جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ما بعد زيارة الخرطوم




بعض ملامح القادم المختلف فى العلاقات المصرية السودانية، اتضح خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الخرطوم، أمس السبت، التى تأكد خلالها وجود إرادة قوية، متبادلة، لمواجهة التحديات، ذات الصلة المباشرة بمصالح ومصائر شعب واحد موزع على دولتين.
تلك هى زيارة الرئيس الأولى للبلد الشقيق، منذ الإطاحة بنظام عمر البشير وتشكيل مجلس السيادة الانتقالى. وبات واضحًا، أن هناك رغبة حقيقية لدى الأشقاء، على المستويين الرسمى والشعبى، للارتقاء بالعلاقات بين البلدين، خلال تلك المرحلة المهمة، إلى مستويات أعلى مما كانت عليه، مع ضرورة استمرار التنسيق المشترك وتوحيد الرؤى والمواقف تجاه قضايا عديدة، على رأسها بالطبع قضية السد الإثيوبى، تلك القضية المحورية، التى لا تمس البلدين الشقيقين فقط، بل تمس أيضًا حاضر ومستقبل دول حوض النيل، والقارة الإفريقية بأكملها.
الثابت، أن مصر تساند جميع جهود تعزيز السلام والاستقرار فى السودان، خلال تلك المرحلة المفصلية من تاريخه. والمؤكد، أننا نقف إلى جانب تطلعات الشعب السودانى فى التقدم والازدهار ونؤيد جهود الحكومة السودانية لكسر العزلة الدولية وحشد المساعدات من أجل دفع عجلة الاقتصاد. وسبق أن أكد الرئيس السيسى بوضوح دعم مصر للسودان، وشدد على أن أمن البلد الشقيق واستقراره جزء لا يتجزأ من أمن مصر واستقرارها. كما وصل مستوى التعاون العسكرى بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق، بعد زيارة الفريق محمد فريد، رئيس أركان قواتنا المسلحة، للخرطوم، منذ أيام، وتوقيعه مع نظيره السودانى على اتفاقية عسكرية جديدة.
الزيارة، التى استغرقت بضع ساعات، شهدت انعقاد قمة مصرية- سودانية، اتفق خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى والفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادى الانتقالى، على أن المرحلة الدقيقة الحالية، التى يمر بها ملف سد النهضة، تتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان. وتطرقت المباحثات بين الزعيمين إلى سبل تعزيز العلاقات على كل الأصعدة، العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى مناقشة أمن البحر الأحمر وتطورات الأوضاع بمنطقة الحدود وتحركات السودان الأخيرة لبسط سيادته على حدوده الشرقية المتاخمة لإثيوبيا. كما تم التباحث حول مختلف المستجدات فى منطقة القرن الإفريقى وشرق إفريقيا.
مستجدات أو متغيرات كثيرة، تشهدها تلك المنطقة، تستوجب التعاون بين البلدين بشكل أكبر. وبالفعل، عكست المناقشات بين الزعيمين تفاهمًا متبادلًا إزاء سبل التعامل معها، ومواجهة التحديات، التى تواجه القارة الإفريقية ككل. كما تم الاتفاق على تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثنائية بين كبار مسئولى البلدين، للتنسيق المتبادل تجاه التطورات التى يشهدها محيطنا الجغرافى. وفيما يتعلق بالسد الإثيوبى، اتفق السيسى والبرهان على رفض أى إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق. وغالبًا، تم التوصل إلى صيغة للتعامل مع هذا الملف، تمهيدًا للجلوس مجددًا على طاولة المفاوضات بطريقة جديدة ووساطة دولية، بعد فشل اللجنة، التى شكلها الاتحاد الإفريقى فى تحقيق تقدم ملموس.
تطالب القاهرة والخرطوم باتفاق قانونى مُلزم ينظم عمليتى ملء وتشغيل السد، بما يحفظ «حقوقهما المائية»، بينما ترفض أديس أبابا الالتزام بأى اتفاق، بزعم أن ذلك «يحدّ من قدرتها على التنمية فى مواردها». وخلال القمة المصرية السودانية، جدد الرئيس دعم مصر المقترح السودانى بتوسيع دائرة الوساطة، وتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، وتضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. والأخيرة أبدت استجابتها، أمس الأول الجمعة، وعرضت المساعدة، وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو جوتيريش، إن المنظمة مستعدة للمشاركة فى التفاوض، وهو ما نتوقع، حال حدوثه، أن يعطى المفاوضات المقبلة قدرًا كبيرًا من الجدية.
على أهمية كل الملفات، التى جرى تناولها، خلال زيارة الرئيس الخرطوم، تظل قضية السد الإثيوبى هى القضية المحورية، وهناك الكثير من الجوانب، التى توجب على العالم العربى والقارة الإفريقية والمجتمع الدولى إجمالًا، القيام بدور فاعل، لحسمها، بعدما دخلت مرحلة حرجة. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن البرلمان العربى جدد تضامنه ودعمه ووقوفه التام مع مصر والسودان فى تحركاتهما وإجراءاتهما لحماية أمنهما المائى، وشدد، فى بيان، على رفضه المساس بحقوقهما القانونية والتاريخية، وطالب الجانب الإثيوبى بالابتعاد عن سياسة فرض الأمر الواقع وعدم القيام بأى خطوات أحادية جديدة من شأنها تعقيد الأزمة وإطالة أمدها.
ما بعد زيارة الخرطوم سيختلف عمَّا قبله. وستظل يد مصر، كما قال رئيسها، ممدودة، دائمًا وأبدًا، للتعاون والخير والبناء، ولديها الكثير من التجارب المهمة، التى يمكن للأشقاء الاستفادة منها. ولأننا شعب واحد، ينبغى أن تكون العلاقات بين دولتينا نموذجًا للتكامل الاقتصادى والشراكة التنموية، مهما تغيرت التحديات أو اختلفت الظروف المحلية والإقليمية والدولية.