جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الحوار المجتمعى




الحوار المجتمعى تعبير أصبح مترددًا وبقوة وكأنه سلعة مطلوب شراؤها من السوبر ماركت، خاصة بعد الرفض الجماهيرى للمادة «٣٥» من قانون الشهر العقارى، بل قل لقانون الشهر العقارى بأكمله، حيث إن هذا القانون قد حُكم عليه بالموت، وذلك لأن القانون وما يحمله من كل تراث البيروقراطية المتخلفة لم يتم تنفيذه على أرض الواقع إلا بنسبة أقل من عشرة فى المائة من مجمل العقارات فى مصر، فكان حسنًا أن أصدر الرئيس السيسى قرارًا ألزم به الحكومة والبرلمان بتأجيل تطبيقه إلى أكثر من عامين.
والأهم هو أن هناك عدة قوانين قد أصبح تشريعها حالة ملحّة، كما أن مشروعات تلك القوانين قد أصبحت فى إطار المناقشة، سواء داخل أو خارج البرلمان، مثل قانون الأحوال الشخصية، وهو قانون من الأهمية بمكان حيث ينظم ويقنن كل أحوال الأسرة المصرية مما يجعله مؤثرًا وبشكل مباشر فى تنشئة الشخصية المصرية وتكوينها، خاصة عند وجود مشاكل أسرية مثل الطلاق، مما يفرض مناقشته على الأرضية الاجتماعية والاقتصادية والدينية.
وهناك قانون الإيجارات القديمة، وهو قانون عند تطبيقه سيحمل من الحساسيات الاجتماعية والمادية الكثير والكثير من النتائج التى يجب أن نحيطها بكل الاهتمام، كما أن هناك الكثير من مثل هذه النوعية من القوانين التى تلامس حياة البشر بشكل مباشر، فكيف سيكون ذلك الحوار المجتمعى الذى أصبحت ألسنتنا تلوكه صباح ومساء؟ فقد تربينا على قيم معينة وسيطرت علينا مناهج تعليمية معظمها لا يحض على الحوار لا المجتمعى ولا غير المجتمعى، فلم تركز مناهجنا ولا تربيتنا حتى الآن على قيم الحوار والتسامح والقدرة على الوصول إلى حل وسط الذى يعنى فى أفهامنا أن الحل الوسط هو الاستسلام.
ما زال خطابنا الدينى هنا وهناك يعتمد على فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة فى مواجهة الآخر الذى لا يملك أى حقيقة، ما يجعل رفض الآخر «لزمة» طبيعية فى التكوين الشخصى وليس قبول الآخر الذى لا يكون ولا يتحقق بغير هذا الحوار المجتمعى.. فهل ستكون هناك إعادة فهم وإدراك لمفهوم الحوار المجتمعى حتى نمارسه قولًا وفعلًا؟
لا شك أن الحوار المجتمعى لكى يصبح قيمة اجتماعية وإنسانية لا بد من تغيير جذرى للمناهج التعليمية حتى يعد الطالب ومنذ البداية قابلًا للحوار، راضيًا بنتائجه التى كانت حصيلة الرأى والرأى الآخر، وبعيدًا عن أى تصنيف طائفى أو دينى أو قبلى.. إلخ.
على الإعلام ألا يعتمد على فكرة اللقطة الواحدة، وعليه إدارة حوار موضوعى يحمل وجهتى النظر بعد ترك المساحة لكل منهما حتى يتم التوصل إلى رؤية مشتركة جاءت نتيجة لقبول الرأى الأفيد بعيدًا عن صراع «الديكة» المقزز.
هنا لا بد أن نعى جيدًا أن هذا الحوار المجتمعى، خاصة فى إطار مناقشة مشروعات القوانين، لا بد أن يكون العامل الأهم فيه هو الأحزاب السياسية ونواب تلك الأحزاب. وطالما هناك أحزاب ورقية وشكلية لا علاقة لها بالمواطن فى الشارع، وذلك نتيجة لغياب النائب عن الجماهير والاكتفاء بالمجاملات الاجتماعية والخدمات الشخصية.. هنا، ونتيجة لذلك الغياب أصبحت أدوات التواصل الاجتماعى هى البديل لذلك الحوار المجتمعى، فى الوقت الذى لا نزال نعانى من تلك الفوضى التى يدار بها كثير من المواقع الإلكترونية لصالح جماعات وتنظيمات لها أهدافها ومصالحها.
فهل لنا أن نعرف أن الحوار المجتمعى ليس هو اجتماع الفرقاء تحت سقف واحد أو النقاش عبر الإعلام فقط، ولكن لا بد أن يكونوا مستعدين وقابلين لتغيير آرائهم وليس آراء الطرف الآخر فقط، أو فرض الرأى عليه، بل هو شريك يجب احترامه.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
الحوار المجتمعى ليس هو اجتماع الفرقاء تحت سقف واحد أو النقاش عبر الإعلام فقط ولكن
لا بد أن يكونوا مستعدين وقابلين لتغيير آرائهم