جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مؤامرة لابيد.. هل تنجح المعارضة فى إزاحة «نتنياهو»؟

نتنياهو
نتنياهو

بعد إجراء الانتخابات العامة فى إسرائيل، للمرة الرابعة فى غضون عامين، وانتهائها بنتائج غير حاسمة، مثل المرات الثلاث السابقة، يجتمع قادة الأحزاب مع الرئيس الإسرائيلى، رؤوفين ريفلين، بعد غد الإثنين، لاختيار مرشح وإسناد منصب رئيس الوزراء له، وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، وهو المرشح الذى سحيظى بأكبر عدد من توصيات الأحزاب، خلال الاجتماع المرتقب.

وخلال الانتخابات الأخيرة، التى عُقدت قبل أكثر من أسبوع، حصل بنيامين نتنياهو، زعيم حزب «الليكود» وحلفاؤه اليمينيون على ٥٢ مقعدًا، بينما حصل يائير لابيد، رئيس حزب «يش عتيد» -«هناك مستقبل»- وشركاؤه المحتملون المناهضون لـ«نتنياهو»، على ٥٧ مقعدًا، فى الوقت الذى تتطلب فيه الأغلبية الحصول على تأييد ٦١ نائبًا.

وفى ظل صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة، لعدم نجاح أى من الكتلتين فى تحقيق الأغلبية المطلوبة، يتحرك «لابيد» لتشكيل ائتلاف يضم كل معارضى «نتنياهو»، سواء من «اليمين» أو «اليسار»، لتشكيل حكومة تغيير تهدف إلى إزاحة «نتنياهو» من الحكم.

فى السطور التالية، ترصد «الدستور» أبرز هذه التحركات التى يجريها «لابيد» لحشد التأييد لائتلافه هذا، وفرص نجاح خطته، وكيف سيواجهها «نتنياهو» فى المقابل.




ائتلاف بقيادة يائير للإطاحة بـ«زعيم الليكود».. والخلافات الفكرية تُصعب المهمة
عقد يائير لابيد عدة اجتماعات تستهدف حشد الأحزاب لتشكيل ائتلاف ضد «نتنياهو»، من بينها لقاؤه مع رئيس «القائمة العربية الموحدة»، منصور عباس، ورئيسة حزب «العمل»، ميراف ميخائيلى، إلى جانب سعيه لإقناع نفتالى بينيت، رئيس حزب «يمينا»، بالانضمام إليه، مقابل ترؤسه الحكومة بالتناوب. وقال أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، إنه سيوصى بإسناد مهمة تشكيل الحكومة المقبلة إلى «رئيس أكبر حزب فى كتلة التغيير». ومن المعروف أن «هناك مستقبل» هو أكبر حزب فى تلك الكتلة، بحصوله على ١٧ مقعدًا.

كما أعلن قادة حزبى «العمل» و«ميرتس» عن دعم «لبيد»، ويمتلك الحزبان، إلى جانب «هناك مستقبل» و«إسرائيل بيتنا»، ٣٧ مقعدًا، وهو عدد أقل بكثير من ٦١ مقعدًا لازمة لتحقيق الأغلبية فى «الكنيست» المكون من ١٢٠ مقعدًا.

وبالنسبة إلى حزب «أزرق أبيض»، الذى فاز بـ٨ مقاعد، قال رئيسه بينى جانتس إنه سيوصى باختيار «من لديه أفضل فرصة» لتشكيل الحكومة، وهو تصريح لم يستبعد «لابيد»، خاصة بعد أن التقى الاثنان لمناقشة الأمر، قبل أيام، واتفقا على استمرار الحوار بينهما خلال الفترة المقبلة، وفقًا لبيان صادر بشأن الاجتماع، الذى جاء بعد خلاف طويل بينهما منذ فض الشراكة بين حزبيهما.

وعلى الرغم من أن جدعون ساعر، رئيس حزب «الأمل الجديد» المنشق عن «الليكود»، والحاصل على ٦ مقاعد، قد تعهد، خلال الحملة الانتخابية، بعدم الانضمام إلى حكومة برئاسة «لابيد»، تحدث الاثنان معًا خلال الانتخابات الأخيرة، واتفقا على التعاون من أجل الإطاحة بـ«نتنياهو»، لكنه يرهن انضمامه بانضمام حزب «يمينا»، برئاسة نفتالى بينيت، الذى لا يزال موقفه غير واضح حتى الآن، وتجرى محاولات لضمه.

وبهذا يكون لدى ائتلاف «لابيد» ٤٣ مقعدًا، ما يعنى حاجته إلى الأصوات العربية، وتحديدًا ٦ أصوات إضافية من «القائمة العربية المشتركة»، التى لم يستبعد رئيسها أيمن عودة دعم «لابيد»، حال نجح فى ضم «ساعر» و«بينيت». وتجرى «كتلة التغيير» مناقشات مكثفة لوضع خطة تشكيل حكومة بديلة للحالية بقيادة «نتنياهو»، لكن تظهر مجموعة من الخلافات والانقسامات بين أعضائها تحول دون نجاح هذه الجهود.

وأوضحت تقارير عبرية أن «معارضى نتنياهو» لم يتفقوا حول قائد هذه الكتلة حتى الآن، فعلى الرغم من أن المؤشرات ترجح اسم «لابيد»، فإنه لم يحصل على موافقة الجميع، فى ظل اختلاف الأيديولوجيات والخطوط السياسية لكل فصيل فى الكتلة.

وذكرت القناة ١٢ الإسرائيلية، أن أحد المقترحات المطروحة على الطاولة هو قيادة «لابيد» و«بينيت» حكومة لفترة محدودة من الوقت، ربما لمدة عام، على أن يتناوبا على رئاسة الوزراء خلال هذه الفترة.

وبمجرد تشكيل مثل هذه الحكومة، ستسعى إلى ضم الأحزاب اليهودية المتشددة، التى لا تزال فى معسكر «نتنياهو»، بناء على افتراض حول ولاء المشرعين «الحريديم» لرئيس الوزراء، بمجرد فقدانه وفقدانهم رئاسة الحكومة. ورأى التقرير أن مثل هذه الخطة تتطلب من الأطراف تجاوز العديد من العقبات، قد يكون بعضها مستحيلًا، على رأسها ضرورة موافقة الأحزاب اليمينية: «يمينا» و«الأمل الجديد» على تشكيل حكومة بدعم ضمنى من الأحزاب العربية وغير الصهيونية، وهى خطوة قد تكون بمثابة «انتحار سياسى» لقادة تلك الأحزاب بين قاعدتهم اليمينية.

والتقى «لابيد» منصور عباس، رئيس «القائمة الموحدة»، وبحثا إمكانية تشكيل حكومة جديدة، واتفقا على مواصلة المحادثات بينهما فى الأيام المقبلة، دون التوصل لاتفاق.

ووفقًا لموقع «واينت» العبرى، قدم رئيس الحزب الإسلامى عددًا من المطالب لتقديم الدعم المحتمل، بما فى ذلك حرية التصويت فى قضايا المثليين، وتجميد قانون «الدولة القومية اليهودية» المثير للجدل، وقانون «كامينيتس»، الذى يستهدف «البناء العربى غير القانونى»، إلى جانب الاعتراف بالقرى البدوية غير المعترف بها فى النقب، فضلًا عن المطالبة بخطة للقضاء على الجريمة فى البلدات العربية.

ويمكن للقائمة العربية أن تمنح أيًا من الكتلتين أغلبية برلمانية، لكن استبعد نواب «اليمين» من الجانبين الانضمام إلى ائتلاف يشمل هذا الفصيل الإسلامى، وقالت العضو رقم ٢ فى حزب «الأمل الجديد» يفعات شاشا بيتون، إن الحزب لن ينضم إلى حكومة تشمل القائمة المشتركة ذات الأغلبية العربية، كما استبعد «نتنياهو» مرارًا الاعتماد على القائمة العربية الموحدة لتشكيل حكومة فى الفترة التى سبقت الانتخابات، لكن درس مشرعون من حزب «الليكود» احتمال الشراكة مع هذه القائمة، وسط معارضة قوية.




رئيس الوزراء يبحث عن النجاة بالتفاوض مع ساعر والتوفيق بين «العرب» و«الصهاينة»

دائمًا ما يوصف «نتنياهو» بـ«الدهاء»، لقدرته على استخدام الألاعيب السياسية، وهو ما أبقاه فى السلطة لسنوات طويلة، لكن التحدى هذه المرة فريد من نوعه، لأنه سيجد صعوبة فى الجمع بين اليمين المتطرف والإسلاميين فى حكومة واحدة.

وعلى الرغم من فوزه بـ٥٩ مقعدًا فقط لكتلة مؤيديه- حال ضم حزب «يمينا» إلى هذه الكتلة- فإن «نتنياهو» لا يزال بحاجة إلى مقعدين لتشكيل الائتلاف، ولهذا يبذل جهودًا كبيرة لجذب عضو «الكنيست» السابق فى «الليكود» جدعون ساعر إلى جانبه، لتحقيق هذه الأغلبية، وبالفعل، عرض «نتنياهو» صفقة يستقيل بموجبها بعد عام آخر فى السلطة، ويسلم «ساعر» رئاسة الوزراء، لكن الأخير رفض العرض.

وفى إشارة إلى التشابه بين صفقة «نتنياهو» لتقاسم السلطة مع زعيم حزب «أزرق أبيض»، بينى جانتس، فى ٢٠٢٠، التى لم يحترمها «نتنياهو»، قال «ساعر» بسخرية: «فقط بشرط أن يكون درعى ضامنًا»، قاصدًا أرييه درعى، رئيس حزب «شاس» اليهودى المتشدد، وزير الداخلية، الذى تعهد لـ«جانتس» فى ذلك الوقت بأنه سيضمن احترام «نتنياهو» لاتفاقهما الائتلافى، لكنه نكث بعهده فى النهاية.

وبهذا فإن «نتنياهو» بحاجة إلى دعم كل من «القائمة العربية الموحدة»، التى تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية التى تتبع فكر «الإخوان»، وحزب «الصهيونية الدينية» اليمينى المتطرف الذى يعادى العرب والمسلمين بشكل علنى. وعلقت جايل تالشير، أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة العبرية، على ذلك، قائلة: «إنها مفارقة تاريخية. من غير المعقول أن يكون المستقبل السياسى للدولة اليهودية الوحيدة فى العالم مرتبطًا بجزء من الحركة الإسلامية».

لذا لا يقتصر التحدى الأكبر لـ«نتنياهو» على إيجاد أرضية مشتركة بين الرفقاء غير المتوقعين فحسب، فعليه أيضًا أن يفعل ذلك دون أن يخسر حزب «الصهيونية الدينية» اليمينى المتطرف كحليف له.

ورفض إيتمار بن غفير، زعيم «الصهيونية الدينية» الذى اتهم عشرات المرات بالتحريض على العنصرية ودعم الإرهاب ضد العرب، أى اتفاق مع «القائمة العربية»، لكن السياسية سيما كادمون، رأت فى مقال بصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن «هذه ليست الكلمة الأخيرة».

وأوضحت «كادمون» أن «نتنياهو معروف بقدرته على عصر الحجر، وما زال بإمكانه إقناع اليمين اليهودى بقبول المساعدة من حزب إسلامى. سيؤكد لهم أنه سيغير تشكيل الحكومة فى المستقبل، سيعدهم بالقمر».

وعما إذا كان «نتنياهو» سيطلب دعم «القائمة العربية» لتشكيل ائتلاف حكومى، ذكر تقرير لوكالة «فرانس برس»، إن رئيس الوزراء سيقدم على ذلك كورقة أخيرة، بعد نفاد كل الفرص الأخرى، خاصة محاولة ضم منشقين من الأحزاب المعارضة.

كما رفض «نتنياهو» عرضًا طرحه مقربون منه، يتنازل بموجبه عن رئاسة الوزراء، ويترشح لمنصب رئيس الدولة، فى محاولة لإنهاء الأزمة السياسية فى البلاد.