جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الباحثة التونسية ألفة يوسف: الإسلام السياسى تيار إقصائى يستند إلى أيديولوجيا فاشية ويعتمد كل الوسائل للوصول للحُكم

الباحثة التونسية
الباحثة التونسية ألفة يوسف

من أسئلة تؤرق الذات وتدفعها للبحث عن مسارات يُقتفى عبرها ما يطمئن القلب والعقل معًا، انطلقت الباحثة التونسية ألفة يوسف فى مشوارها البحثى. فرغم العمل الأكاديمى المُنضبط والمُستند إلى منهجيات دقيقة، لم تنفصل «يوسف» عن مقاربة ومساءلة مناطق مُحيِّرة فى الدين الإسلامى ومُلغّمة بأطر أضفيت عليها قداسة تاريخية.
من هذا المُنطلق، تشكّل مشروع الكاتبة التونسية عبر عدد من المؤلفات من أبرزها: «الإخبار عن المرأة فى القرآن والسُنّة» ١٩٩٧، «تعدد المعنى فى القرآن» ٢٠٠٣، «حيرة مسلمة» ٢٠٠٨، «وليس الذكر كالأنثى» ٢٠١٤، و«وجه الله.. ثلاثة سُبل إلى الحق» ٢٠١٩.
قاربت «يوسف» مسائل عدة فى الدين الإسلامى عبر أدوات منهجية متعددة تستند إلى التحليل اللغوى، والتاريخى، وكذلك التحليل النفسى لتصل إلى المُنطلق الصوفى فى مقاربة النص الدينى والذى أضفى على قراءاتها بُعدًا روحانيًا يقترب من جوهر الدين ومقاصده ورسالته.
فى خضم تلك الرحلة البحثيّة كان كتاب «حيرة مسلمة» هو الأكثر إثارة للجدل والأكثر جرأة فى مقاربة قضايا حساسة فى التناول الفقهى، على رأسها قضية زواج المتعة وكذلك المثلية الجنسيّة، استنادًا إلى قناعة أوردتها الباحثة فى كتابها بضرورة «أن نرمى حجرًا فكريًا فيما ركد واستقر من قراءات بشرية غدت بفعل الزمان مُسلّمات مُقدسة لا تقبل النقاش ولا تستدعى التحقيق».. «الدستور» حاورت ألفة يوسف حول بعض ما أثارته من أفكار فى مؤلفاتها البارزة.
■ يحضر التصوف الإسلامى فى خطابك بشكل جلى لا سيّما فى كتابى «وجه الله: ثلاثة سبل إلى الحق»، و«شوق.. قراءة فى أركان الإسلام».. ما الأهمية التى تُشكِّلها الصوفيّة فى رؤيتك الدينية؟
- السؤال مهم جدًا لأن الكثير من الباحثين يتعاملون مع مسألة التصوف من الخارج، أى بموضوعية تقتضى دراسة التصوف كأى ظاهرة أو قضية اجتماعية أخرى، فى حين أن التصوف هو أساس التجربة الحياتية. الحقيقة أننى لم أبدأ متصوفة، لكنى انتهيت إلى هذا السبيل؛ فقد مررت بتجارب متعددة وكان التصوف آخرها وأعمقها وأكثرها تأثيرًا فى النفس والعلاقة مع الله. والتصوف خلافًا لما يُشاع عنه لا ينفى العبادات، على العكس من ذلك يلتزم المتصوف بالعبادات وبنهج وسلوكيات معينة.
وجدت التصوف سبيلًا من سُبل لقاء الله، ولا يعنى هذا أن سائر السُبُل الأخرى خاطئة؛ فلكل طريقه وأحترم جميع السبل، لكننى وجدت فى التصوف ما تسعى إليه الأديان جميعًا؛ فثمة أشياء أخرى لدى المتصوف ربما لا نجدها لدى الفقيه أو الذى يدخل إلى الدين من جانب التاريخ أو التحليل النفسى أو غير ذلك؛ فهو الطريق الوحيد الذى لا ينفى الآخر، ويقبل الاختلافات فى الكون بما هى من الإرادة الإلهية فعندما يقول ابن عربى «أدين بدين الحب»، فالحب هنا بالمعنى الكونى الذى يدرك أن كل شىء فى الكون هو بإرادة الله، أى أنه يقبل جميع السُبُل والرؤى، وهذا هو الفارق بين التصوف وسائر المناهج.
من جهة أخرى، التصوف لا يُقدِّم نفسه حلًا، هو ليس أيديولوجيًا وإنما حل للفرد الذى يبحث عن الاستقرار والأمان. مع ذلك ليس الأمر اختياريًا؛ فالمرء لا يُقرر أن يكون متصوفًا فجأة، وإنما عادة عندما نقرأ تاريخ المتصوفة الكبار نجدهم قد مرّوا بتجارب خاصة تقودهم تدريجيًا نحو التصوف من خلال تساؤلاتهم الوجودية أو تجاربهم الشخصية، من هنا يجد البعض هذا الطريق الذى لا أعتبره مُعاديًا للطرق الأخرى.
■ هل تعتقدين بأن الصوفيّة هى البديل الأنسب والأفضل لتيار الأصولية الدينية فى الوقت الحالى؟
- أكيد، لكن أقول خطابًا صوفيًا بالمعنى الروحى للكلمة وليس بالمعنى المُعقّد كما نجده فى «الفتوحات المكية» عند ابن عربى، أو بعض أطروحات الحلاج، على سبيل المثال. فالخطاب الروحانى الصوفى لا أقول بديلًا، وإنما يمكن أن يُخرِج بعض الشباب من هذا التصور العنيف والإقصائى فى بعض الأحيان للدين، ويمكن أن يقضى على التكفير، لأن الفكر الصوفى بانفتاحه يُعلِّم المرء أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى»، وأن كل شخص مسئول أمام الله وحده، والطرق إلى الله تتعدد بتعدد البشر وما إلى ذلك. فالإسلام الأصولى يُركِّز على عداء الآخر وقتاله بدلًا من مساعدة الفرد فى إصلاح ذاته والعثور على سلامها العميق.
■ قدمتِ قراءات فى النص الدينى من منظورات مختلفة منذ رسالتك للدكتوراه عن تعدد المعنى فى القرآن، والتى استندتِ فيها إلى المقاربة اللسانية، وفيما بعد كانت المقاربات السياقية والقراءات الدينية من منظور التحليل النفسى.. لِم جاءت هذه النقلات فى قراءاتك الدينية؟ وما أوجه التكامل الذى حققه ذلك التنوع فى منطلقاتك المنهجية لرؤيتك الفكريّة؟
- جاء وصولى إلى التصوف فى آخر المطاف نتاجًا لمرورى بجميع هذه المراحل، فهناك المنظور المعرفى العلمى، وهناك المنظور النفسى الفردى، وهما يسيران معًا. أرفض تمامًا القراءة التى تدعى أنها موضوعية فى المسائل الدينية، وأعتقد أن الجانب الذاتى له دور كبير فى هذا الموضوع.
بدأت بالبحث اللسانى عبر دراستى لتعدد المعنى فى القرآن؛ كيف يمكن أن يكون لآية واحدة أكثر من معنى، بل إنه لا توجد آية واحدة فى القرآن اتفق المفسرون على معنى واحد لها، ثم استأنست بقراءة تحليلية نفسية، وكان هذا فى كتابات كثيرة أشهرها «ناقصات عقل ودين»، وحاولت أن أُبيّن كيف أن هناك قراءات للقرآن ذات بُعد رمزى لها علاقة بمنزلة الإنسان فى الكون وعلاقة الإنسان بنفسه وبالآخرين، لكن مُشكلة القراءة اللسانية والنفسية أنهما محدودتان.
اعتمدت أيضًا القراءة التاريخية، خاصة فى كتاب «الإخبار عن المرأة فى القرآن والسنة»، وهذا أيضًا قراءة محدودة، وهذا لا يعنى أن البُعد الصوفى الذى يبلغه الباحث ينفى القراءة اللسانية أو التاريخية أو غير ذلك، لكنه يجعل هذه القراءات مجرد إمكانات يضعها فى حدودها. فى كتابى «والله أعلم» ثمة حوار بين شخصين؛ شخص له قراءة دينية تقليدية حرفية تكاد تكون أصولية، وآخر له قراءة تنويرية للنص الدينى، كل واحد يمكن أن يأتى بحُجج، ولكن فى نهاية الأمر كل ذلك إمكانات واحتمالات فى القراءة، وهذا من مصادر إعجاز هذا النص الدينى.
■ تتطرقين فى كتاباتك إلى هيمنة سلطة الفقهاء على العقول بشكل يفوق سلطة النص الدينى ذاته.. كيف ترسّخت تلك السلطة بحيث بات المخيال الجمعى خاضعًا لكل تأويلات المفسرين ولا يقبل أى خروج عليها؟
- الأمر تشكّل بالتراكُم عبر التاريخ. فى بداية الوحى لم يكن للفقهاء هذا التأثير، فقد كان الرسول يجيب عن التساؤلات ويحل الخلافات فى حياته، ولكن بعد رحيله بدأت الخلافات السياسية، ونشب الصراع حول من يمتلك المعنى النهائى للنص الدينى ليفرضه ويحكم باسمه. ومن ثم، فرض الفقهاء مواقفهم بإشاعة الخوف ببعديه الاجتماعى والنفسى؛ فالبعد الاجتماعى للخوف هو أن يكون الفقيه والسلطان فى علاقة وثيقة ويحكمان على كل من يخرج على ذلك السلطان بالكفر، ويصل الأمر إلى حدود القتل كما حدث مع الحلاج وابن حنبل وغير ذلك من الأسماء التى يذكرها لنا التاريخ.
هناك أيضًا الخوف الفردى، فقد زرع الفقهاء عبر التاريخ فى نفس الفرد المسلم أن كل محاولة للخروج على القراءة التقليدية والشائعة للفقهاء كفرٌ سيعاقَب عليه عقابًا شديدًا، وأغلقوا كل باب للاجتهاد، فى حين أنه فى آخر الأمر القرآن يخاطب كل مسلم بمفرده، فالمسلم الذى لا يتدبر القرآن يُخل بأمر من أوامر الله، فقد علموهم أنه بدلًا من تدبر القرآن يستجيبون لأفكار الفقهاء المُعلّبة ويُطبقونها. فمع الأسف، لم نتقدم إلا قليلًا فى تفكيك ما فى تراثنا الدينى من إمكانات واحتمالات شتى.
■ لِم تكتسب تلك الأحكام الفقهية رسوخًا أكبر حينما يتعلق الأمر بقضايا المرأة كالزواج والمواريث وغيرهما؟
- هذا حقيقى فعلًا، وهو ما أشار إليه المُفكر السودانى محمود محمد طه حينما قال إن المسلمين لم يجدوا مشكلة مثلًا فى إلغاء الرق، رغم أن هناك نصًا دينيًا يُحدد كيفية التعامل مع ملك اليمين، كما أن كثيرًا من البلدان لم يعد يطبِّق قطع اليدين كحد للسرقة، ويستعيض عن ذلك بقوانينه، لكن الحرج الأكبر يكون فى مسائل المرأة أو ما يُسمى المسألة الجندرية.
بالنسبة إلى المخيال الإسلامى الجمعى، قضية المرأة هى آخر حصن يتمترسون وراءه قبل أن تتلاشى سلطتهم الفقهية، فكل ما يتعلق بالمرأة هو بالنسبة إليهم مقدس، لأنه يمس سلطتهم الذكورية، لذا فى كثير من كتاباتى حاولت أن أُميّز بين القراءة الفقهية التى يعرفها المسلمون والقراءة الصوفية التى أسميها قراءة نسوية، فطريقة التناول الفقهية قائمة على نظام المجتمع الأبوى البطريركى الذى يجعل المرأة فى مرتبة ثانية، ومع تطور المجتمعات وظهور مفهوم الحداثة والسعى لجعل المرأة مُساوية للرجل، شعر الفقهاء بارتجاج هذه السيطرة والسلطة، فكان لا بد أن يتمترسوا وراء ما يرونه حقائق قاطعة. ومن ثم، فقضية المرأة هى السور الأخير الذى سيتحطم لنذهب إلى القراءة المفاهيمية المقاصدية، ونفهم أن اعتبار المرأة فى مرتبة أدنى مرحلة فى التاريخ سنتجاوزها.
■ لم يعان معظم القراءات الفقهية المعاصرة من ازدواجية بإعلانهم عن رفض التطرف والإرهاب القائم على قراءات حرفية للنص الدينى ورفض فى الآن ذاته قراءات تسبر أغوار النص وتقتفى مقاصده؟
- هذا هو المُشكل، إذا فتحت باب الاجتهاد لا يُمكن أن تفتحه فى مرحلة أو جزء من النص وتُغلقه فى مرحلة أو جزء آخر من النص، وإلا تصبح مثل هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، مع فارق بسيط أنك تؤمن ببعض الاجتهاد وترفض اجتهادًا آخر.
المُشكلة هى مشكلة حُكم باسم الدين، إذا أردت أن يكون الإسلام حرفيًا فهو الإسلام الذى تُطبّقه داعش بما فى ذلك السبى، فهو مسموح به فى القرآن، ولكن عندما نقرأ قراءة مقاصدية نفهم أن السبى كان مسموحًا به فى هذه المرحلة، لأنه كان شائعًا لدى كل الشعوب العربية والمسلمة، فكيف تقول لا للرق والسبى، وتقول نعم لتعدد الزوجات أو للذكر ضعف الأنثى، هذه قراءة المنافقين التى توافق فيها ما تعتبره صالحًا لك وتنفى ما هو صالح للآخرين، فى حين أن التعامل مع القرآن يجب أن يكون دائمًا منفتحًا قائمًا على تعدد الآراء والعودة إلى المقاصد الجوهرية والقيم الأساسية.
■ هل يمكن إذن توقع أدوار فاعلة للمؤسسات الدينية فى مراجعة التراث الفقهى وتفكيكه؟
- الإسلام قائم على غياب الوساطة بين العبد وربه، هذا هو الفارق بين الإسلام والمسيحية، إذ نجد الكنيسة وسيطًا فعليًا بين المسيحى والله، بينما من المفترض ألا يوجد هذا فى الإسلام. هذه المؤسسات الدينية فى رأيى يعثر لما هو موجود فيها أن تكون الباعث لقراءات تنويرية حداثية أو قراءات منفتحة، فالقدامى كانوا أكثر انفتاحًا منا، التفاسير القديمة فيها أخذ ورد، لكن المُشكل دائمًا يأتى مع السلطة السياسية التى تقرر حرق كتاب أو نفى شخص فكّر بطريقة مختلفة، أرجو أن تخرج تلك المؤسسات من منظورها الكنسى.
■ ثمة اتجاه فى الفكر العربى ارتأى ضرورة القطيعة مع التراث بكل إشكالياته كخطوة أولى للخروج من الظلام الفكرى السائد عربيًا.. كيف تنظرين إلى ذلك الطرح وإمكانات تحققه فى المجتمعات العربية؟
- المشكلة فى هذا الطرح أنه طوباوى لا يمكن تحقيقه، فالتراث نحمله فى ذواتنا وليس مستقلًا عنا. لا يُمكن أن ننفى التراث، وهذا ما لم نقم به، ولكن علينا أن نفكك تراثنا وأن نضعه فى سياق تاريخى ونرفع عنه القداسة، فالقرآن مُقدّس لمن يؤمن به ولكن كلام الصحابة ليس مُقدسًا، فى كلامهم خير كثير ونقاط كثيرة يمكن الحديث فيها.
المطلوب ليس نفى التراث أو إلغاءه فهذا مستحيل. الضرورى هو تفكيكه، وهذا ما قام به الغربيون مع تراثنا. عشرات، بل مئات الكتب كُتبت بالفرنسية والإنجليزية فى قراءة التراث الدينى العربى، أين نحن من هذا، فباستثناء تجربة عابد الجابرى لم نجد هذا. من المفروض أن تقوم بهذا الدور المؤسسات الدينية أو الفكرية أو الجامعية، لأن ما يجرى اليوم هو فعلًا ما تقولينه، جل الشباب أصبح يفر اليوم من المسألة الدينية، يخرج تمامًا عن الملة، لأن الدين الذى نقدمه له هو دين عنف وتكفير وعُسر وإلغاء للآخر وشعور بالذنب، فالشاب نتيجة لذلك إما أن يصبح تكفيريًا أو يخرج عن المسألة الدينية، وهذا هو الخطر. يجب أن نعيد قراءة التراث ونواصل تقديم مداخل أخرى ممكنة للإسلام والنص الدينى.
■ تطرقتِ فى كتُبك إلى أكثر من مسألة حساسة وشائكة منها قضية زواج المتعة فقلتِ فى كتابك «حيرة مسلمة»: «زواج المتعة لم يُحرِّمه القرآن بل حرّمه عمر بن الخطاب، ذلك أن زواج المتعة يُمكِّن المرأة من بعض حرية اختيار ومن انفصال سريع لا تسمح به المنظومة الفقهية».. إن كان الإقرار بذلك قد يقود إلى تخفيف حدة الكبت الجنسى فإنه على الجانب الآخر قد يُسهم فى تقويض بُنيان الأُسر بدرجة ما.. كيف تنظرين إلى المسألة؟
- يجب أن نُفرِّق بين الإقرار بحقيقة فكرية واختيار نمط اجتماعى مُعين. فكريًا لا يُمكن أن ننفى أن زواج المُتعة لم يُحرّم، وهذا يقوله الفقهاء أنفسهم، نأتى إلى واقع مجتمعاتنا، زواج المتعة ليس أصلًا عندما تحدثت عنه لم أدع له، ولكنى قلت إنه لم يُحرّم، والناس يفعلون ما يشاءون فى نهاية الأمر فى إطار قوانين مجتمعاتهم.
زواج المتعة ليس الأصل، بالتأكيد لن يقضى الإنسان حياته وهو يتزوج ويُطلِّق، كما أن الزواج فى الإسلام ليس مفهومًا من أجل بناء الأسرة فقط، فالأسرة مفهوم حديث وليس موجودًا فى التاريخ الإسلامى. فى القرآن ليست هناك كلمة أسرة، لكن هناك الحديث عن الزوج والزوجة. الصحابة جلّهم تزوج وطلّق، ليس معنى هذا أن ننقل هذا النظام الاجتماعى إلى عالم اليوم، ولكن فى المقابل لا يمكن أبدًا الاعتماد على التصور الكنسى المسيحى للزواج باعتباره رباطًا لا يُمكن أن ينفك.
هناك مشكلة فعلية تُطرح على مجتمعاتنا، ولا أحد يريد أن يجد لها حلًا، وهى مشكلة الكبت الجنسى، فليس من العادى أن يتزوج الرجل والمرأة فى سن الثلاثينيات والأربعينيات، هذا ضد الطبيعة البشرية، وفى مرحلة معينة ستخف الحاجة الجنسية وهذا شىء طبيعى، لكن فى مرحلة من حياة الناس لا بد من وجود علاقات جنسية، فهل نتركها دون ضوابط؟ الأكيد أنه حان الوقت لنكف عن الكذب على أنفسنا فى قولنا إنه من الطبيعى أن يظل المرء لسن الثلاثين دون أى علاقة جنسية دون أن يؤثر ذلك فى تركيبته النفسية وتمثله للكون مطلقًا. نحن ندعى أنه لا وجود لعلاقات جنسية خارج إطار الزواج، وهذا ليس صحيحًا. هى موجودة بشكل غير مُنظّم، وقد تؤدى إلى مشاكل صحية أو تُثمِر أطفالًا خارج إطار الزواج وغير ذلك، لذلك على كل مجتمع أن يُفكِّر فى الأساليب والطرق التى بها يُسمح للشباب أن يقيموا علاقات جنسية كما أشار الشرع والقرآن. القرآن يؤكد أن العلاقة الجنسية من نعم الله على الإنسان فى إطارها المُنظّم، وتركيبة المُجتمعات يجب أن تتلاءم مع واقع البشر ومع الدوافع الجنسية التى لا يمكن أن ننكرها.
■إلى أى مدى يمكن توقع قيام التيار الإسلامى بإجراء مراجعات فعلية لأفكاره؟
- إذا استندنا إلى ما سبق من التاريخ لنقرأ منه ما سيأتى، سأقول لك إنه عسير جدًا أن يقوم هؤلاء بمراجعات لأفكارهم، لأن الأيديولوجيا التى يستندون إليها هى أيديولوجيا شمولية كليانية مثل الأيدولوجيات الفاشية، لكن فى إطار ما كنت أوضحه من عدم الرفض المبدئى للآخر، أقول ربما يأتى بعض العقلاء ويُنسِّبون الأمور فى النهاية. أن تكون لك رؤية تعتقد بأن الدين له علاقة بالسياسة هذا أمر أنت حر فيه، بل فى أغلب البلدان العربية هذا هو الواقع، لكن عندما يريد الإسلام السياسى إقصاء كل من يختلف عنهم فتلك هى المشكلة. فالإسلام السياسى غير مندرج فى إطار القراءة النسبية، بل فى إطار الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهذه مشكلتهم. إنهم فرقة إقصائية تُريد أن تستعمل كل الوسائل لتصل إلى الحكم، وعند ذلك تمنع الآخرين من التنافس على السلطة. رغم ذلك، أقول لو وُجِد حكيم يُدخِل بذرة النسبية على قراءات هؤلاء، لا نكون إذن فى إطار الإسلام السياسى، ولكن فى إطار القراءة النسبية التى تُدخِل كلمة الإمكان وتنفى الحقيقة الواحدة التى يريدون فرضها بحد السيف، وهذا هو أخطر ما فى هذه الحالة.