جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أيام الصلاة.. كل شىء عن الصوم الكبير

الصوم الكبير
الصوم الكبير

تبدأ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الاثنين، الصوم الكبير لمدة ٥٥ يومًا تنتهى بليلة «سبت النور» فى ٢ مايو المقبل.
وتنظم الكنيسة خلال هذه الفترة عدة قداسات وفعاليات دينية، تحرص خلالها على تلبية الاحتياجات الروحية لشعبها، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية من فيروس كورونا المستجد، وأهمها التأكيد على التباعد الجسدى، والسماح للشعب بحضور القداسات فى الكنائس فى حدود نسبة ٢٥٪ من القدرة الاستيعابية.
فى السطور التالية تستعرض «الدستور» جدول أعمال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال هذه الأيام «المباركة»، وتسأل الآباء الكهنة عن «الصوم الكبير»، وكيفية تحقيق أقصى استفادة روحية ممكنة خلاله.


رسامة كهنة جدد للخدمة بعدة مناطق.. وإحياء الذكرى الـ50 لرحيل البابا كيرلس السادس

قالت مصادر كنسية إن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، يستهل أول قداسات الصوم الكبير بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، بمشاركة عدد من الأساقفة، تزامنًا مع الذكرى الأولى لرحيل الأنبا صرابامون، أسقف ورئيس الدير.
وأضافت المصادر أن إقامة القداسات ستشهد التزامًا صارمًا بالإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد.
وأشارت إلى أن ثانى قداسات الصوم الكبير، التى يترأسها البابا، ستكون فى دير مار مينا العجائبى بصحراء مريوط، تزامنًا مع إحياء ذكرى مرور ٥٠ عامًا على رحيل البابا كيرلس السادس.
ولفتت إلى أنه من المقرر أن يترأس البابا، صباح رابع وخامس أيام الصوم الكبير، قداسات صناعة الميرون المقدس بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، بمشاركة أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وقالت إنه من المقرر أن يترأس البابا، صباح السبت ١٣ مارس الحالى، طقوس رسامة كهنة جدد للخدمة بالقاهرة والإسكندرية وبلاد المهجر، ومن المحتمل أن تتمم الرسامات بدير الأنبا بيشوى.
وأضافت المصادر أن البابا سيقضى خلوته ما بين الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ودير الأنبا بيشوى.
وذكرت أن الكنائس فى مختلف الإيبارشيات تقيم أكثر من قداس خلال أيام الصوم الكبير؛ لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الأفراد للمشاركة والحضور.
وشددت الإيبارشيات على الشعب القبطى بضرورة الحجز المسبق لحضور قداسات الصوم الكبير، مع مراعاة ألا يتجاوز عدد الحاضرين نسبة الـ٢٥٪.
ونوهت المصادر بأنه خلال إقامة صلوات القداسات الإلهية تلتزم الكنائس بالإجراءات الاحترازية، وعلى رأسها ارتداء الكمامات وجلوس فرد واحد فقط فى كل دكة، مع قياس درجات الحرارة قبل دخول الكنائس، والمغادرة فور انتهاء القداس الإلهى.
وأضافت أن حجز حضور القداسات بالكنائس خلال فترة الصوم يكون من خلال تقديم طلبات وملء استمارات ورقية مخصصة لهذا الغرض، لأفراد الشعب المقيمين بنطاق المنطقة التى تخضع للسلطة الدينية لكل كنيسة، منعًا للتزاحم والتجمعات.
وقال مصدر كنسى إن غالبية أديرة الرهبان والراهبات تغلق أبوابها خلال فترة «صوم القيامة» كما جرت العادة، لكن عددًا منها سيفتح أبوابه للزيارات لمدة ثلاثة أيام فقط، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية، ومنع دخول الحالات التى تعانى من ارتفاع ملحوظ بدرجات الحرارة.

الكاثوليك والروم الأرثوذكس يبدأون 15 مارس



قال الأنبا باخوم، المتحدث الإعلامى للكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر النائب البطريركى لشئون البطريركية، إن الكنيسة الكاثوليكية تبدأ الصوم الكبير فى ١٥ مارس الحالى وحتى ٢ مايو المقبل، وهو التوقيت نفسه الذى حدده راعى كنيسة الروم الأرثوذكس.
وعن طقوس صوم عيد القيامة، قال الأب دمسكينوس، راعى دير مار جرجس الحميراء بسوريا للروم الأرثوذكس: «تتميز الكنيسة فى فترة الصوم بطقوس دينية مختلفة عن باقى أيام العام، مثل الصوم الانقطاعى اليومى».
وأضاف، لـ«الدستور»: «يصوم المسيحيون الروم الأرثوذكس يوميًا (انقطاعى) حتى منتصف كل يوم، وينقطعون عن الطعام والشراب، مع التركيز على الجانب الروحى من خلال طقوس صلوات القداسات يوميًا».
وواصل: «تبدأ صلوات أيام الصوم الكبير بصلاة الحر، وهى الصلاة الصباحية يوميًا، ثم صلوات الغروب التى تبدأ ظهر كل يوم، كما نركز يوميًا على صلوات النوم الكبرى بهذا الصوم، عدا يوم الجمعة الذى تخصص فيه الصلوات للسيدة العذراء مريم».


راعى كنيسة عذراء السجود: عمليات حسابية وراء اختلافات بداية الصوم


فسَّر الأب جورج جميل، راعى كنيسة عذراء السجود، اختلاف الكنائس فى توقيتات بداية الصوم الكبير والاحتفال بعيد القيامة المجيد باختلاف العمليات الحسابية بين الكنائس.
وقال إنه حتى مجمع نيقية سنة ٣٢٥ كان مسيحيو العالم يحتفلون بعيد الميلاد المجيد يوم ٢٩ كيهك حسب التقويم القبطى أو المصرى القديم، الموافق ٢٥ ديسمبر حسب التقويم الرومانى أو الميلادى أو ما يعرف باليوليانى الغربى.
وأضاف: «ظل العالم الغربى يعتمد التقويم اليوليانى المتوافق تمامًا حينذاك مع التقويم المصرى حتى جاء البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما سنة ١٥٨٢، فلاحظ أن الاعتدال الربيعى بعد أن كان يقع فى ٢٥ برمهات الموافق ٢١ مارس فى أيام مجمع نيقية سنة ٣٢٥م، أصبح يحدث فى يوم ١١ مارس فى سنة ١٥٨٢م».
وواصل: «كان هذا نتيجة خطأ فى حساب طول السنة، إذ كانت السنة فى التقويم اليوليانى تُحسب على أنها ٣٦٥ يومًا و٦ ساعات، لكنها فى الحقيقة حسب الحسابات الفلكية التى أجراها الفلكيان ليليوس وكلفيوس، حينذاك، ٣٦٥ يومًا و٥ ساعات و٤٨ دقيقة و٤٦ ثانية، أى أقل من طول السنة اليوليانية بفارق ١١ دقيقة و١٤ ثانية، وتراكم هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام ٣٢٥م حتى عام ١٥٨٢ تسبب فى وجود عشرة أيام تراكمية على التاريخ، أى تجمع هذا الفرق مكونًا يومًا واحدًا كل ١٢٨ سنة».
وتابع: «أمر البابا غريغوريوس بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادى (اليوليانى) حتى يعود ٢٥ ديسمبر لموقعه كما كان منذ مجمع نيقية، وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغورى، فنام الناس يوم الخميس ٥ أكتوبر ١٥٨٢ وأصبحوا يوم الجمعة ١٥ أكتوبر فى جميع أنحاء إيطاليا».
وقال: «تقرر عدم احتساب السنوات القرنية، أى التى تحتوى على الصفرين، كسنوات كبيسة طالما لم تقبل القسمة على ٤٠٠ من دون باقى، وعلى ذلك كانت سنة ١٦٠٠، و٢٠٠٠ كبيستين فى كلا التقويمين اليوليانى والغريغورى، أما السنوات ١٧٠٠- ١٨٠٠-١٩٠٠ فكانت كبيسة فى التقويم اليوليانى فقط (والقبطى أيضًا)، وكانت بسيطة فى التقويم الغريغورى».
وأضاف: «معنى ذلك أن يكون الفرق بين التقويم اليوليانى والتقويم الغريغورى ثلاثة أيام كل ٤٠٠ سنة، يتم استقطاعها من التقويم الغريغورى لضمان رجوع الاعتدال الربيعى وكذلك الأعياد الكبرى الثابتة إلى ما كانت عليه أيام مجمع نيقية».
واستكمل: «وضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (٢٥ ديسمبر) فى موقعه الفلكى، وذلك بحذف ثلاثة أيام كل ٤٠٠ سنة، وهو ما عُرف فيما بعد بالتقويم الغريغورى الذى عمل به الغرب إلى يومنا هذا، وفى تلك السنة أصبح ٢٩ كيهك (عيد الميلاد المجيد) يوافق ٧ يناير (بدلًا من ٢٥ ديسمبر)، لأن هذا الفرق قد أصبح ١٣ يومًا».
وتابع: «بخلاف ما سبق يعتبر الاحتفال بانتهاء الصوم موحدًا فى الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، أو بفارق أسبوع أو أكثر، وذلك يرجع للاعتدال الربيعى واكتمال البدر».
وأوضح: «يكون العيد موحدًا عندما يكتمل البدر للمرة الأولى بعد الاعتدال الربيعى، ويكون اليهود أنهوا أسبوع عيدهم قبل الأحد الأوّل الذى يأتى بعد اكتمال البدر، لذلك يأتى العيد موحدًا».
وقال: «يحدث فرق الأسبوع فى الاحتفال بالعيد، لأن البدر يكون اكتمل فى السماء للمرة الأولى بعد ٢١ مارس، لكن بما أن الأحد هو من ضمن أسبوع فصح اليهود، فلذلك تؤجل الكنيسة الأرثوذكسية العيد أسبوعًا كاملًا لكى ينتهى الفصح اليهودى، وبالتالى يحدث فارق الأسبوع».
واستطرد: «يحدث فارق العيد بـ٥ أسابيع عندما يتم الاعتدال الربيعى، ويصبح القمر بدرًا فيحتفل الكاثوليك بالفصح فى الأحد الأول بعد ذلك، بينما يكون أسبوع عيد اليهود لم يبدأ بعد، فتنتظر الكنيسة الأرثوذكسية ليعود القمر ويصبح بدرًا مرة ثانية، وبالتالى يكون قد مرّ عيد اليهود، فتحتفل بعيد الفصح حينها».
أما عن طريقة الصوم فى الكنائس، فقال: «فى الطقس القبطى فإن الصوم أربعون يومًا يضاف لها أسبوع الآلام، وفى الكنيسة الأرثوذكسية القبطية يضاف أسبوع آخر له عدة تسميات فى الطقس اللاتينى، تبدأ بأربعاء الرماد على الجباة، والصوم يومى الأربعاء والجمعة، إلى جانب ذلك هناك ليتورجيات كدرب الصليب، وهى رتبة طقسية تقام فى الصوم وأسبوع الآلام تُقرأ فيها نصوص صلب المسيح الأربعة عشر، وهناك ممارسات شبيهة فى الكنائس الأخرى».
الإمساك عن تناول الطعام يبدأ من منتصف الليل


يعد الصوم الكبير صومًا من الدرجة الأولى، يمتنع فيه المسيحى عن تناول المنتجات الحيوانية والأسماك والألبان ويكتفى بالأكلات النباتية.
ويبدأ الصوم من الساعة ١٢ منتصف الليل وحتى غروب شمس اليوم التالى، وتقام الطقوس والصلوات داخل الكنائس فى الأسبوع الأول يوميًا، وبدءًا من الأسبوع الثانى تقيم الكنائس قداسين يوميًا.


رسائل


القمص مينا الأورشليمى: نغسل أيدينا من كل ذنب وشر
أحبائى المباركون، كل عام وأنتم بخير وصحة وعافية، ربنا يبعد عنكم الوباء.
فى بداية الصوم الكبير، لا بد لنا أن نتأمل فى هذه الأيام ما يدور حولنا من أخبار مؤلمة، تلف بنا من بلد إلى بلد، وقد فقد العالم مليونين ونصف المليون من البشر بسبب فيروس كورونا، وقد تعلمنا أشياء جديدة من تباعد اجتماعى وعدم السلام على بعضنا وعدم الاقتراب من بعضنا.
ولعل الله يرسل لنا رسالة فى هذه الأيام، ولا بد لنا أن نتقبل هذه الرسالة ونصوم صومًا حقيقيًا بالتوبة والصدقة والاعتراف وترك الطرق المعوجة، ونغسل أيدينا من كل ذنب وإثم وشر وخطية، نرجع إليه كما فعل أهل نينوى، ورجعوا إلى الله ورجع الله عن غضبه، ولنعلم أن هذا الشعب كان بعيدًا عنه ووثنيًا، ولكن محبة الله للكل ويريد أن نرجع إليه. وعندما نرجع إليه سيرسل لنا اللقاح ليس من الفيروسات فقط، بل ضد الخطية أيضًا ونكون محصنين ضد العالم.
أدعوكم للصوم وعمل الخير، وسينظر الله إلينا ويرضى عنا ويرفع غضبه عن العالم.

كريم كمال: نتضرع إلى الله لينقذنا من الوباء


رحلة الصوم الكبير التى تنتهى بحلول عيد القيامة المجيد، رحلة شديدة الخصوصية حيث تمتد ٥٥ يومًا، تبدأ بأسبوع الاستعداد ثم الأربعين المقدسة وختامًا بأسبوع الآلام.
والصوم الكبير من أكثر الأصوام نسكًا، حيث لا يسمح فيه بتناول الأسماك بجانب الصوم الانقطاعى، أى دون طعام، الذى يبدأ عند منتصف الليل وينتهى عند غروب شمس لبيوم التالى، وبالطبع يستثنى المرضى وكبار السن من الصوم الانقطاعى.
وفى العقيدة المسيحية، الصوم ليس صومًا عن المأكولات والمشروبات فقط، ولكن الصوم فترة روحية يتخلص فيها الإنسان من الخطايا عن طريق الصلوات المكثفة، والصوم عن الأكل هنا هدفه السمو والزهد الاختيارى، ولكن الصوم عن الطعام دون توبة حقيقية وصلوات من القلب، يفقده هدفه الأساسى، لذلك يحرص الإنسان المسيحى على اعتبار فترة الصوم فترة بداية حياة جديدة مع الله يرتفع فيها قلبه إلى السماء بالصلوات.
وعندما تصل رحلة الصوم إلى أسبوع الآلام، وهو أقدس أيام السنة، حيث يبدأ بجمعة ختام الصوم ثم أحد الزعف وإثنين البصخة وثلاثاء البصخة وأربعاء أيوب ثم خميس العهد والجمعة العظيمة، وختامًا بقداس العيد الذى نطلق عليه سبت النور لنحتفل بعيد القيامة المجيد.
وهذا الصوم المبارك يجب أن يكون فرصة لكل واحد منا للعودة إلى حضن الله من خلال التوبة الحقيقية، وهذه التوبة لن تتحقق إلّا بالصوم عن الخطايا قبل الصوم عن الطعام، ويجب أن يراجع كل واحد منا نفسه إذا كان قد ظلم أحدًا أو أخذ مالًا دون حق أو كذب أو شارك فى إدانة، أو غيرها من الخطايا التى تفسد الصوم، لأنه دون توبة حقيقية لا معنى للصوم وكذلك دون صلاة لن تتحقق التوبة، لأن الصوم والصلاة هما اللذان عمل بهما الرسول والأنبياء، وأيضًا نقول فى صلواتنا إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة، والمقصود هنا أن الشياطين تخرج وتبتعد عن الإنسان بالصوم والصلاة.
وأتمنى صومًا مباركًا ممتلئًا بالبركات على الجميع، كما أننا نتضرع خلال صيامنا هذا إلى الله أن ينقذ العالم من وباء كورونا، الذى حصد الكثير من الأرواح التى نطلب لها الرحمة والعزاء لعائلاتها، كما نتضرع إلى الله أن يحفظ مصر وطننا الغالى ورئيسنا المحبوب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأن يحفظ بلادنا وكل العالم من الوباء والفناء.





الأب فيلبس عيسى: ننال قوة ومعونة ونتطهر من الخطايا
تستعد الكنيسة لاستقبال مبهج ننتظره من عام لعام، وهو الصوم الكبير، وسط هذه الفترة الصعبة والحرجة التى أجبرت الكنائس على غلق أبوابها، مثلما تغلق السماء بعد هطول المطر.
لكن بعد هذه الغيمة السوداء، عاد النور يشرق ثانية من جديد، وأول شعاع هو الصوم المقدس، وهو الصوم الحقيقى الذى يبدد عتمة الخطيئة، ويجدد الروح المثقلة بهموم الحياة ومشاغلها اليومية. وبالصوم ننال قوة ومعونة وبركة ونمتلئ طاقات كبيرة ونعمًا كثيرة، بينما نواجه سهام إبليس الملتهبة، ونعيد بناء علاقتنا بالله والإنسان، والصوم هو مرحلة جميلة ومهمة فيها نعيش كلنا بيد واحدة، ونفس واحدة، وروح واحدة بجسد المسيح الواحد نساند وندعم ونشجع ونحتوى، وفوق كل شىء نصلى معًا للحب والخير والسلام والاستقرار للبشرية جمعاء والعالم كله.