جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الرجل الثاني».. تفاصيل الصداقة بين الزعيم والأستاذ

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

يبقى الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل أحد القلاع الشامخة التي عززت صاحبة الجلالة مجدها من داخل جدرانه الشاهقة، فهو تقريبا من القلائل الذين غيروا من مسار الصحافة، فبدلا من التوجيه انتقل بها لمرحلة التأثير، وذلك قياسا على الأحداث التي اشترك في صناعتها "الجورنالجي" على الصعيد السياسي.

الكاتب الصحفي أنور عبداللطيف رصد بعضا من هذا التأثير الطاغي الذي لازم وصاحب "الأستاذ" في كتابه "هيكل... الوصايا العشر" والذي كشف عبر فصوله وجوه ذلك الكاتب الأخرى، ومنها بالطبع علاقته بحكام مصر السابقين مبينا:

أذكر أن سؤالي الأول لـ«الأستاذ» كان عن علاقته بالزعيم جمال عبدالناصر. كيف بدأت؟ وكيف صارت؟؛ فقال إن معرفته به نشأت أثناء حرب «الفالوجا»، حيث التقيا هناك للمرة الأولى، لكن العلاقة الشخصية بين الطرفين قويت ونمت فى أعقاب ثورة ١٩٥٢.

القيادة الجديدة لتلك الحركة وفى إطار احترامها لدور الصحافة وقيمة الكلمة، كانت حريصة على استقطاب أفضل العناصر القادرة على إيصال صوتها للجماهير الغفيرة، ومن وجهة نظر «جمال» لم يكن هناك أفضل من «هيكل» لأداء تلك المهمة، فقد كان يمتلك من القدرات الشخصية والمهنية ما لم يكن متوفرًا في أحد غيره.

اقترب «الجورنالجى» من «الزعيم»، وعندها فتح «جمال» أمامه خزائن الأسرار، لكن «هيكل» لم يكتفِ بدور المشاهد، فآثر أن يلعب دور البطولة بالتوجيه والمساهمة فى صناعة القرار. وعندما أفضى ذات يوم بالحديث قائلًا: «لقد اطلعت على أسرار لو أعلنت عنها لقامت القيامة فى مصر، لكنى لن أكشف عنها أبدًا، وأفضل أن أموت وهى معي».

اعتقد أنه حينها لم يكن يتكلم من فراغ، فهو في القضايا التي تتعلق بالأمن القومي المصري كان لا يقبل الكلام أو النقاش؛ خاصة أن دور «هيكل» مع «عبدالناصر» كان طاغيًا، ولم يقتصر على مجرد النصح والإرشاد، وامتد لتوجيه مسار الأحداث فى زوايا معينة، غيرت تفاصيلها فى بعض الأحيان مسارات التاريخ.

أثبت «هيكل» خلال مسيرته مع صاحبة الجلالة أن الصحافة ليست بالشهادة، لكنها تعترف بالمهارة. فهو لا يخجل مثلًا من الاعتراف بحصوله على «دبلوم تجارة»، لكنه فى الوقت ذاته التحق بالقسم الحر بالجامعة الأمريكية، حيث تمكن من دراسة الصحافة بمفهومها الحديث والشامل، ونجح في أن يحدث انقلابًا وتغييرًا كبيرًا في صاحبة الجلالة.