جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تأديب أردوغان.. ملفات مشاكل تركيا على طاولة بايدن

جريدة الدستور

لا يزال ملف حقوق الإنسان في تركيا الملف الأبرز الذي من شأنه أن يشعل فتيل التوترات بين أنقرة والولايات المتحدة الأمريكية في ظّل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لا سيما بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين تصدعات وتقلبات بسبب عدد من القضايا، لكن القضية الاستراتيجية الأكثر إلحاحًا تبقى مشكلة نظام الدفاع الروسي اس-400، والتي تقول واشنطن أنها تهدد أمن تكنولوجيا حلف شمال الأطلسي، وهو ما أدى إلي تزايد الدعوات على الجانب الأمريكي في الفترة الأخيرة مطالبا الإدارة الأمريكية الجديدة بالضغط على تركيا في هذين الملفين الرئيسيين.

- النواب الأمريكي يطالب بايدن بالضغط على تركيا في ملف حقوق الإنسان

وقع 170 عضوا بمجلس النواب الأمريكي من الحزبين، خطابا أُرسل إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يطالبون فيه إدارة الرئيس جو بايدن، بالتصدي لقضايا حقوق الإنسان، التي وصفوها بـ"المقلقة"، وهي ترسم سياستها للتعاملات مع تركيا.

وبحسب "رويترز"، جاء في الخطاب المكتوب بتاريخ 26 فبراير، ونشر الاثنين، أن تركيا العضو في حلف شمال الأطلنطي شريك مهم للولايات المتحدة الأمريكية منذ وقت طويل لكن الخطاب يقول إن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تسببت في تصدع العلاقة.

وأضاف الخطاب والذي من بين موقعيه جريج ميكس، الرئيس الديمقراطي للجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، ومايك ماكول، العضو الجمهوري البارز فيها، أنه "بشكل سليم لقيت القضايا الاستراتيجية اهتمامًا كبيرًا في علاقتنا الثنائية لكن الانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان والتراجع الديمقراطي في تركيا هما أيضًا مصدر قلق كبير".

كما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها المتكرر تجاه الحقوق والحريات، وجاء في خطاب أعضاء مجلس النواب أن أردوغان وحزبه أضعفا القضاء التركي وعينا حلفاء سياسيين في المناصب العسكرية والمخابراتية الرئيسية وسجنا معارضين سياسيين وصحفيين وأفرادا من الأقليات بغير حق.

ولفتت وكالة "رويترز" إلى أن أردوغان كان قال يوم 20 فبراير، إن المصالح المشتركة بين أنقرة وواشنطن تفوق الخلافات بينهما، وإن تركيا تريد تعاونًا أفضل مع الولايات المتحدة، لكن العلاقات تصدعت بسبب عدد من القضايا، من بينها قيام تركيا بشراء نظام دفاع صاروخي روسي،ودعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

- تدهور الملف الحقوقي في عهد أردوغان

يذكر أن أوضاع حقوق الإنسان في تركيا كانت تدهورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، في ظل سعي أردوغان على ترسيخ سياسة الترهيب لمجرد إبداء الرأي أو المشاركة في المجال العام، وجرائم التعذيب والخطف الذي يرتكبها نظامه بحق المواطنين لانتزاع الاعترافات بشكل ممنهج.

هذا فضلا عن الانتهاكات الحقوقية الصارخة داخل السجون، وحملات الاعتقال المتزايدة ضد الصحفييين والسياسيين وأصحاب الرأي بالبلاد، وسن حكومة العدالة والتنمية العديد من القوانين المقيدة للحريات بهدف ترسيخ الحكم الديكتاتوري لأردوغان.

وكان مركز "ستوكهولم للحريات" قد أعد تقريرا حديثا، الأسبوع الماضي، يكشف الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها الحكومة التركية تحت عهد أردوغان في العام الماضي، مؤكدا أن تركيا عانت من أزمة عميقة في مجال حقوق الإنسان على مدى السنوات السبع الماضية، بهدف تعزيز حكمه الفردي والاستبدادي.

وأضاف التقرير أن أردوغان عمل بشكل منهجي على تقويض الركائز الأساسية للديمقراطية التركية غير الكاملة بالفعل، وتآكل سيادة القانون، وزيادة السيطرة التنفيذية على القضاء، مشيرا إلى أن "الحقوق السياسية والمدنية في تركيا تدهورت بشدة في عهد الرئيس أردوغان لدرجة أن تركيا، ووفقًا لمؤسسة فريدوم هاوس، لم تعد دولة حرة وتحتل المرتبة الأدنى بين أعضاء الناتو".

- باحث أمريكي يدعو إدارة بايدن لفرض عقوبات صارمة على تركيا بشأن S-400

دعا مارسيل كالينجا، الباحث في دراسات السياسة الأمنية بجامعة جورج واشنطن، إدارة الرئيس جو بايدن لفرض المزيد من العقوبات للضغط على تركيا، للتراجع عن قرارها بشراء النظام الصاروخي الروسي S-400.

وأشار الباحث في دراسات السياسة الأمنية بجامعة جورج واشنطن، في مقاله لـ"مجلة إنترناشونال بوليسي دايجست" الأمريكية، إلى أن شراء أنقرة نظام الدفاع الصاروخي الروسي "S-400" كان السبب الرئيسي وراء قرار واشنطن استبعادها من برنامج مقاتلات الضربة المشتركة من طراز "F-35" في يوليو 2019، رغم كونها حليف قديم لأمريكا وعضو في حلف شمال الأطلسي.

وأوضح "كالينجا"، الذي ركز دراساته البحثية على قضايا الأمن بما في ذلك الحروب الأهلية والعنف العرقي، أن العقوبات الأمريكية المفروضة حتى الآن، بموجب قانون مكافحة خصم أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) فشلت في دفع تركيا إلى التراجع عن قرارها، مضيفا كان لهذه العقوبات تأثير ضئيل، وحان الوقت الآن لفرض عقوبات صارمة وواسعة النطاق على جميع المعاملات المتعلقة بالدفاع التركي، مشيرا إلى أن هذا من شأنه ان يضغط على تركيا للتراجع عن قرارها بشراء المعدات العسكرية روسية الصنع.

- العقوبات الحالية غير فعالية
وذكر الباحث الأمريكي أن العقوبات الأمريكية المفروضة على تركيا حتى الآن، لم تُلغِ جميع عقود الدفاع الحالية بين البلدين ولم تؤثر بشكل مباشر إلا على ما يقرب من ملياري دولار من الأعمال المحتملة، وهو رقم أقل من 0.3٪ من إجمالي الناتج المحلي لتركيا، لذلك ليس من المستغرب أن تكون العقوبات حتى الآن غير فعالة.

ويرى "كالينجا" أن تركيا كان يجب عليها أن تختار تركيا نظامًا صاروخيًا أمريكيًا مثل باتريوت، أو نظام أسلحة مختلفًا عن عضو آخر في الناتو، مشيرا إلى أنه على عكس نظام الصواريخ S-400، تم اختبار أنظمة باتريوت الأمريكية في مناطق القتال منذ عقود في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال استخدمت المملكة العربية السعودية وإسرائيل هذه الأنظمة بشكل مكثف ضد مجموعة واسعة من التهديدات الحقيقية.

ونوه الباحث إنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، اعترضت أنظمة باتريوت أكثر من 100 صاروخ باليستي، ولكن يبدو أن تركيا تعتبر نظام صواريخ S-400 هو النظام الأكثر تقدمًا في العالم، رغم إنه ليس لديه أي سجل قتالي، بالإضافة إلى ذلك ستعزز العقوبات الشاملة مصداقية الولايات المتحدة، حيث ستظهر بصورة أنها قادرة على رسم الخطوط الحمراء عند مواجهة أيه تهديدات، وعندئذ سيتم أخذ تهديدات العقوبات الأمريكية المستقبلية على محمل الجد.

وتابع قائلا "قد يجادل البعض بأن فرض مزيد من العقوبات على تركيا سيجعلها تنهمر في أحضان روسيا وتدفع أنقرة إلى تغادر الحلف، ولكن على الرغم من العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المتنامية بين أنقرة وموسكو في السنوات الأخيرة، لا تزال العلاقات بينهما تتسم بالصراع الكبير، فهناك خلافات كبيرة بين القوتين وتعارض كل منهما الأخرى في ليبيا وسوريا ومنطقة ناغورني قرة باغ"، مؤكدا إن تاريخ الصراع الطويل الأمد الذي يعود إلى الإمبراطوريتين العثمانية والروسية سيجعل من الصعب على البلدين أن يصبحا حليفين قويين.

ويرى الباحث أن العقوبات الأمريكية على تركيا الني تم فرضها بموجب قانون مكافحة الإرهاب في أمريكا اللاتينية (CAATSA) فشلت في إقناع تركيا بالتخلي عن نظامها الصاروخي الروسي الصنع S-400، متوقعا أن يؤدي تنفيذ عقوبات شاملة على جميع المعاملات المتعلقة بالدفاع التركي إلى دفع تركيا إلى التفكير في خيارات أخرى، واختتم مقاله قائلا: "هذا ليس وقت السياسات السلبية. يجب على الولايات المتحدة اتخاذ موقف قوي ضد تركيا، لأن هذا النهج اللين قد يدعو روسيا أيضًا إلى تثبيت أسلحتها النووية في تركيا، على غرار أزمة الصواريخ الكوبية، إن الضغط على تركيا للعودة إلى علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة سيجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا".