جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

شاكر عبدالحميد: يفضل المتطرفون أن تستمع فقط إليهم

شاكر عبد الحميد
شاكر عبد الحميد

على كثرة مؤلفات وزير الثقافة الأسبق٬ الناقد الراحل شاكر عبدالحميد٬ والتي كان أكثرها في التناول النفسي العلمي للإبداع٬ إلا أنه أيضا تناول ظاهرة الإرهاب والتطرف من المنظور النفسي أيضا٬ وهو ما ضمنه في كتابه "التفسير النفسي للتطرف والإرهاب".

حيث يذهب إلى أن: الخصائص المميزة للمتطرفين عامة؛ وكذلك للجماعات الهامشية؛ حيث يزداد احتمال ظهور التطرف من داخلها، وفي ضوء الدراسات التي قام بها الباحث السياسي والاجتماعي الأمريكي ليرد ويلكوكس. فبعد قيامه بتحليل الخطاب والبروباجندا (الدعاية) الخاصة بعدة مئات من غلاة الجماعات السياسية والاجتماعية المتطرفة والهامشية، داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، عبر مدى سياسي واجتماعي واسع، حدد ليرد ويلكوكس وضمن ما يسمى بمشروع «خدع جرائم الكراهية» عددا من الخصائص التي رأى أنها تصف هذه الجماعات أكثر من غيرها، وهذه الخصائص هي:

ــ الاغتيال المعنوي للشخصيات:
غالبا ما يهاجم المتطرفون شخصية خصمهم وخصائصه الخَلْقية والخُلُقية أكثر من تركيزهم على الحقائق أو القضايا المثارة، إنهم يطرحون شكوكهم حول دوافعه وصفاته المؤهلة له، وتاريخه، وقيمه التي ينادي بها، أو يتبناها، وكذلك شخصيته وصحته النفسية ومظهره الخارجي، كما أنه غالبا ما يغضب المتطرفون أو يردون بعنف عندما توجه مثل هذه الانتقادات إليهم.

ــ إطلاق التسميات والألقاب:
يتسم المتطرفون بلجوئهم السريع إلى استخدام الأسماء والتوصيفات العرقية أو الدينية المنحرفة المفعمة بالكراهية المحقرة (مثل: معادٍ للسامية، شيوعي، نازي، كاذب، متعصب، حقير، مخبر، أو واشٍ، أحمق، مجنون، قواد...إلخ).ويحدث ذلك كله من أجل التحقير لخصومهم ومن أجل تحويل الانتباه بعيًدا أيًضا عن وضعهم الخاص الذي قد يتناقض مع سلوكهم هذا، فقد تقوم جماعة تدعي التدين والأخلاق باستخدام ألفاظ نابية محقرة لوصف خصومهم، ويكون إطلاق مثل هذه الألفاظ في رأي أصحابها كافيًا حتى لو استنكره الآخرون منهم.

ــ إطلاق التعميمات:
يميل المتطرفون إلى إطلاق التعميمات حول أمور معينة خاصة بهم أو بخصومهم حتى لو توفرت حقائق أو شواهد فعلية قليلة حول ذلك. كما أنهم يميلون كذلك إلى الخلط بين مفهومي التشابه والتطابق، فالأشياء المتشابهة لا تكون بالضرورة، متطابقة؛ مثلا الإنسان (أ) يشبه في شكله العام الإنسان (ب)، لكن ليس معنى هذا التشابه أنهما شخص واحد، لكن المتطرفين يقولون إنهما شخص واحد؛ لأنهما متشابهان في كونهما ينتميان إلى جنس البشر أو إلى جماعة بشرية دينية أو قومية معينة، ويحدث ذلك بالنسبة للأشياء والأحداث وغيرها أيضا، وعلى نحو يفتقر إلى المنطق، مما ينطوي كذلك على احتمالات كبيرة للوصول إلى استنتاجات زائفة وعدم توفر البراهين الكافية من الوصول إلى تأكيدات معينة: يميل المتطرفون إلى أن يكونوا غامضين إلى حد كبير حول ما يكون أو يقيم الدليل والبرهان لديهم، كما أنهم يقعون كثيرًا في أغاليط منطقية، فيفترضون مثلا أن الأحداث السابقة تفسر الأحداث اللاحقة نتيجة لعلاقة ما يختلقونها في أذهانهم بين الماضي والحاضر، وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما.

كما يميلون إلى إسقاط رغباتهم وأمانيهم الخاصة على الاستنتاجات التي يريدون الوصول إليها؛ وكذلك إلى المبالغة والتضخيم في قيمة أو دلالة المعلومات التي تؤكد معلوماتهم ويتجاهلون كذلك، أو يقللون من شأن، المعلومات التي تتناقض مع ما يعتقدون فيه. هكذا تكون المشاعر والمعتقدات هي التي تحركهم وليس الحقائق أو الوقائع أو العلم، فيكونون متوجهين من خلال ما يريدون له أن يوجد، وليس من خلال ما هو موجود فعلا. وبذلك يهيمن على المتطرفين نوعان من التفكير؛ هما التفكير بالتمني، والتفكير المفعم بالخوف.

ــ التبني للمعايير المزدوجة:
يميل المتطرفون عامة إلى الحكم على أنفسهم واهتماماتهم ومصالحهم، في ضوء مقاصدهم ومعتقداتهم فيعلون من شأنها من خلال التفضيل والتحبيذ لها، ويحكمون على الآخرين في ضوء أفعالهم؛ حيث ينظرون إليها بطريقة نقدية. إنهم يطلبون منك أن تقبل تأكيداتهم الخاصة المتعلقة بالإيمان والصدق، ولكنهم يطلبون منك أيضا إثباتًا ودليلا على معتقداتك أنت الخاصة، وقد يوافقون على شيء اليوم وينكرونه غدا، والعكس بالعكس أيضا.

ــ الميل إلى النظر إلى خصومهم ومنتقديهم على أنهم أشرار بطبيعتهم:
يكون الخصوم، بالنسبة للمتطرفين، عبارة عن مجموعة من الأشخاص السيئين، اللا أخلاقيين، المفتقرين للإخلاص والأمانة، كما يرونهم وضعاء، ومفعمين بالكراهية، وقساة القلوب والسلوك، وغير ورعين أو متسمين بالتقوى. ويكون ذلك ليس لأنهم فقط لا يتفقون معهم في أقوالهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم، بل أيضا لأنهم يرون الأمور بطريقة مختلفة ولديهم اهتمامات تعارض اهتماماتهم أو تدخل في منافسة معها.

ــ الرؤية الثنائية الضدية للعالم:
يميل المتطرفون إلى رؤية العالم في ضوء المقولات المطلقة الخاصة بالخير والشر، مع وضد، وليست هناك من درجات وسطى بين هذين الضدين؛ ليست هناك نسبية في الأشياء أو في سلوكيات البشر. هكذا تكون كل الأمور أخلاقية الطابع، تقوم على أساس التصنيف للعالم والناس إلى صواب وخطأ، ويكون الصواب متعلًقا بهم، والخطأ خاصًا بخصومهم، ويكون شعارهم الذي يتبنونه دائما هو «من ليس معي فهو ضدي».

ــ التأييد لوجود درجة معينة من الرقابة أو الكبت لخصومهم ومنتقديهم:
قد يتجلى ذلك في القيام بحملات صحفية أو إعلامية أو غير ذلك؛ من أجل إبعاد خصومهم عن وسائل الإعلام. وقد يتجلى ذلك في وضع قوائم سوداء بهؤلاء الخصوم أو العزل السياسي والإعلامي لهم، وقد يتم تكوين «لوبي» يعمل على وضع قوانين أو تشريعات لمنعهم من الكتابة أو الظهور في وسائل الإعلام أو إلقاء محاضرات عامة أو التدريس في المدارس والجامعات، وكذلك مصادرة كتبهم في المدارس والجامعات، ومصادرة كتبهم أو رفعها من المكتبات أو معارض الكتب... إلخ. هكذا يفضل المتطرفون أن تستمع فقط إليهم؛ لأنهم يشعرون بالتهديد ويتخذون مواقف دفاعية عندما يرد عليهم أحد ما أو يطرح رأيًا مخالفًا لرأيهم.