جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حلمنتيشي




الشعر "الحلمنتيشي"، فيه ناس كتيرتظن إنه هذا التعبير، معناه أي كلام فكاهي، واخد شكل الزجل أو ما أشبه، إنما هو مش كدا خالص. هذا اللون من الكتابة، له سمات مش سهلة إطلاقا، وقليلين جدا في التاريخ، اللي عرفوا يكتبوا قصايد كدا.
هو صحيح ساخر، أو خلينا نقول إنه السخرية جزء أصيل فيه، إنما هو مش كلام أهبل، مرصوص وخلاص، لازم تلتزم في "الشعر الحلمنتيشي"، بـ كل القواعد الكلاسيكية الرصينة، لـ النحو والصرف والعروض والقوافي، ولو هـ تستعين بـ حاجة (كلمة مثلا أو عبارة) من اللغة المصرية الدارجة، لازم تطوعها بـ حيث تدخل في هذا القالب الكلاسيكي.
اللي بـ يكتبوا هذا النوع، وشاطرين فيه، من الصعب تلاقي لهم غلطة، وكلهم كانوا متمكنين جدا من أدواتهم.
اللي بدأ هذا الكلام، حسين شفيق المصري، كان كاتب وشاعر، في النص الأول لـ القرن العشرين، وكتب لـ فرقة الريحاني وغيرها، وهو اللي بدع الشكل دا، وهو اللي سماه الحلمنتيشي، نسبة لـ فرقة اسمها "حلمنتيش"، كانت بـ تقدم عروض ساخرة.
المصريكان له إسهامات كتير، في الصحافة والفن وخلافه، ومن أشهر قصايده:
لزينبَ دكانٌ بحارة منجد
يلوح بها أقفاص عيش مقدد
كان بـ يحب واحدة، بـ تبيع عيش على ناصية الحارة، وقصايد كتير كنت حافظها زمان.
بعد المصري جه عبد الوارث عسر، الممثل بتاعنا دا، وكتب شعر حلمنتيشي كتير، وأبو بثينة كمان كتب.
إنما أعظم واحد كتب اللون دا، بـ النسبة لي، هو محمود شوقي أبو ناجي، الله يرحمه بقى، كان عايش في أسيوط، وكنا بـ نتقابل على طول، كان مثقف ثقافة رفيعة، ومطلع على الأدب العربي، بـ صورة فعلا ما تصدقهاش، لـ إنه كان مواطن بسيط، مش عايش حتى في أسيوط العاصمة، كان قاعد في أبو تيج.
وكان يكتب الشعر الكلاسيكي في صورته المعتادة، وله قصايد جيدة، إنما كان يكتب قصايد حلمنتيشية، عمري ما شفت حاجة زيهابـ القوة والإتقان والرصانة، والظرف وخفة الدم.
يعني، كان كاتب مرة قصيدة، اسمها "بيجماليون"، واخد فيها الأسطورة المعروفة، بس هو بقى متخيل، إنه هو اللي علم حبيبته الأكل، وعرفها على الأصناف، اللي ما كانتش تعرفها، فـ هي دي فكرة "الصناعة" عنده، وله في القصيدة دي بيت، بـ يوصف فيها نفسه، وهو بـ ياخد حبيبته، ويلف بيها ع المطاعم الغالية، بـ يقول:
كأنني جردل مخلوعة يده
مفعص القعر، مرمي ومندلق
وله قصيدة تانية، بـ يكلم فيها ابنه، اللي كان متوسم فيه خير، بس هو طالع صايع وخذله، منها:
وأصبحتَيا هلفوت، يا أهلس الورى
تدخن قدامي، وما بت تخجل
لهفت فلوس الدرس ثم صرفتها
ولست على الصياع بالمال تبخل
أصلا مطلع القصيدة دي:
كسوتك تيشرتًا وجينزا وجزمة
تنور في الظلماء والليل أليل
ليه شعر كتير عم محمود، بـ يقولوا الهيئة جمعته في ديوان باين، بس أنا ما شفتوش، إنما أنا إيه فكرني بيه دلوقتي؟مش عارف، يالا بقى، ربنا يرحمه ويرحم الجميع