جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ضرورة الثقافة الآن




الثقافة هى العلوم والمعرفة التى يدركها الفرد، ومجموع ما توصل إليه بلد أو مجتمع فى مختلف الحقول من أدب وفكر وعلم وفن وصناعة، بهدف استنارة الذهن. والثقافة تعكس مدى وعى أفراد المجتمع بالعلم والمعرفة فى كل مجالات الحياة، وهى تعتبر أحد الأسس القوية التى يرتكز عليها بناء وتنمية المجتمعات الحديثة ويجب أن تشمل كل الجوانب المادية والمعنوية فى المجتمع.
الجوانب المادية تشمل نواحى العمران والتطور الصناعى والإنشاءات والمعدات التى تنهض بالمجتمع صناعيًا وزراعيًا وتعليميًا، وهى العوامل التى تساعد على تسهيل الحياة ورقيها فى أى مجتمع من المجتمعات.
أما الجوانب المعنوية فهى تظهر من خلال مجموعة القيم والسلوك والعادات والتقاليد المتوارثة والتراث وذائقة المجتمع، وغيرها من الجوانب المختلفة التى يتميز بها مجتمع معين عن غيره من المجتمعات، لذلك فإن أى محاولة للفصل بين الثقافة وبناء وتنمية المجتمعات هى محاولة فاشلة بل محكومة بالتلاشى.
ولا شك أن مصر تشهد حاليًا نهضة غير مسبوقة، سواء على مستوى تحسين الأداء الحكومى، أو الاهتمام بالمهمشين، أو التقدم المجتمعى المبنى على الوسائل الحديثة، وميكنة الجهاز الإدارى والتوسع فى المشروعات التى تخدم المواطن، أو تجعل حركته سهلة وميسرة، وإنشاء البنى التحتية فى كل المجالات.
ورغم ذلك فإن كل هذا التقدم، لم يواكبه السلوك والتصرفات التى يجب أن يلتزم بها أفراد المجتمع للتعامل مع الإنجازات الجديدة والتطور الحاصل فى بنية المجتمع، أو ما يعرف بتغيير سلوك الأفراد ليتلاءم مع الوضع الجديد.
فعلى سبيل المثال؛ قامت الحكومة بتطهير جوانب الترع والمصارف الطينية، وأنفقت عليها ملايين الجنيهات، لأجل أن تصبح تلك المصارف نظيفة، كما قامت بوضع أحجار فى قاع الترع وجوانبها، أو ما يعرف بتبليط المجارى المائية، لتحقيق عدة أغراض فى وقت واحد، منها منع تسرب المياه، وعدم نمو النباتات العشوائية، وسهولة تدفق مجرى المياه فيها، زيادة على الرونق الجميل لتلك الترع والمصارف، ولكن أهالى المناطق والسكان حول تلك الترع قاموا بإلقاء المخلفات المنزلية أو الزبالة فى تلك الترع، وتحوّلت فى مدة قليلة إلى مستودعات للقمامة والزبالة، كما كانت من قبل.
كما تحوّلت ترعة الإبراهيمية التى تخترق جزءًا من وسط صعيد مصر إلى مقلب هائل للزبالة، وتراكمت أطنان القمامة والمخلفات على جانبى الترعة، والترع المتفرعة منها، ولم يسلم شريط السكة الحديد أيضًا من تلك الآفة فى التعامل بجهل، مع المرافق الحيوية.
كما تحوّلت قطع المبانى الخالية إلى مستودعات دائمة للقمامة، يرمى فيها أهالى المناطق المجاورة لهم زبالتهم، وبما أشعل أحدهم فيها النيران لمنع الحيوانات الشاردة والفئران والثعابين والعقارب من استيطانها.
ولن أتحدث عن محاولات وزير التعليم لتحديث التعليم فى مصر، ليواكب التعليم فى الدول المتقدمة، باستخدام التقنيات الحديثة والمتقدمة فى فنون التعامل الحديث مع أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، واستغلال إمكانات البحث الهائلة والمتوافرة وسائل التواصل الاجتماعى.
وبالطبع واكبت هذا حملة معادية ضارية من بعض المعلمين وأولياء الأمور وارتفعت صيحاتهم باتهام وزير التعليم بإفساد العملية التعليمية والإضرار بالطلاب، ويتلمسون الأخطاء من أجل تشويه الرجل، وتشويه العملية التعليمية كلها.
ولن نتحدث عن سلوك البعض مع ماكينات صرف النقود وضرورة الالتزام بالتباعد، وإتاحة الفرصة للواقف أمام الماكينة للتصرف بعيدًا عن مراقبة الواقف خلفه، أو محاولة البعض تخطى الدور للوصول إلى الماكينة قبل آخرين سبقوه إليها.
أما ما حدث مع لقاح «كورونا» الذى ينتظره كل العالم من أجل التخلص من هذا الوباء، فإن هناك حملة قاسية، غير مبررة، يروجها بعض الموتورين حول هذا اللقاح، الذى تحاول الدولة السباق مع الزمن من أجل توفيره لمعظم الفئات المعرضة للمرض، ولكن هناك أصواتًا تقلل من فاعلية اللقاح وتحذر من أعراض جانبية له، ينفيها المتخصصون والأطباء.
فمتى تتصدى مؤسسات الدولة لهذا النوع المتدنى من الثقافة والتخلف، ليواكب حركة النهضة التى تشهدها البلاد؟