جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

سكينة فؤاد: الإخوان حاولوا تجريف الحضارة المصرية (حوار)

سكينة فؤاد
سكينة فؤاد

أعربت الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد عن ثقتها فى أن المرحلة المقبلة ستشهد صعودًا ثقافيًا كبيرًا فى مصر، بعد ما تعرض له المثقفون من «هزة» فى أعقاب ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، مؤكدة أن تجديد الفكر المدنى ممكن عبر صناعة الوعى والنموذج ومواجهة التيارات المتطرفة.
وقالت، خلال حوارها مع «الدستور»، إن النقد البناء يعد أحد أسس بناء الدولة المدنية الحديثة، لأن الحريات المسئولة تشارك فى تصحيح المسار، مطالبة الإعلاميين بنشر الطاقة الإيجابية وتقديم النماذج المشرفة ومراجعة التناول الذى لا يليق باللحظة التاريخية التى تمر بها مصر والعالم.
وأشارت إلى أن الدولة على أعلى مستوياتها تدرك قيمة المرأة وتاريخها النضالى، وأن تمكينها من أهم أعمدة التقدم والنجاح، مطالبة بمشاركة جميع مؤسسات صناعة الوعى فى قضية الزيادة السكانية، حتى لا يتحول تناولها لمجرد حملة دعائية.

■ بداية.. شغلت منصب رئيس تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون» فى عصرها الذهبى ولك تجربة صحفية كبيرة، فما أهم الأزمات التى تواجه الصحافة الآن؟
- التقنيات الحديثة أثّرت تأثيرًا كبيرًا جدًا، والأجيال الجديدة هى ابنة هذه التقنيات، وأذكر أننى كتبت فى أحد مقالاتى أننى من الأجيال المنقرضة التى تحب الورق، فلا أحس بمذاق الكلمات إلا إذا كانت مطبوعة.
أما التقنيات الحديثة فقد عودت على السرعة، سرعة التعبير، الموجز الذى لا يتعمق، إذًا الصحافة حاليًا تواجه متغيرات التقنيات الحديثة، ما يتطلب منها الأخذ بعناصر المنافسة، وأهمها أن تقدم للقارئ ما يبحث عنه، وأن تواصل العلاقة مع القارئ فى معرفة رؤاه ومقترحاته، فمن المهم جدًا أن يكون القارئ شريكًا فى تحرير الصحيفة.
■ هل لا يزال الإعلام قادرًا على أداء مهامه؟
- كان للإعلام والصحافة دور كبير جدًا فى ثورة ٣٠ يونيو، وأعتقد أن هذه الشراكة مستمرة، لكن المهم أن يدرك الجميع قيمة الرأى والرأى الآخر، فالنقد البناء أحد أسس قيام الدولة المدنية الحديثة التى ينص عليها الدستور، والحريات المسئولة تشارك فى تصحيح المسارات والتبصير بالمشكلات الحقيقية.
■ أشار الكاتب الراحل فرج فودة فى كتابه «النذير» إلى ضرورة تضامن المختلفين لعبور الدولة فتراتها الحرجة.. فهل تتفقين مع ضرورة توجه الإعلام والثقافة لخدمة التنمية فى الوقت الحالى؟
- تصلح جملة الدكتور فرج فودة شعارًا للمرحلة فى مواجهة الفكر الظلامى الذى لا علاقة له بالتنوير والحضارة المصرية الحقيقية، وكواحدة تعتز بأنها من أسرة الإعلام وتؤمن بالكفاءات الإعلامية الرائعة من مختلف الأجيال أرى أن الوعى الذاتى يتقدم كل شىء، وأتمنى، بل وأدعو أبنائى وإخوتى وأهلى فى الأسرة الإعلامية لأن تكون لهم مبادرات هادفة، وأن يضعوا أيديهم من خلال برامجهم وكتاباتهم على القضايا الحقيقية لبلدهم، وأن يستضيفوا الكفاءات الحقيقية المتخصصة، فليس كل من رفع شعار «خبير استراتيجى» يصلح.
كما أتمنى من أسرتى الإعلامية أن تراجع بعض التناول الذى لا يليق بخطورة وجدية اللحظة فى تاريخ الإنسانية وفى تاريخ بلدنا، لأننى أثق فى إمكانيات وقدرات الشخصية المصرية، فليس حقيقيًا أنها تحب الخفيف والسهل والخارج عن الحدود والقانون، وما يظهر على السطح من عكارة هو شىء أراد البعض أن يصوره كأنه من طبيعة الشخصية المصرية.
وأرجو، كذلك، أن ينشر الإعلاميون الطاقة الإيجابية، وأن يقدموا النماذج المشرفة التى تستحق، فأنا مع الإعلام الذى على أرضية وطنية النابع من الإحساس بالمسئولية وامتلاك الوعى، وهذا الإعلام هو الذى يؤثر ويغيِّر ويصنع ما تتطلع إليه الدول من متغيرات إيجابية تكمل خطط التنمية والبناء.
■ فى ظل قلة البرامج الثقافية فى القنوات.. هل يمكن القول إن الإعلام أصبح معاديًا للثقافة؟
- لا أستطيع أن أُصدر على البرامج الثقافية حكمًا دقيقًا، لأنى لا أتابعها بدقة، لكنى أدعو الجميع إلى عدم إهمال الاستماع إلى الراديو، وأحيى مذيعين ومذيعات لا يقلون قدرًا واحترامًا عند المستمع عن الأجيال الكبيرة التى كانت إذاعة القاهرة تحرص على أن تستعين بهم، وأتمنى نقل نماذج من هذه البرامج إلى التليفزيون، مثل «لغتنا الجميلة» للإعلامى الراحل فاروق شوشة، وبرنامج «عوام فى بحر الكلام» للشاعر جمال بخيت.
■ نتحدث كثيرًا عن تجديد الفكر الدينى.. لكن كيف يمكن تجديد الفكر المدنى؟
- يمكن ذلك عبر صناعة الوعى، وصناعة النموذج، ومواجهة التيارات المتطرفة وكشف ما ورائها من رغبات شيطانية لهدم الدولة وتقويض الاستقرار، مع إعطاء المثال من خلال تقديم المفكرين والمبدعين والصحفيين والكتاب الذين يمثلون الفكر السليم.
ومن ناحيتى، أستغرب الحديث عن التناقض بين العلمانية والدين، فالعلم أساس من أسس الدين، والتفكير قاعدة من قواعده، وأنا كمؤمنة مسلمة أرى أن دراستى للتاريخ هى التى ربت بداخلى احترام الكلمة والحريات ورفض أى قيود تضيع الهوية الدينية ظلمًا وعدوانًا.
وأنا عاشقة لتاريخ مصر، وأتمنى تدريسه جيدًا فى المدارس، ليتعرف أولادنا على عظمة بلادهم، ويؤلمنى الآن أن أستمع لبعض أبناء الأجيال الجديدة الذين يعتقدون أن مستقبلهم سوف يتحقق فى الخارج وعبر التعليم الأجنبى.
وكل هذه قضايا يجب أن نصححها، كما أن تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى علماء قادرين على التبسيط دون إخلال، وقادرين على تعليم الأجيال الجديدة ما فى الدين من تنوير وحضارة وثقافة وحريات.
■ هل التطرف الثقافى ابن البيئة المصرية وضغوطها أم ظاهرة إنسانية عامة؟
- التطرف جاء من ثقافات واردة علينا، ومفاهيم خاطئة، وقد تربينا وورثنا التسامح ممن سبقونا، ولم أكن أعرف عن شخص ما هو دينه، بل كل ما أعرفه أنه مصرى مثلى، ونحن- المسلمين- لن نكون مسلمين حقيقيين دون إيمان بالرسالات الأخرى، لذا يجب احترام الاختيار أيًا كان، لأن من يحاسب هو الخالق عز وجل، وهو الأرحم بنا منا، وعلينا أن نفتح قلوب وعقول أجيالنا الجديدة على الحريات والمحبة.
■ فى رأيك.. هل أسهم المثقف المصرى بسلبية مشاركته الاجتماعية والسياسية فى تهميش دوره فى المجتمع؟
- لا أعتقد ذلك، فالمثقف المصرى محترم وفعال، لكن الظروف التى مر بها أعاقته، ولا يجب أن ننسى ما مررنا به من زلزال ثورتين عظميين، وما مررنا به من ظروف اختطاف الجماعة الإرهابية للثورة، وصعود تيارات تتكئ للأسف على الدين الحنيف، وتحاول تجريف الحضارة المصرية وتعادى دور المرأة.
كنا نواجه مهددات للهوية المصرية الحضارية والثقافية والدينية، فى محاولة لهدم فكرة الاعتدال والوسطية، وأن يتعرض المثقفون إلى هزة وتأثيرات سلبية، فهذا أمر طبيعى، وإن كنت أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد صعودًا ثقافيًا كبيرًا، لأنى أجد فى الأجيال الجديدة علامات مبشرة جدًا.
■ هل يفضَّل أن يكون وزير الثقافة مثقفًا كبيرًا أم إداريًا؟
- على وزير الثقافة أن يكون مثقفًا وإداريًا وفنانًا، جامعًا لكل هذه الصفات ومحبًا للمبدعين ويحترم المثقفين، وراغبًا فى تعظيم قوة مصر الناعمة، ودارسًا لهذه القوة وأبعادها ومكوناتها، وعليه أن يستعين بأكبر الخبرات الثقافية كى تعينه على إنجاح مهمته. ووزيرة الثقافة فنانة، وأثمن جهودها خاصة فى محاولة استخدام التقنيات الحديثة واستثمارها فى نشر الفنون المختلفة والاحتفاء بالمثقفين، وهو ما أعتبره استمرارًا للرسالة التى بدأها كبير المثقفين الدكتور ثروت عكاشة فى بيوت وقصور الثقافة، التى أتمنى أن تكون ملتقى ومنتدى لشبابنا، وأن تحتضن المثقفين من الأقاليم والقرى، لأن الثقافة لا تقتصر على العاصمة والمدن الكبرى.
■ لو طُلب منك وضع خارطة طريق واستراتيجية للنهوض بالثقافة فى مصر.. فما أبعادها؟
- أن نجعل رغيف الثقافة لا يقل أهمية عن رغيف العيش، من خلال كل ما تسترد به مصر مكانتها وريادتها، ومن خلال قوتها الناعمة، وقصور الثقافة، والمثقفين والمبدعين، والحريات المسئولة، والتعليم، والخطاب الدينى الذى يكون مثالًا للتنوير واحترام العقل، والحوار مع الشباب، فيجب أن نستمع للأجيال الجديدة ونعرف كيف تفكر وما الذى يقلقها، لذا تسعدنى ملتقيات الشباب، لأنى أريد مزيدًا من الاستماع إلى الشباب على مختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.
■ لكِ تجربة نيابية سابقة.. فما الذى يمكن للبرلمان الحالى أن يقدمه للإسهام فى النهوض بالثقافة؟
- التصدى للقضايا الحقيقية ووضع تشريعات جادة وحازمة لمواجهة الفساد، وحماية حرية الفكر والتنوير، وتأكيد ما جاء فى الدستور من مقومات بناء دولة مدنية حديثة، والالتزام بالنقد البناء الموضوعى، الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم، وإغلاق المنافذ التى يتسلل منها المفسدون والمتاجرون بشباب المستقبل.
وأتمنى من البرلمان وضع مزيد من التشريعات تتناول القضايا الحياتية المهمة مثل تنظيم الأسرة، وربطه بالوعى والحوافز، وكذلك مواجهة بطالة الشباب والعمالة المؤقتة، وسن قوانين لمواجهة قضية زيادة عدد المدمنين وهى واحدة من أخطر القضايا المؤلمة، ومزيد من القوانين التى تمكن وترفع وعى المرأة، وتقضى على ما تبقى من أمية بين نسائنا ورجالنا، فلا يليق بأول دولة علمت الدنيا أن تكون بها هذه النسب من الأمية، ولا يجب أن ننسى أن «إخناتون» كان أول من طالب بمحو الأمية.
■ تهتم عناوين كتبك مثل «امرأة يونيو» و«بنات زينب» بالمرأة.. فهل ترين أن النساء يشاركن بالصورة اللائقة فى الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية فى مصر حاليًا؟
- دون شك وضع المرأة فى تطور، فهناك إصلاحات كثيرة تمت على أرض الواقع، والدولة على أعلى مستوياتها تدرك قيمة المرأة وتاريخها النضالى وحسها الوطنى، وتدرك أنها كانت من أعمدة كل ما مر بالبلاد من ثورات وحركات تحررية، حتى قبل أن تتعلم، فقد كانت المرأة، التى ليس لديها إلا الفطرة، لا تقل عن النساء اللاتى بدأن وتطورن وصعدن فى مدارك العلم.
وقد كنت مستشارة الرئيس السابق عدلى منصور لقضايا المرأة، وشرفت أنى كنت من اللاتى طالبن بزيادة أعداد النساء فى البرلمان والمحليات، وأتمنى أن أكون قد أسهمت فى الوصول لهذا العدد غير المسبوق من النائبات والوزيرات حاليًا.
وكنت فى كل كتاباتى، وفى كل ما اقتربت منه من مواقع صناعة القرار، أعتبر أن تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا من أهم أعمدة النجاح والتقدم لمصر، وما زلت أتمنى وأرجو أن يتحقق هذا.
■ إلى أى مدى تخدم مشروعات الدولة للقضاء على العشوائيات وتطوير الريف المصرى قضايا المرأة؟
- تطوير الريف والقضاء على العشوائيات هى مشروعات لا بد منها، فالعشوائيات كانت مخرجًا ونتيجة، وأهم أسبابها كان تراجع مستويات المعيشة فى الريف والهجرة إلى المدن والحياة على هوامشها، حتى وصلنا إلى ما يزيد على ١٠٠ منطقة عشوائية فى القاهرة وحدها.
وسبق لى أن كتبت عن عزبة الهجانة باعتبارها نموذجًا لرد الاعتبار والمقومات الإنسانية، فالقضاء على العشوائيات ليس منحة ولا منة، لكنه واجب وفريضة.
ومشروعات إحياء القرى والقضاء على العشوائيات يجب أن ترتبط بها مشروعات للتثقيف وصناعة الوعى والتمكين الاقتصادى والشراكة مع المجتمعات المحلية، وأتمنى أن يكون أبناء وبنات الريف شركاء فى عمليات الإحياء والتطوير، ليزداد إحساسهم بالمسئولية والمشاركة فى صناعة النجاح الذى يتم الآن بعد سنوات طويلة من الظلم وافتقاد العدالة والتركيز على مناطق الضوء.
وأتمنى أن يصل التنوير إلى كل بقعة من أرض مصر، فى مقدمتها مراكز الحضارة القديمة فى الصعيد والنوبة وسيناء، ليشعر المواطن بأنه شريك فيما يتم من نجاحات، كما أتمنى أن تسهم مشروعات تطوير الريف والاهتمام بسيناء فى تحرير النساء من الأمية وتحرير الرجال من المعتقدات التى لا علاقة لها بالدين.
■كتبتِ سابقًا عن الزيادة السكانية.. فإلى أى مدى تؤثر هذه الأزمة على برامج التنمية فى مصر؟
- السكان قوة بشرية بشرط أن نحسن إعدادها واستثمارها وتزويدها بما يساعدها على أن تكون منتجة، وأن نتيح لها الفرص تعليميًا وثقافيًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى فرص عمل حتى لا تزداد البطالة، وحتى لا تتحول الطاقة البشرية إلى غثاء كالسيل، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ونحن لا يجب أن ننسى أن أوضاع المياه تغيرت، وأن المياه ما زالت كما كانت عندما كنا نصف هذا العدد من السكان، كما لا يجب أن تنسى أننا نسكن مساحة لا تتجاوز نسبة ٨٪ أو ٩٪ من مساحة أرضنا، دون إغفال ما تم تجريفه من أراضٍ زراعية والبناء فوقها.
وسبق أن قال الدكتور فاروق الباز، بعد دراسة تمت بالأقمار الصناعية، إنه لو ظلت معدلات البناء فوق الأراضى الزراعية بنفس المعدلات التى كانت تسير بها، فإننا فى عام ٢٠٥٠ لن نجد شبرًا واحدًا صالحًا للزراعة فى الوادى القديم.
لذا علينا ألا نجعل قضية الزيادة السكانية حملة دعائية، وإنما قضية يشارك فيها المواطن وجميع مؤسسات صناعة الوعى.