جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نوبيون فى كينيا.. مأساة المحرومين من الجنسية والحياة والمستقبل

نوبيون فى كينيا
نوبيون فى كينيا

«نوبيون فى كينيا؟».. لم أكن أعرف أن هناك نوبيين يعيشون معى فى البلد الذى أستقر فيه منذ ٣ سنوات، ولم أكن أتوقع أن حى «كيبيرا»، الذى يعد ثانى أكبر منطقة عشوائية فى العالم، يمكن أن يخفى داخله كل تلك الحكايات المأساوية، عن فقراء محرومين من الجنسية والحياة.
بدأت حكاياتى عن القارة السمراء، على صفحات «الدستور»، بقصة تحكى عن عادات قبيلة كينية شهيرة، وكيف رحب زعيمها بابنة مصر الضيفة، وفى هذه المرة سأحكى عن الفقر، العدو الأول للبشرية، وعن ميراث تركه الاستعمار البريطانى فى كينيا.
حينما سكنت ذات مرة بحى «لانجاتا»، المجاور لحى «كيبيرا»، كنت أشعر بالرعب لمجرد تذكر أننى مجبرة على المرور بجوار هذا المكان، مساكن من الصفيح، وشوارع ضيقة، تصلح بامتياز لارتكاب الجرائم.. لذا طلبت من مالك الشقة التى أعيش فيها مضاعفة الأقفال، لزيادة الحماية.
كنت أرى المشهد من هذه الزاوية، ومع بدء انتشار فيروس كورونا، وإصدار السلطات الكينية قرارًا بفرض حظر التجول بدءًا من الساعة السادسة مساءً حتى الخامسة من صباح اليوم التالى، وغلق الطرق بين المقاطعات المختلفة- كان هذا القرار كارثيًا بالنسبة لعمال اليومية، الفئة الأكبر فى كينيا، لأن طبيعة عملهم قد تجعلهم يسافرون لبلدات مجاورة، ولا يملكون حينها الوقت الكافى للعودة لبيوتهم قبل الحظر، وهذا يعنى قضاء يوم فى «جحيم كيبيرا».
تشير تقديرات إلى أن «كيبيرا» تضم نحو مليون نسمة، والمنازل تشبه المقابر، علب من الصفيح بلا حمامات أو كهرباء أو مياه، يستطيع المضطر تأجير واحدة بـ١٠ دولارات شهريًا، ويشترى ٢٠ لترًا من المياه التى بالكاد تصلح للشرب بعد غليها، بما يوازى ٠.٢ دولار، وهذا مبلغ لا يقدر كثيرون على توفيره، إذ إن متوسط الأجر اليومى للعامل ٥ دولارات.
وخلال بداية انتشار فيروس كورونا، كنت أستعين بسيدة كينية لمساعدتى فى تنظيف البيت، كانت من سكان «كيبيرا»، ولهذا السبب لم تعد المنازل تستعين بها خوفًا من أن تنقل العدوى، لأنها تنتمى إلى البؤرة الكبرى للوباء، فالجميع يعلم أن التحدث عن النظافة يعتبر رفاهية فى «كيبيرا»، وأنها صاحبة نصيب الأسد فى الإصابات الجديدة بفيروس كورونا داخل كينيا.
حينها قررت مساعدة أشقائى هناك، وأول ما فكرت فيه هو أننى أحتاج لدليل قبل دخول «كيبيرا» المرعبة.
ذهبت إلى مسجد، والتقيت شابًا يدعى «آبدى»، وهو اسم دارج يقال لكل من ضم اسمه كلمة «عبد»، مثل «عبدالله»، عرفت أنه يتقن الإنجليزية والسواحلية، فعرضت عليه المهمة، وقبلها.
اصطحبت «آبدى» بسيارة المؤسسة الخيرية التى أرأسها إلى «كيبيرا»، ثم ترجلنا وحملنا ما نستطيع من الغذاء، وبدأنا رحلة البحث عن الأكثر احتياجًا، بين الأكثر احتياجًا.
لم أتحدث كثيرًا مع أحد، كنت أتعامل بشكل رسمى، وأحرص على ألا يعرف الدليل معلومات شخصية عنى، فلا أصدقاء هنا، ولأن نظام الصرف الصحى بدائى هناك، تمتلئ الشوارع بالحفر والبرك والحشرات والروائح الكريهة.
انتهيت من التوزيع، وطلبت من «آبدى» أن يدلنى على مكان أغسل فيه يدىَّ، كنت منهكة ولا أستطيع السير حتى المسجد، فقال لى إن هناك مصدر مياه على بعد ٣ كيلومترات من آخر منزل زرته.
حينما وصلت، وجدت جدة «آبدى»، تجلس بجانب وصلة المياه، تحدثنا، وعرفت أنها نوبية، وغيرت حياتى وطريقة تفكيرى بما قالت.
فعلى الرغم من أنها لم تحظ بتعليم كاف، لكنها تعلم أن بريطانيا الاستعمارية حينها، أجبرت أجدادها على الانتقال من السودان قبل قرن من الزمان، عاشوا فى غابات كانت تملؤها الحيوانات والأشجار، قبل أن يستعمرها الفقر، وتناسلوا ووصل عددهم إلى ١٠٠ ألف نوبى، لا يستطيعون حتى الآن الحصول على الجنسية الكينية، أو الحصول على فرص متساوية فى التعليم.
قالت السيدة إنها تنتمى للجيل الرابع ممن عاشوا هنا، ولا تعرف وطنًا غير كينيا، لكن السلطات لا تعترف بهم حتى الآن.


حديقة «نيروبى» الوطنية.. منطقة جذب سياحى بأنواع نادرة من الطيور والحيوانات
وصل المستعمرون البريطانيون إلى المنطقة التى تقع فيها حديقة فى أواخر القرن التاسع عشر، وفى هذا الوقت كانت سهول «آثى»، شرق وجنوب ما يعرف اليوم بـ«نيروبى»، تتمتع بحياة برية وفيرة.
عاش البدو «الماساى» ورعوا ماشيتهم بين الحياة البرية، واستزرع سكان قبيلة «كيكويو» المرتفعات الحجرية فوق نيروبى.
ومع نمو نيروبى زادت الصراعات بين البشر والحيوانات، وحمل سكان المدينة بنادقهم ليلًا للحماية من الأسود.
واشتكى الناس من أن الزرافات والحمير الوحشية تمشى على الحديقة وأفسدت أزهارها، وتم حصر الحيوانات تدريجيًا فى السهول الممتدة إلى الغرب والجنوب من نيروبى، وقد وضعت الحكومة الاستعمارية هذه المنطقة جانبًا كمحمية للصيد.
تقع الحديقة على بُعد نحو ٧ كيلومترات من وسط نيروبى، وتبلغ مساحة الحديقة ١١٧.٢١ كيلومتر مربع، وتم وضع سياج كهربائى حول الحدود الشمالية والشرقية والغربية للحديقة، تتكون حدودها الجنوبية من نهر مباغاتى، وهذه الحدود مفتوحة لمنطقة «كتينجلا»، المحمية الواقعة جنوب المنتزه مباشرة.
وافتتحت حديقة نيروبى الوطنية رسميًا فى عام ١٩٤٦ وكانت أول حديقة وطنية تأسست فى كينيا، وتم إبعاد رعاة قبيلة «الماساى» من أراضيهم عند إنشاء المنتزه، وعُين ميرفين كوى مديرًا لحديقة نيروبى الوطنية وشغل هذا المنصب حتى عام ١٩٦٦.
أحرق الرئيس الكينى دانيال أراب موى فى عام ١٩٨٩ نحو ١٢ طنًا من العاج فى موقع داخل الحديقة، وكان العاج السبب الرئيسى فى قتل الأفيال مما هدد التوازن البيئى فى المنطقة، وتسبب هذا الحدث فى تحسين صورة كينيا فى الحفاظ على الحياة البرية وحماية الحياة البرية.
وتعد حديقة «نيروبى» الوطنية منطقة الجذب السياحى الرئيسية للزوار لأنها ثرية بأنواع الطيور والحيوانات البرية كالفهد والضبع والنمر والأسد، كما هناك عوامل جذب أخرى مثل هجرة الحيوانات البرية الأخرى مثل الحمار الوحشى، فى شهرى يوليو وأغسطس.
ويزور سكان نيروبى وآلاف الأطفال الكينيين المنتزه فى رحلات مدرسية ميدانية كل أسبوع.
ويقدم مركز التعليم للحفاظ على الحياة البرية فى المنتزه محاضرات وعروض فيديو حول الحياة البرية، وجولات مصحوبة بمرشدين فى المنتزه، ودار أيتام الحيوانات، وتهدف هذه الجولات فى المقام الأول لتثقيف المدارس والمجتمعات المحلية.
وكانت هناك انتقادات بشأن مساكن الحيوانات، ولكن هناك حاليًا مساكن أكثر اتساعًا، وأنشأت خدمة الحياة البرية فى كينيا مسيرة سفارى تُسلط الضوء على مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات الموجودة وكيف تؤثر على السكان.


السد الإثيوبى على نهر أومو يهدد بحيرة توركانا بالجفاف

رغم أن إفريقيا واحدة من أغنى قارات العالم بعنصر المياه، الأهم لحياة البشر، فإن معظم دول القارة أبعد ما تكون عن تحقيق أمنها المائى، ما يفتح أبوابًا لا تنتهى للصراع حول المياه.
وينشغل كثير من دول القارة الإفريقية، حاليًا، بالحديث عن مصادر المياه، من أين تبدأ؟ وإلى أين تنتهى؟ وكيف يمكن تحقيق الأمن المائى للجميع دون الحاجة إلى صراعات جديدة تستهلك قدرات القارة التى أنهكتها الصراعات والحروب؟ إلى جانب معالجة سعى بعض دول القارة للسيطرة على المياه ورفض التعاون مع جيرانها، لتحقيق النجاة للجميع.
وحول قضية المياه فى إفريقيا، قالت ولاء صابر البوصاتى، المدرس بكلية الآداب جامعة دمنهور، إن تطوير المشروعات المائية فى إفريقيا، ومن بينها إقامة السدود على الأنهار، يمكن أن يوفر كثيرًا من فرص التنمية والاستفادة من الموارد المتاحة، مشيرة إلى أن هذه الاستفادة تصطدم بالمشروعات غير المدروسة والإدارة الخاطئة للعلاقات بين الدول.
وأضافت: «لا يمكن لأحد أن ينكر حق الشعوب فى التنمية والاستفادة من مواردها، لكن الخطوات غير المدروسة والإدارة الخاطئة للمشروعات واختلاط الأمور بطموحات السيادة والسيطرة الإقليمية تمثل خطرًا داهمًا على مستوى العلاقات بين الدول».
وواصلت: «تشير التوقعات فى العالم إلى أن حروب المستقبل فى إفريقيا هى حروب إفريقية- إفريقية، بين أطراف تُصر على تنفيذ مشروعات مائية عملاقة دون النظر للعواقب على البيئة ودول الجوار، ما ينذر بكوارث ومجاعات وحروب، حتى على مستوى الدولة الواحدة».
وتابعت: «على سبيل المثال، قلل السد الإثيوبى على نهر أومو من كمية المياه المتدفقة إلى بحيرة توركانا، التى يعتمد عليها الكينيون فى إنتاج الغذاء وتحقيق أمنهم المائى، خاصة أن هذا النهر يوفر بين ٨٠٪ و٩٠٪ من مياه البحيرة، ويعد الرافد الوحيد الذى لا تجف مياهه تمامًا خلال موسم الجفاف، لذا فإن السد يقلل من كمية المياه المتدفقة إلى البحيرة ويزيد من ملوحتها ويقلل من مخزونات الأسماك».
وختمت بقولها: «إدارة أزمات المياه دائمًا ما تتعلق بمسائل الأمن القومى، لذا فإن إدارتها بهذا النهج قد تنذر بمستقبل مظلم لكثير من دول القارة».