جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تفاصيل معركة نادرة بين نجيب محفوظ والعقاد

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

كان نجيب محفوظ يتابع المعارك الأدبية بذهن ناقد وصبر، وكان له رأيه الذي يحتفظ به لنفسه دون أن ينزل إلى الحلبة، لأنه التزم بفنه الروائي التزاما جعله المسرح الأوحد لآرائه، ولكنه اضطر لمواجهة الكاتب عباس العقاد مواجهة يقظة.

وأكد أنه لا يقرأ قصة حين يسعه أن يقرأ كتابا أو ديوان شعر، لأنها ليست من خير ثمار العقول بناء على قضية جزم بها العقاد عن يقين، وهي أنه كلما قلت الأداة وزاد المحصول ارتفعت طبقة الفن والأدب، وكلما زادت الأداة وقل المحصول مال إلى النزول والإسفاف، وما أقل المحصول وأكثر الأداة في القصص لأن خمسين صفحة من القصة لا تعطي المحصول الذي يعطيه بيت يقول "وتلفتت عيني قصد خفيت.. عني الطلول تلفت القلب"، وأمثلة أخرى استشهد بها العقاد.

وعورض رأي العقاد من أقلام كثيرة، ولكن كان أكثر المعارضين يستشعرون هيبة داخلية تجعلهم يتحدثون في همس مهذب، ولكن نجيب محفوظ صمم على النقد الصريح، فبدا نقده بتعريف الفن في شتى اتجاهاته مؤكدا أن الفنون جميعها تتفق في الغاية وتتساوى في السيادة، إذ تعيش في وفاق تام لا يكدره مكدر.

ورأى محفوظ أن العقاد عمد إلى دنيا الفنون المطمئنة فرمى بحيرتها الساكنة بحجر ثقيل فكدرها، وهو في نظرته إلى القصة خصم لا حكم، لأن القصة التي تتضاءل مكانتها في مكتبة العقاد تكون موضع كراهية فالحكم إذا عن هوى.

وأما اتخاذ الأداة والمحصول مقياسا للتفضيل فموضع المؤاخذة لدى نجيب محفوظ لأنهما شيء واحد في كل فن رفيع، ففي الشعر الجيد تتحد الأداة والمحصول، كما في الأداة الجيدة تتحد الأداة والمحصول، وقد يكون هذا المقياس صالحا للتمييز بين الجيد والردئ في فن واحد، ولكنه لا يصلح للموازنة والتفضيل بين فنين مختلفين كالقصة والشعر، وكأن العقاد بذلك يعد التفاصيل في القصة زيادة على الأداة.

وهي في جوهرها لا ترمي لمغزى موجز، ولكنها صورة للحياة وفي كل جزء منها حرفا وكلمة وجملة ونمو القصة نتج عن نمو العلم، لان العلم هو الذي وجه الانتباه إلى الاجزاء والتفاصيل بعد أن اهتمت الفلسفة بالكليات.

أما قول العقاد إن فراء الشعر أوفى طبقة من فراء القصة فهو قول وجيه في الظاهر، ولكنه لا ينتج شيئا هاما، لأن الموسيقى تنتشر في جميع الطبقات والنحت لا ينتشر إلا لدى طبقة خاصة هي رواد المتاحف، فهل يقال أن فن النحت أرقى من فن الموسيقى الذي لا يتذوقه غير القليلين؟، حسبما ذكر الدكتور محمد رجب بيومي في مقال له عن نجيب محفوظ نشر بمجلة الهلال.