جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الإدارة العلمية ومواطن 30 يونيو


أرى أن مواطن زمن ما بعد ثورة ٣٠ يونيو إذا كان فى مقتبل العمر، أو كان فى مرحلة الرجولة والنضج العاطفى والإنسانى، أو كهلًا لديه من الخبرات وحكمة الزمن الكثير.. أراه فى كل تلك المراحل- رجلًا كان أو امرأة- يمكن أن يدرك وبحق كيف أصبحنا نعيش فى دولة تنهض ووطن يتجدد ويُدار العمل فى كل مؤسساته بنظم وآليات إدارة قد تجاوزت أزمنة «بروباجندا» الاحتفاليات، بوضع حجر الأساس، وإطلاق الوعود الاستهلاكية الدعائية بإنجازات تحقق الأحلام التى لا تطال ولا تتحقق على الأرض بالشكل المأمول والواقعى.

يعيش مواطن ٣٠ يونيو مبهورًا وهو يتابع التعامل مع تفاصيل إدارة البلاد والعباد التى تتسم بالجدية، ووضع البرامج العملية وفق خطط زمنية برؤى علمية معاصرة مستجيبة لاحتياجات وأحلام المواطن، وتباشره تلك الإدارة وتلتقى به على عتبات مشاريع عملاقة، وقد تم إنجازها بالفعل وبمواصفات جودة للمنتج، وانفراد إبداعى وضمانات بالقدرة على المنافسة والتنفيذ عبر مفاوضات ومناقصات هى المحققة لأعلى المكاسب، والمتماهية مع الإمكانيات المادية وصولًا للهدف الأسمى لتحقيق «جودة الحياة» لمواطن ناضل وتحمل الكثير عبر حقب الحروب الصعبة من أجل الحرية والاستقلال، وهو الذى عاش فى أزمنة كانت إدارة مؤسسات الدولة يتم تشغيلها وفق نظم تقليدية، تفتقد الحلم ولا تمتلك فى أغلب الأحوال أى رؤية مستقبلية، وليس لدى صاحب القرار ومنفذه جرأة تحمل التبعات مهما كانت خطورتها ومصاعبها لتحقيق الأحلام الكبرى، فيكون الهروب من جانب متخذ القرار فى تلك الأزمنة بادعاء الخوف من هز الاستقرار المميت الرذيل والذهاب إلى النوم فى العسل.

لقد أدركت الإدارة فى عصر «عبدالفتاح السيسى»، بل وقررت بتوجيهات حازمة العمل وبقوة فى كل الاتجاهات والمسارات للإصلاح والتحديث، وبسرعات فائقة فى الإنجاز عبر كل الوزارات دون وضع أولويات بعينها، باعتبار كل مصالح مواطننا العظيم هى جميعها أولويات.

على وقع المشروعات التى أطلقتها مصر «٣٠ يونيو» فى السنوات الأخيرة- ونعنى بها مشروعات مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية والقطار السريع الذى سيربط العين السخنة بالعلمين، مرورًا بعدد من المدن الحالية، وتلك المزمع إنشاؤها بموازاة خط القطار، فإذا أضفنا المشروع القومى الأعظم «حياة كريمة» لتطوير وتحديث القرى المصرية والتوابع، وما صاحب تلك الأحلام العبقرية من جدل وما واجهته من محاولات التشويه والتشكيك والمستمرة حتى اليوم- يذكرنا فى هذا السياق الكاتب والباحث الرائع «سعيد عكاشة»، عبر دراسة علمية تحت عنوان «المشروعات العملاقة فى مصر.. انتقادات فى الحاضر واحتفاء عندما تصبح تاريخًا»، قائلًا: «يبرهن تاريخ المشروعات الكبرى أو العملاقة أو القومية فى مصر منذ القرن التاسع عشر على أن مثل هذه المشروعات التى تنقل البلاد خطوات واسعة نحو التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، أنها عادة ما تتعرض للهجوم والنقد الموضوعى وغير الموضوعى فى لحظة طرحها وأثناء مراحل تنفيذها، ولكنها تتحول إلى أيقونات قومية بعد أن تصبح تاريخًا، وبعد أن تدرك الأجيال اللاحقة الأثر الذى تركته مثل هذه المشروعات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصة الحضارية عامة، وقد يتساءل البعض عما كانت ستؤول إليه هذه الأوضاع كلها، لو كانت الانتقادات التى طالت هذه المشروعات عند طرحها وأثناء تنفيذها قد نجحت فى وقف هذه المشروعات أو إلغائها أو تأخير عملية بنائها؟ ويتفرع عن ذلك سؤال آخر مهم حول الدوافع التى تقود البعض للاعتراض على مثل هذه المشروعات، والكيفية التى يعمل بها لحشد الرأى العام من حوله».

تحاول هذه الدراسة إثبات أن الحجج التى أُثيرت ضد المشروعات الكبرى فى تاريخ مصر منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم لم تتغير، رغم تغير الظروف والأوضاع التى تم فيها إنشاء هذه المشروعات زمنيًا، وأن من يعارضون المشروعات الكبرى فى مصر حاليًا لم يستفيدوا من دروس التاريخ التى تبرهن أن مشروعات مثل قناة السويس وسكك حديد مصر والترام، التى عرفتها مصر فى القرن التاسع عشر، وبناء ضاحية مصر الجديدة وإنشاء كورنيش الإسكندرية وتشييد السد العالى فى القرن العشرين، وهى التى باتت أيقونات قومية وعلامات فارقة فى تاريخ التطور الحضارى لمصر بعد سنوات طويلة من إنشائها- كانت قد تعرضت للهجوم والانتقاد ومحاولة العرقلة منذ لحظة طرحها، وبالتالى، فإن ما تتعرض له المشروعات الكبرى الحالية «قناة السويس الجديدة، العاصمة الإدارية، القطار السريع، وحياة كريمة» من هجوم وتشويه ليس بالأمر الجديد، وهو يعبر عن نمط من التفكير السلبى المزمن، له أسبابه النفسية بقدر ما يشتبك أحيانًا مع نمط من المكايدة السياسية المعبرة عن عجز عن التفريق بين معارضة نظام الحكم من منظور سياسى، وبين الحرص على المصلحة القومية من منظور استراتيجى.

ويذكر الباحث «عكاشة» العديد من التحديات التى واجهتها مشاريع قومية كبرى فى الماضى، إلى حد تقديم بلاغات من رموز المعارضة المظهرية الفاشلة لتشييد مثل تلك المشروعات التاريخية تتهم أصحاب القرار ومتخذيه فى هذا الصدد بتبديد الأموال والبعد عن الأولويات!.