جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

سارة الأمين تكتب: الوزيرة الأم

سارة الأمين
سارة الأمين

لا أحب التقيد بالبروتوكولات ولا قواعد الاتيكيت رغم أني تربيت عليها وأظني اجيدها بما يكفي، لكني تلقائية لأبعد الحدود، حذرني د. هيثم الحاج علي الذي اعتبره أستاذي في مناحي عدة، -عندما لاحظ تغيري- "بقيتي بتقطعي الكلام، أوعي تتخلي عن تلقائيتك، فهي سر جمالك".

بحكم عملي كنت مع الكثير من رجال الدولة ووزرائها قدم لي بعضهم الشوكولاتة الفرنسية والقهوة الإيطالية وشهادات التقدير وبعض الورود، قدرت ما قدموه حسن تقدير في وقتها وإلى يومنا "على رأسي والله"، ولكني لم ولن أكتب عنه كونه كان خاصا لي ولي فقط وإن ذكرته ما كان ليصير سوى رياء وكم أكره المنافقين! لا يثيرون حنقي فقط بل واشمئزازي أيضا، هم وجماعة المتسلقون، ولكن تلك التمرة تعني الكثير، لأنها لم تكن خاصة لي، بل قدمت أخواتها لكل من كان هناك في زيارة مصانع الواحات حتى نعرف احتياجاتهم ونحاول تقديم حلولا لها، للصدفة التقطت الكاميرات تمرتي دونا عن تمراتهم، رغم أني كنت أصر على الوقوف في الزاوية إلى أن وبختني الوزيرة "عاملة زي التايهة كدا لية، تعالي هنا"، كان منطقيا وجودي بجوارها، فأنا سفيرة مبادرة ست بـ 100 راجل والتي هي سبب زيارتنا للواحات من الأصل.

منذ أن نشرت أول صورة جمعتي بوزيرة الدولة والحكايات عنها ما نضبت، تتلى على مسامعي ممن سبقوني في المعرفة بها في مناصب عدة، من رياضيين وصحفيين ودبلوماسيين وغيرهم، ومن الحكايات عرفت ألقابها تارة السفيرة الحديدية وتارة الوزيرة التي لا تنام، وكأي صحفية بل وعاملة في المجال العام، أبحث عن الأخطاء، سواء لأكتب عنها أو لتكليف مؤسستي الخيرية بمحاولة إيجاد حل، عل حالها "ينصلح" في رأي هذا هو الهدف من الحياة تغيير ما يمكننا تغييره للأفضل، وكأي صحفي يدعي إنه "شاطر" يعرف أن من لا خطأ له كالعنقاء.. مستحيل، ولي "في كل خرابة عفريت" كلمت أحد "العفاريت" الذي يعمل معدا في أحد البرنامج التي تخصص ساعاتها على الهواء لفضائح رجال ونساء الدولة وجاء رده حاسما "لا مفيش لها حاجة عندي" وفي صوته مرارة أفهمها، نحن معشر الصحفيين نقتات على الأخطاء البعض منا هدفه سامي وهو تغيير حياة الناس للأفضل عبر محاسبة المخطئ والبعض قذر يساوم المخطئ لأجل منافع شخصية، لن أخبرك إلى أي الفريقين أنتمي ستعرف وحدك يوم العرض على رب القلوب.

لن يعرفكم أحد لقبها في قلبي "الوزيرة الأم"، ولولا أن هذا لقبها في قلبي ما كنت تطوعت وقبلت مهمتي العسيرة التي علمت الصحافة بها في نفس لحظة علمي بها، وأنا في عرض ساعة نوم ولم أذق له طعما منذ 50 ساعة، يمكن أن ترفض بأدب مهمة رسمية ولكنك لا تقدر على رفض تكليف ممن تحمل في قلبك لقب "الوزيرة الأم"، ولن تقبله فقط بل ستحاول أن تجعلها تفخر باختيارك، ستجعل الراحة في ذيل قائمة الأولويات وتعكف على القراءة في مجال مهمتك، أعلم جيدا أنه وبعد "الضجيج الإعلامي" ستسن السكاكين، من هي ذات الـ 28 عاما "عملت إية يعني؟" "هي البلد ناقصة مبادرات"، أعرف تعليقات الناس فأنا منهم، ولو كنت مكانهم لكنت قلت ما يقولون الآن، ولكني رأيت ما لم يروه، تخيلته كأنه حدث، افتتاح أول مشاريعنا، وقتها فقط سيصفق الجميع، حدث هذا معي قبلا تحديدا منذ ثلاث سنوات، قال أصدقائي عني أنني مجنونة عندما تركت وظيفة ثابته ومركزا لتعليم الفنون بدأ صيته يزيد ويدر مبلغا جيدا من المال وارحل لكينيا، ولكني كنت أرى ما أراه الآن افتتاح اول مشاريعنا، وقتها كان الأمر حلما، والآن هو علم لا يمكن لذي البصر أنكاره، لا تتعجب عزيزي القارئ فتلك طبيعة الناس في البدء سيحاولون تحطيم كل ما هو جميل، إلى أن يأبى الجميل أن يصير حطاما سيتعجبون ويصمتون وعندما ينجح الجميل وقتها ووقتها فقط سيصفقون، تلك طبائع البشر لن تقدر على تغييرها عليك فقط إدراكها.

لا أحب التقيد بالبروتوكولات ولا قواعد الاتيكيت لأني كنت أرى أنها عكس التلقائية والمتقيدين بها مقيدون، إلى أن قابلتها، عرفت وقتها أنه بإمكان المرء الدمج بين ما يكره وما يحب ويوازن، في حضرتها تعلمني الكثير دون أن تدري، ربما لأني أحب الملاحظة وربما لأن دروسها تلقائية لا أقدر على التحديد، ولكن الأكيد أني اليوم تعلمت، يمكن لوزيرة أن تذهب لواحة وتجلس على البساط كعادة أهل تلك الواحة مرتدية فستانا مطرزا بالنقوش المميزة لأهل تلك الواحة، لم تتكلم لم تخبر مواطنين الواحة أن بلدهم تدعمهم، لم تتكلم في الأمر أصلا، ولكن فعل بسيط فتح قلوب من شاهده وجعلهم يرحبون بالزيارة كما لم يرحبوا بمثيلتها من قبل، أو للدقة لأن الواحة تلك لم تشهد مثيل لتلك الزيارة حسبما أخبرنا شيخ المجلس من قبل، تعلمت الكثير من الدروس منك اليوم، فشكرا.