جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

خالد عكاشة يعقب: التوضيح تضمن الكثير من المغالطات

خالد عكاشة
خالد عكاشة

تعقيبًا على المقال المنشور بموقع «الدستور» بعنوان «سلطة إريتريا فى الظلام الإثيوبى»، ورد خطاب من سفارة دولة إريتريا بالقاهرة بتاريخ الخامس عشر من مارس يتضمن «توضيحًا» بشأن المقال.

واللافت أن «توضيح» السفارة الإريترية إنما تضمن الكثير من المغالطات والإنكار للعديد من الحقائق الثابتة.

فبالنظر لمضمون الخطاب الذى تجاوز حجم المقال الأصلى، يمكن تقسيمه إلى قسمين، يتعلق أولهما بالتشكيك فى صحة ما ورد فى المقال من وقائع تدعم توجهه التحليلى، بالادعاء الخاطئ باستنادها لمصادر غير موثوقة.

ويتضمن القسم الثانى محاولات تبريرية تتعلق بما سماه كاتب الرد «دور الجغرافيا السياسية فى صياغة الأمن القومى للدول»، تبنت للغرابة منطق التقليل من شأن دولة إريتريا، وتقزيم دورها الإقليمى منذ الاستقلال، وهو الأمر الذى تنفيه عشرات الوقائع منذ عام ١٩٩٣ وحتى الآن.

وفى اللحظة الراهنة، وجدنا أنه من المهم الاشتباك مع القسم الأول، وترك الثانى لمواد تحليلية لاحقة، وذلك تأكيدًا على ما ألزمنا به أنفسنا من التقيد الصارم بمنهجية علمية منضبطة خاصة فيما يتعلق بالاحتكام، للمصادر الرسمية والموثوقة فى معالجة مختلف القضايا محل الاهتمام.

ولتفنيد خطاب السفارة الإريترية المُشككة فى مصادر المقال المنشور، ستتم معالجة ثلاث قضايا رئيسية من خلال إرفاق روابط المصادر التى اعتمد عليها المقال الأصلى فى السطور التالية، وذلك على النحو التالى:

الانخراط الإريترى فى الحرب على التيجراى

يجادل الرد الوارد من السفارة بشأن اشتراك القوات المسلحة الإريترية فى الصراع فى إقليم تيجراى، لمساندة القوات المسلحة الإثيوبية والقوات الخاصة التابعة لإقليم أمهرا ضد قوات جبهة تحرير تيجراى.

وعلى الرغم من أن هذا المنطق قد تبنته وسائل الإعلام الإريترية الرسمية منذ الرابع من نوفمبر وعلى مدار أكثر من ثلاثة أشهر، فإن اللقاء المصور الذى بثه التليفزيون الإريترى فى السابع عشر من فبراير مع رئيس الجمهورية «أسياس أفورقى» يُنهى أى فرصة للاستمرار فى إنكار مشاركة إريتريا فى الصراع فى إقليم تيجراى، بعد أن صرح الرئيس أفورقى بأنه «لإريتريا مصلحة تفوق أيًا من دول الجوار فى إحلال السلم والاستقرار فى إثيوبيا، ومن ثم اضطلعنا بالتزاماتنا للمساهمة فى تحقيق هذا الهدف».

هذه العبارات المجملة فصلتها تصريحات سابقة للمسئولين الرسميين الإثيوبيين الموجودين على الأرض فى إقليم تيجراى، الذين عينتهم حكومة أبى أحمد بعد سقوط الحكومة الإقليمية بقيادة جبهة تحرير تيجراى.

ففى الرابع من يناير ٢٠٢١ قام أتاكلتى هايليسيلاسى، المحافظ المؤقت لمدينة ميكيلى عاصمة إقليم تيجراى، بالإدلاء بتصريحات لتليفزيون تيجراى- الذى أصبح خاضعًا بدوره للحكومة المؤقتة للإقليم الموالية للحكومة الفيدرالية- اعترف فيها بوجود عسكرى إريترى فى الإقليم، معتبرًا أن القيادة الشمالية فى إثيوبيا تم طعنها من الخلف ما سمح للقوات الإريترية بالدخول للإقليم، مشيرًا إلى أن الحكومة المؤقتة للإقليم ليست مسئولة عن هذا الأمر، باعتباره شأنًا عسكريًا.

كما أكدت الأطراف العسكرية فى إثيوبيا الوجود العسكرى الإريترى فى الإقليم رافضة تحمل أى مسئولية عن التسبب فيه.. ففى السادس من يناير وفى لقاء جمعه بممثلين لسكان مدينة ميكيلى عاصمة إقليم تيجراى، صرح الجنرال بيلاى سيوم، قائد القيادة الشمالية فى القوات المسلحة الإثيوبية، معلقًا على سؤال بشأن الوجود الإريترى فى الإقليم- بأن هذه الظاهرة أمر «مؤلم»، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة الإثيوبية لم تكن الطرف الذى دعا القوات الإريترية للتدخل، نافيًا أى رغبة من جانب القوات المسلحة الإثيوبية لاستمرار الحضور العسكرى الإريترى فى تيجراى.

وعلى الصعيد الدولى حسمت الولايات المتحدة الجدل بشأن الوجود العسكرى الإريترى باعتباره حقيقة غير قابلة للإنكار، وذلك بعد أن طالب أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، فى العاشر من مارس الجارى، وفى تصريح رسمى، القوات الإريترية بالانسحاب من إقليم تيجراى، باعتبار هذا الأمر يشكل وضعًا غير مقبول لا بد من تغييره.

وتماشت التصريحات الأمريكية مع بيان رسمى للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية وسياسات الأمن جوزيب بوريل طالب فيه بانسحاب القوات الإريترية من إثيوبيا، باعتبارها تمثل مصدرًا إضافيًا لتأجيج الصراع فى ظل ما ارتكبته من فظائع وما تقوم به من أنشطة تعزز العنف الإثنى فى إقليم تيجراى.

ارتكاب القوات الإريترية انتهاكات وفظائع فى إقليم تيجراى

اعتبر رد السفارة الإريترية أن الحديث عن فظائع ارتكبتها القوات الإريترية فى إقليم تيجراى، يستند إلى «افتراضات وادعاءات تلوكها الوسائط الاجتماعية ولم تثبت بعد من جهة تحقيق محايدة ذات مصداقية».

وفى هذا الشأن يطرح السؤال البديهى نفسه بشأن مدى سماح القوات الإريترية والإثيوبية بتحقيق ميدانى لجهة محايدة موثوقة فى إقليم تيجراى، فى الوقت الذى لا تزال فيه الترتيبات لتحقيق تشترك فيه الأمم المتحدة قيد الدراسة، بعد نحو خمسة أشهر من اندلاع الحرب.

وفى وقت استمر فيه التضييق حتى على النشاط الإغاثى فى الإقليم المنكوب، الأمر الذى استدعى مناشدات أمريكية وأوروبية وأممية بفتح مسار لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان الإقليم، وهو الأمر الذى قوبل باستجابة فاترة انتقائية فى الغالب الأعم.

وبالاستناد إلى ذلك، يظل من غير المنطقى أو المقبول وصف تصريحات رسمية لمسئولين بهيئات دولية تابعة للأمم المتحدة، بأنها «افتراضات تلوكها الوسائط الاجتماعية».

فعلى سبيل المثال، أصدر مكتب المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بيانًا صحفيًا فى الرابع من مارس الجارى أكد تمكنه من الحصول على معلومات بشأن وقائع حدثت فى نوفمبر الماضى، تضمنت القصف العشوائى لمدن ميكيلى وهوميرا وأديجارات، فضلًا عن حصوله على تقارير بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان تضمنت القتل الجماعى فى أكسوم ودنجيلات ارتكبتها القوات المسلحة الإريترية.

التورط الإريترى فى النزاع فى الفشقة السودانية

أقر الخطاب الوارد من السفارة الإريترية بالقاهرة بعدم علمه أن هناك تصريحات رسمية سودانية تشير لضلوع القوات الإريترية فى المناوشات، التى تشهدها منطقة الفشقة السودانية فى الآونة الأخيرة.

واعتبر أن أى إشارة لمثل هذه التصريحات إنما هى تستند إلى «أخبار» أو «ادعاءات» ترددها «بعض الوسائط الاجتماعية المجهولة المصادر».

وقد كان من الأولى مراجعة التصريحات الصادرة عن الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالى فى السودان، التى أدلى بها فى الثالث والعشرين من فبراير الماضى لجهة إعلامية رصينة ومعلومة للجميع، وهى قناة «العربية».

وصرح فيها بأن السلطات السودانية لديها معلومات من الداخل الإثيوبى، تفيد بأن بعض القوات المشاركة فى العمليات داخل الحدود السودانية، هى قوات إريترية ترتدى زى الجيش الفيدرالى الإثيوبى.

وأمام هذا الإنكار غير المبرر يتعين على السفارة الإريترية بالقاهرة مراجعة قناة «العربية» بشأن مصداقية صدور التصريحات عن الفريق ياسر العطا، أو مراجعة المسئول السودانى نفسه.

هذا الوجود الإريترى فى الفشقة لمساندة القوات المسلحة الإثيوبية وعصابات الشفتا الأمهرية، أكدته العديد من التحليلات الصادرة عن منصات دولية معتبرة فى مقدمتها دورية فورن بوليسى Foreign Policy الأمريكية التى نشرت فى الثالث من مارس تحليلًا لأليكس دى والـ Alex De Waal، الخبير البريطانى المعروف فى شئون القرن الإفريقى، الذى أكد مشاركة قوات إريترية فى النزاعات الدائرة فى الفشقة وذلك بغرض تأجيج التوتر بين إثيوبيا والسودان.

وختامًا، وبينما نرحب بجميع أشكال التواصل مع الجانب الإريترى بممثليه الرسميين وغير الرسميين، نأسف لمضمون الخطاب الأخير الذى عكس الكثير من التسرع والتحامل وإنكار الواقع، وهو النهج الذى من شأنه- حال استمراره- أن يبدد أرصدة مهمة راكمتها دولة إريتريا الشقيقة عبر سنوات لدى الأوساط المصرية المعنية بالشأن الإفريقى.