جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«معاك».. حكايات هاني لاشين مع عمر الشريف

هانى لاشين
هانى لاشين

منذ كان المخرج هانى لاشين طالبًا فى معهد التمثيل وخطواته العملية تتم بسرعة شديدة، فالرجل الذى بدأ حياته بالعمل مساعد مخرج استطاع فى ظرف سنوات معدودات الخروج من عباءة «الرجل الثاني» محتلًا المشهد بمفرده.. فكيف كانت رحلة الصعود؟

يجيب خلال أحد حواراته الصحفية قائلا:
فى أعقاب تخرجى فى معهد السينما عام ١٩٧٦ «قسم الإخراج»، بدأت رحلة البحث عن الذات، ولا أنكر مطلقًا أن الظروف بمعاونة القدر وقفا فى صفى خلال تلك الآونة، والسبب فى ذلك نظام «التعيينات» القائم آنذاك، وهو التزام الحكومة بتكليف جميع الخريجين بالعمل فى وظائف، وكان نصيبى الالتحاق بالتليفزيون المصرى.

رغم وجاهة المكان، لكننى فى غمضة زمن انتابتنى لحظة تمرد جعلتنى أرغب فى التحرر من قيود الإنتاج والتخلص من كل الأشياء التى تُلزمنى بضغوط معينة، ولذلك اخترت أن أعمل فى الأفلام التسجيلية، لأن هذا النوع من الفن هو فى الحقيقة يُمثل الأحرف التى تكتب من خلالها لغة السينما، خاصة أن أدوات المخرج فيه تقتصر فقط على الكاميرا والفكرة.

بعد فترة قصيرة كنت قد وصلت لسن النضوج ومرحلة احتراف تقديم الأفلام التسجيلية، وأخرجت قرابة ٥ أفلام، ورغم أننى وقتها كنت فى العشرينيات من عمرى، لكن مسيرتى بدأت فى أخذ صعود مبكر وسريع نحو القمة.

أعتقد أن السبب فى ذلك نابع من كونى بدأت العمل تحت مظلة عدد من الأساتذة الكبار، أمثال: نجدى حافظ وحسن الإمام، والأخير تحديدًا كان صاحب البصمة الأكثر تأثيرًا علىَّ، ورغم أنه طيلة زمانه كان دائم التعرض لهجوم كبير من النقاد، لكنى على يقين بأنه لم يأتِ مخرج مثله حتى الآن.

حين بلغت الثانية والثلاثين من عمرى شعرت بأننى استويت فهمًا ودراسة وتجريبًا لعلم الإخراج، ووجدت فى إمكانى القدرة على إخراج فيلم بمفردى، على الرغم من أنها فكرة شديدة الصعوبة، ولذلك خلال وقت عملى مساعد مخرج كنت دائم التحضير لتلك اللحظة، لإدراكى أنها ستأتى إما آجلًا أو عاجلًا، حيث كتبت مجموعة سيناريوهات وقصص تمهيدًا لتقديمها، وحين حانت الفرصة أخرجت سيناريو فيلم «أيوب» الذى جمعنى بالفنان عمر الشريف.

كانت لحظة لقاء، ما أعظمها لحظة، لم أخطط لها مُطلقًا، ولم يخطر فى بالى أبدًا أن يؤدى دور البطولة فى أحد أعمالى النجم العالمى عمر الشريف، لكنها عندما حدثت وتعرضت لها كان أكثر ما يشغلنى هو أن أكون على قدر المسئولية.

بداية التعارف بينى والنجم العالمى جاءت وقت إخراجى أحد الأفلام التسجيلية بعنوان «خطوات فوق الماء»، الذى حين انتهيت من تنفيذه صادف وجود «الشريف» فى القاهرة فراودتنى فكرة أن أعرض عليه تقديم الفيلم والتعليق عليه.

بعد أن اختمر الموضوع فى رأسى تمامًا، قابلته مقدمًا وشارحًا العرض، فوافق على الفور، وفى اليوم التالى مباشرة وجدته حاضرًا فى الميعاد مؤديًا المطلوب منه ببساطة شديدة ودون تكلف.
حقق هذا الفيلم التسجيلى بعد عرضه نجاحًا كبيرًا، فحدثنى «الشريف» متسائلًا: «ناوى تعمل إيه فى السينما؟»، فأخبرته بأننى أمتلك سيناريو لفيلم اسمه «أيوب»، وشرحت له الفكرة فوجدته يقول: «معاك«
.
بعد فترة قليلة بدأنا التصوير والتنفيذ، وأعترف بأننى شعرت برهبة المسئولية فى البداية بحكم أنها كانت أولى تجاربى السينمائية، لدرجة أننى نسيت للحظات كل ما درسته وأعرفه عن علم الإخراج، وثانيًا: لأنى وجدت نفسى أمام مجموعة من عمالقة التمثيل فى مصر، وعلى رأسهم عمر الشريف ومحمود المليجى وغيرهما.

لكن هذه المخاوف سرعان ما تبددت لإيمانى بأن «البلاتوه» عبارة عن حلم يراه المخرج ويسعى لتحقيقه، ولذلك تعمدت ألا أشغل نفسى مطلقًا بشىء قدر اهتمامى بتنفيذ رؤيتى، وتعاملت مع كل الفنانين المشاركين فى العمل بمقياس واحد لا تفضيل لأحد على الآخر، وقد ساعدتنى احترافية عقلية عمر الشريف على تجاوز هذا الموضوع بسهولة، فتركيزى كان منصبًا على قيادة سفينة الفيلم للرسو على شاطئ النجاح.

بعد عرضه فى السينمات أذهلتنى ردود الفعل، حيث نال العمل استحسان الجماهير والنقاد، لكن شهادة الثقة تسلمتها حين همس عمر الشريف فى أذنى قائلًا: «عندنا إيه تانى هنعمله الفترة الجاية؟»، فأدركت أننى نجحت بالفعل، وساد المناخ وقتها جو مُفعم بالإشادة والثناء بشخصى، لكنى انزعجت من بعض الأصوات التى اعتبرت الفيلم «شغل خواجات» رغم أنه فى كل تفاصيله يفيض بالمصرية.

لكن بمجرد أن دققت النظر فيما قالوه وكتبوه وجدت أن رأيهم هذا نابع من كون شكل الإخراج أتى بصورة مختلفة، لدرجة أن المخرج العظيم صلاح أبوسيف أثناء تسلمى إحدى الجوائز عن الفيلم قال إن هناك كادرات جديدة فى «أيوب» لم نرها من قبل وهو الأمر الذى أسعدنى بصورة كبيرة.