضار مادة سريعة الاشتعال (بنزين) وطرق الباب وفتح أحد حفيدها فجذبه خارجا ودخل لغرفه نومها وسكب عليها المادة وجرها لخارج المسكن ممسكا من شعرها ثم أشعل النيران انتقاما منها لاتهامها بسرقة المنقولات من شقه أحد جيرانها.

وجاء في حيثيات حكم الإعدام على المتهم أن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها مستخلصة من سائر أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار من شأنها بجلسات المحاكمة تتحصل في أنه في تاريخ سابق على يوم 21112020 توجه المتهم إبراهيم حسن قبيصي للعقار محل المجني عليها رفقة أحد أصدقائه لمساعدته في نقل بعض الأثاث المنقول فيما كانت المجني عليها أمينة على ما أوصانا عليه ديننا الحنيف من حسن الجوار وطيب المعشر والخوف على أملاك جيرانها إلا أنها استغاثت بالأهالي دفاعا عن الأمانة والشرف ومنقولات إحدى جيرانها، فتم ضبط المتهم وتحرر له محضرا في قسم شرطة المنتزة ثان وعقب إخلاء سبيله على ذمة القضية قوبل من أقرانه وذوية بمعايرة مما أثار حفيظته وأعطى لشيطانه لجام سوقه وتملكه رغبة جامحة في الانتقام من المجني عليها بقتلها بأبشع أنواع القتل وهو الحرق فبيت النية وعقد العزم على قتلها بتلك الطريقة الوحشية المجردة من كل معاني الإنسانية وأخذ يفكر ويضع الخطة ويتدبر أمر جريمته في هدوء ورويه وما اعتصم في عقله خطة محكمة انتقاما منها لوفاتها وأمانتها، ثم بعد ذلك أعد العدة وذهب لمحطة الوقود القريبة من المسكن محتالا على عاملها مما مكنه من إحضار مادة سريعة الاشتعال "بنزين" بزجاجة بلاستيكية، وكان بحوزته قداحة كان قد جهزها لذلك الغرض، وقام بالتوجهه لمسكن المجني عليها وعمل فعلته محدثا بها الإصابات الثابته بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها أن الحروق المشاهدة بجثمانها وبالوجه والعنق والصدر والبطن والطرفيين السفليين والظهر عبارة عن حروق نارية حيوية من الدرجات الثلاثة الأولى تنشأ عن ملامسة الجلد للهب البنزين المشتعل وما أدت إليه من التهاب تقيحي والتهاب شعبي رئوي مزدوج وما صاحب امتصاص توكسيمى وصدمة تكسومية مما أدى للوفاة نتيجة تلك الحروق سالفة الذكر.

وأضافت حيثات الحكم أن المحكمة تمهد لقضائها بالدعوى بالفصل في الطلبات التي قرر بها دفاع المتهم الأصيل قبيل بداء مرافعته الشفوية، منوها إلى أنها طلبات أصلية غير منفك عن التمسك بها فإنه لما كان من المقرر أن محكمة الموضوع غير منتج في الدعوي ولما كان ذلك وكان الثابت أن دفاع المتهم طلب أصليا عرض المتهم على لجنة ثلاثية بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالمعمورة لفحص حالته، حيث أنه يعاني من مرض نفسي يعصف بإرادته، وكذا إجراء تحليل شامل للمتهم لبيان ما إذا كان تعاطي ثمة مواد تؤثر على إرادته في تاريخ سابق أو لاحق على الواقعة، كما طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في أمور جوهرية في تقريره واستدعاء شاهدي الإثبات الأول والثاني لمناقشتهما في أقوالهما بالتحقيقات، وحيث عن طلب عرض المتهم على لجنة ثلاثية بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالمعمورة لفحص حالته العقلية، حيث أنه يعاني من مرض نفسي يصعب بإرادته لبيان مسؤليته عما وقع، فإنه لما كان من المقرر أن تقرير حال المتهم العقلية هي من الأمور التي تستقل بها هذه المحكمة وهي غير ملزمة بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن مادامت قد وضحت إليها الدعوي وكان المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسؤلية قانونا على مقتضي المادة 62 من قانون العقوبات ـ هو المرض من شأنه يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سببا لانعدام المسؤلية وأن حالات الغضب والاستفزاز ليست من مواقع المسؤلية، لما كان ذلك وكان مسلك المتهم منذ إخلاء سبيله على ذمة قضية السرقة التي اتهمته فيها المجني عليها ومعايرته من جيرانه وذويه وغضبه منها وعقد العزم والنية على الانتقام منها بقتلها حرقا وإعداد خطة وتحضير أدواته من "بنزين وقداحة" وقتلها بإضرام النيران فيها بقصد ازهاق روحها واعترافه تفصيليا بما حدث في تحقيقات النيابة وأمام قاضي المعارضات بالمحكمة وأمام المحكمة بجلسة المحاكمة الأولى تلك الاعترافات التي جاءت متسقة مع ماديات الحادث، هذا المسلك السابق على ارتكاب وفي أثناء ارتكابها وبعد مفارقته لها يدل بجلاء على أن المتهم كان في حالة إدراك تام ووعي كامل وأنه كان لديه حرية الاختيار وقت مقارفة الجريمة، والمتهم لم يذكر بالتحقيقات أنه يعاني من ثمة أمراض عقلية أو نفسية رغم حضور محامي معه بالتحقيقات وبالتالي تكون مسئوليته كاملة عما وقع من أفعال وقتل المجني عليها حرقا ومن ثم ترى المحكمة طرح الطلب الدفاع وعدم إجابته إلى طلبه بعرض المتهم على مستشفى الأمراض النفسية والعقلية.

وأكدت المحكمة في حيثياتها، أنه عند الطلب في إجراء تحليل شامل للمتهم لبيان ما إذا كان المتهم تعاطي ثمة مواد تؤثر على إرادته في تاريخ سابق أو لاحق للواقعة وعلى إدراك المتهم ومدى توافر القصد الخاص لديه على النحو ما ورد بقضاء محكمة النقض ولما كانت الأوراق قد خلت من بيان نوعيه تلك المواد التي لم يسميها الدفاع والمقول بتعاطي المتهم لها وكميتهما وعدم إجراء تحليل طبي يمكن معه إبداء الرأي الطبي فيه لبيان فيه لظروف الواقعة وماديتها التي خلصت المحكمة إليها دون غيرها ويكون معه طلب الدفاع في هذا الشأن غير منتج في الدعوي كونان تقرير مدى إدراك المتهم ووعيه حال التخطيط للواقعة وارتكابها أمر مناط الفصل فيه لماديات الواقعة وظروف ارتكابها دون رأي طبي، وخلت أوراق الدعوى من معطيات جواز الاستدلال به أو البت فيه على نحو يكون معه إجراء تحليل شامل للمتهم لبيان ما إذا كان المتهم تعاطى مواد تؤثر على إرادته في تاريخ سابق أو لاحق على الواقعة وعلى إدراك المتهم غير منتج في الدعوي وفي أمر اتضح للمحكمة وجه الرأي فيه على نحو تكون معه تلك الطلبات المقول بها غير منتجة في الدعوى، وجاء موضوعها في أمر بات متضحا للمحكمة وعن مسألة لا يشوبها ثمة غموض أو تناقض يستدعي إجابة دفاع المتهم لها وتضحي معه طلبات الدفاع في ذلك الشأن غير سديدة ومن ثم ترفض المحكمة إجابة الدفاع.

وتابعت الحيثيات، أن الطلب المتمثل في استدعاء شاهدي الإثبات الأول والثاني لمناقشتهما في أقوالهما في التحقيقات ولما كان ذلك كانت المحكمة في سبيل ردها على ذلك الطلب المبدى من الدفاع تلت بجلسات المرافعات أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني على المتهم ودفاعه عملا بنص المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 11 لسنة 2017 وبعد أن قدرت عدم لزوم سماع شهادتهما عملا بحقها الوارد بنص المادة 2772 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بذات القانون أنف البيان، على نحو بات معه طلب استدعاء شاهدي الإثبات الاول والثاني لمناقشتهما فيما أدليا به بالتحقيقات غير منتج في الدعوى، حيث ما لخصت إليه من تصوير للواقعة، وعن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في أمور جوهرية فالمحكمة تلقت عنه حيث أن الدفاع لم يذكر أو يبين ماهية الأمور الجوهرية التي يريد مناقشة الطبيب الشرعي فيها فضلا عن أن المحكمة تكتفي بما هو ورد بالتقرير لكونه جاء مفصلا وليس به ثمة تجهيل سيما وأن المحكمة غير ملزمة باستدعائه ما دام أن الواقعة وضحت لديها، وحيث أنه عن طلب تعديل القيد والوصف من جريمة القتل العمد لجريمة الضرب المفضي للموت لانتفاء القصد الخاص المتمثل في نية ازهاق الروح وانتقاء ظرف سبق الإصرار في جريمة القتل العمد فإن المحكمة ترى أنه طلب في غير محله على نحو ما ستبينه حال حديثها عن أركان جريمة القتل ونيه ازهاق الروح وكذا بحثها ظرف سبق الإصرار استقلالا، وعن الدفاع ببطلان الاعتراف الصادر عن المتهم بتحقيقات النيابة العامة لكونه وليد إكراه معنوي لاستغراق التحقيق معه عدة ساعات ولوجود الضابط بغرفه التحقيق ـ فمردود ـ بأنه لما كان من المقرر أن الاعترافات في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الاثبات وفي الأخذ بالاعتراف في حق المتهم في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعه المتهم من الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحقق الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت المحكمة لصدقه ومطابقته للحقيقة والواقع فلها أن تأخذ به بغير معقب عليها فيه، وحيث أنه عن القول بعدم جدية التحريات فإنه لما كان من المقرر أن المحكمة تزن أقوال الشهود وتقدرها التقدير التى تطمئن إليه ولها أن تعول على شهادة مجرى التحريات في شأن ما أسفرت عنه تحرياته باعتبارها قرينه معززة لباقي أدلة الدعوى، وما كان ذلك وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما انتهت إليه التحريات من قيام المتهم بالتوجه للعقار محل سكن المجني عليها رفقة أحد أصدقائه لمساعدته في نقل بعض الأثاث الخاص به وفي تلك الأثناء اتهمته المجني عليها بسرقة ثلاجة مملوكة لأحد قاطني العقار وحضرت الشرطة وتم ضبطه وحرر بشأنه محضر وعقب إخلاء سبيله على ذمة القضية وبعد الإجراءات القانونية تولدت لدية نية التخلص من المجني عليها انتقما منها فقرر قتلها حرقا، لذا استقرت المحكمة في يقينها أن المتهم قتل عمدا المجني عليها بعد إعداد البنزين والقداحة وتوجه لمنزلها بقصد الانتقام منها فقررت المحكمة إحالة أوراقه للمفتى لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه وتم النطق بالحكم في إعدامه في جلسة 8 مارس الماضي.