جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

كيف أعادت «حياة كريمة» الأمل لأهالي أسوان والنوبة؟ (معايشة)

محرر الدستور في جاولة
محرر الدستور في جاولة النوبة

من داخل كابينة القطار رقم 1086 المتجه من القاهرة إلى أسوان، وبينما كنت أطوي الصفحة الأخيرة من رواية "اللعب فوق جبال النوبة" للراحل إدريس علي، التي تلخص قصة حب بين فتاة شمالية متمردة علي عادات وتقاليد النوبة بفقرها وظروفها الصعبة، والطفل الصغير ذو التسع سنوات المتمرد أيضاً على تقاليد قبيلته، ظللت أفكر فى أول زيارة للنوبة والتى بالطبع قد تأخرت كثيراً.

أسأل: هل حول النوبيين قضيتهم المعروفة بنزوحهم بسبب بناء الخزان والسد العالي إلى بكائية تاريخية كما يزعم البعض؟ أم أن هناك حقائق وأسرار لا نعرفها؟ ولماذا يختزل القاهريون بل والعالم أهالى النوبة وفي القلب منها أسوان فى "بكار" رغم أنها أنجبت لنا اثنين يشتركان في الأحرف الثلاثة الأولى من الاسم ويتشاركان في حروف المشروع كله "منير" و"منيب"؟ لماذا يربطون أهلها بل وكل أهل أسوان بالمهن المتواضعة مثل "أوثمان" حارس العمارة رغم أنها أنجبت حارس الوطن ووزير دفاعه المشير "حسين طنطاوي" أو حراس عقوله مثل "عباس العقاد"؟.

بالتأكيد الصورة مبتورة وعلينا أن نبحث عن الذهب المدفون أسفل النيل، وسط ركام الزمن هناك، علنا نجد إجابة مطمئنة عن واقع ومستقبل تلك البقعة من الجنوب.

ذهبت إلى "أرض الذهب"، فوجدت أرضا ولم أجد ذهبا، وجدت أملا يتعلق به الكثير من أهالي أسوان، أهالينا الطيبين الذين يعيشون على هامش الحياة بصمت ورضا، لكنهم تشبثوا بحلم التطوير والأمل والعودة لأراضيهم الذي انتعش بمبادرة "حياة كريمة" وداخلها تطوير الريف المصري الذي يرعاه الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وصلت أسوان رفقة أحد القوافل العملاقة لـ"حياة كريمة" والتى شملت فرق طبية وعلاجية لمداواة موجوعي العيون وتسليمهم نظارات لإعادتهم يرون الحياة من جديد وكذلك لتطيب أجساد نحيلة شاخها المرض، إضافة لأطنان من المواد الغذائية والحقائب الطبية للوقاية من فيروس كورونا، وفرق ثالثة لبحث المستحقين لتأهيل المنازل التى لا تقبل الأشباح العيش فيها فما أدراك بالبشر.


كنيسة تدق أجراسها يوم الجمعة

على عكس ما كنت أعرف، بأن صلاة أشقائنا من المسيحيين تكون فى يوم الأحد من كل أسبوع، مثلما تكون صلاة الجمعة لدي المسلمين، لكنى وقفت أشاهد المئات من الأقباط يخرجون فى وفود عائلية وأسرية من باب كنيسة كاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل خاصة أنه يوم العطلة الذي يفضل فيه الكثيرين البقاء فى منازلهم أو زيارة أقاربهم، لكن هؤلاء أتوا من كل حدب وصوب فى المناطق المجاورة للكنيسة ليتضرعون لربهم ليرفع الوباء الذى حل على البشرية.
وبسؤالي لإحدى العائلات حول الصلاة وسط إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، أكدت أنها تتم بشروط منها، "دكة" لكل مصلي، والكمامة شرط إجباري، وإقامة أكثر من قداس في اليوم الواحد، وجعل حضور القداسات بتسجيل مسبق.
وكانت الكنيسة قد قررت عودة القداسات والصلوات الجماعية، يوم الجمعة من كل أسبوع، لتدق الأجراس، ويرفع البخور، في الكنائس في إطار إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.
على بعد خطوات بسيطة كان المسلمين بنفس الخطوات يستعدون لدخول مسجد الإذاعة والتلفزيون استعداداً لحضور خطبة الجمعة، المشهد كان بديعاً وحقيقياً بعيداً عن الكلمات الانشائية، وكأنه مشهداً يجسد مصر الحقيقية الرافضة للفتن.

الطريق إلى المنصورية

كانت بداية رحلتي إلى إحدى أقدم الجزر الأسوانية والتى اتضح فى نفس الوقت أنها ضمن أفقر قري هنام بل والأكثر احتياجاً وفقاً للمسح الاجتماعي الحكومي الذى أكد أنها تحتاج للكثير من الخدمات الأساسية التى يحتاجها المواطن البسيط فى يومه الذي يعيشه، على رأسها مشاكل "معدية النيل" و" مياه الشرب" و"قلة الأراضى الزراعية" بعد تحولها إلى مبانى وعقارات.

والمنصورية هي الجزيرة التي انطلقت منها كتابات الروائي الأسواني القدير عبد الوهاب الأسواني، وهي أيضا الجزيرة التي أسست بها الحكومة أكبر مشروع للطاقة الشمسية في مصر، وتعتبر من ضمن القرى الـ 7 الأكثر احتياجًا داخل نطاق محافظة أسوان والتى تم إدراجها ضمن 100 قرية مصرية على مستوى 12 محافظة فى المرحلة الأولى التى شملها مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتوفير حياة كريمة للأسر الأكثر احتياجا فى عام 2019.

يبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة نسمة وتصل نسبة الفقر بالقرية إلى 78.74% كما أوضحها البيان الإحصائي لوزارة التضامن الإجتماعى، والقرية تعد جزيرة وسط النيل يحدها من الجهة الشرقية للنيل معبد كوم أمبو بمنطقة البيارة، وتبعد نحو 51 كيلو مترًا شمال مدينة أسوان، وتضم 9 نجوع وهى "العمدة والقيزان القبلى والقيزان البحرى والشيخ يوسف الحسيناب والقوز البحرى والقوز القبلى والقوز الشرقى والقوز الغربى وأم حامض".
الجزيرة تستغرق أكثر من ساعة لتصل لها عبر طريق طويل تطل منه الصخور أحياناً والصحراء أحياناً والعمران فى بعض الأحيان، والذي كان لافتا للإنتباه هو وصول يد الدولة إلى تلك النقطة فهدمت التعديات التى زحفت حتى على الصحراء على جانبي الطريق.
ما الذى جاء بـ"الزبير ابن العوام" إلى هنا؟
بينما كانت تختفي الأبنية والتى كانت فى المعظم مدارس شاهقة، كان يتجلى لنا على الطريق نبات الحنظل والحنة وأشجار المانجو، إلا أننا توقفنا أمام كوخ من البوص مكتوب عليه "سبيل العليقات" والذى يضم 6 من الأزيرة الممتلئة بالماء البارد، لعابري السبيل والمارة من الطريق، أظن أنني لم أشاهد تلك الظاهرة سوى فى أفلامنا التى تتعلق بالصوفية والفتوات فى العصور القدية، لكني هنا أراها مجدداً، ويؤكد لي سائق السيارة التى كنا نستقلها أنها عادة اعتاد عليها الأهالي وينسبوها إلى ما يزعم أنه جدهم الأكبر وهو الصحابي "الزبير ابن العوام" خاصة من قبيلة العبابدة.


ويستفيض السائق الذى عدل عمامته موضحاً أنهم كأحفاد الزبير ابن العوام منتشرين فى ربوع مصر ويتمركز معظمهم الكبير بأسوان والبحر الأحمر وقنا وبورسعيد والاسماعيلية والقنطره والسويس والشرقيه، مشيراً إلى أنهم يعيشون الآن فى أسوان إلى جوار قبائل الجعافرة والعليقات والانصار والحجازيين، وأنهم لم يحاولوا خلع جلاليهم الذين تربوا عليها على الرغم من خروج الكثير من الشباب للقاهرة بحسب قوله لـ"العلام والاسترزاق" لكن ما أن يعود لنجعه أو قريته لا يمكنه التخلي عن الجلابية من أجل الملابس المودرن.
خلية النحل

حفاة الأقدام بجلاليب صغيرة كأنها تضم أجساد نحيفة مثل الذى اعتدنا عليها فى مسلسل "بكار وحسونة" الكارتوني، وقف جمع من الأطفال يستقبلونا داخل المدرسة والوحدة الصحية فى جزيرة المنصورية، شبكة نحل من الأطباء والاداريين والمتطوعين لخدمة الأهالى، نظارات هنا وقطرات للعيون هناك، ومقاييس للعين فى الغرف المجاورة وكشف معمق لتحديد نسبة المياه على العيون تجهيزاً لاجراء جراحات لازالتها.

صوان ممتلى بالنساء عن آخره يرتيدن لباسهن المميز بجلاليب سوداء، وكمامة بيضاء سلمها لهم أحدهم على البوابة، وفريق من الشباب التى تظهر شارة حياة كريمة على تيشرتاتهم يساندون العجائز لصعود السلالم وطمأنتهم بابتسامة أنهم فى أيادي أمينة وأنهم هنا من أجلهم ولمساعدتهم.

الحج محمود، سبعيني كان يعمل بناءاً يقول لـ"الدستور" "الجماعة دول الله يباركلهم أنقذوني من العمي وعدت أشوف من جديد"، مضيفاً "كنت أعمل فى البناء وشاباً يافعاً وأكسب قوتي من عرق يدي، وكنت أحب قراءة كتب الدين ولذلك أحفظ الكثير من الآثر والأحاديث ولا زلت أتذكرها حتى الآن على الرغم من أننى لم أكمل الابتدائية". إلا أنه توقف شاردا "لكن العمر يا ولدي والزمن.. الآن أنا اقترب موعدي وانتظر من الله الرحمة".


ما أن صدح أذان العصر إلا واستند الحج محمود على عصاه أعلى الكنبة التى كان يجلس عليها للصلاة، لأداء الصلاة فى صمت وكأنه لا يشعر بنا ولا بالألم الذي حوله.

تجولت "الدستور" بين غرف القافلة الطبية الموسعة للكشف على امراض العيون لأهالى المنصورية والقرى المجاورة بمركز دراو، وكان بصحبتنا الدكتور أحمد شعبان نائب محافظ أسوان ومصطفى زمزم رئيس مجلس أمناء مؤسسة صناع الخير للتنمية وعدد من أعضاء مجلس أمناء المؤسسة وفريق حياة كريمة بأسوان ووكيل وزارة التضامن الاجتماعى بالمحافظة وعدد من القيادات التنفيذية والشعبية وممثلين للمؤسسات الشريكة فى التنفيذ.

وعلمت أن المبادرة المعروفة باسم "حماية" ستوزع 30 طن مواد غذائية و1000 بطانية شتاء على الاسر الاشد احتياج كما ستقوم بتوزيع 1000حقيبة وقاية من الاصابة بفيروس كورونا على عمال النظافة والشرائح الاكثر احتكاكا بالجماهير في مراكز ومدن محافظة اسوان المختلفة.
بنهاية أول يوم عمل وتم حصر الأرقام، اتضح أن عدد المستفيدين من الكشف فى القافلة الطبية نحو 780 فرداً من أهالي المنصورية، وتم عمل 270 نظارة لمن يحتاج وفقاً للكشف الطبي، كما تم توزيع 460 عبوة قطرات على الحالات بعد الكشف عنم بمختلف الأنواع.

ليس هذا فقط، فقد اطلعت "الدستور" على قائمة مدون بها أسماء وتوصيف لحالات 110 فرد يحتاج لعملية جراحية، تجهيزاً لاجراء تلك العمليات بالمجان تماما، فيما قال أحد الأطباء فى القافلة أن العمليات تتنوع بين "ازالة صفراء ومياه بيضاء وتركيب عدسات مروراً بعمليات شبكية وتركيب أجسام زجاجية وصولاً لأكبر عمليات على الاطلاق وهى زرع القرنية"، لافتاً إلى أن كل ذلك يتم بشكل مجاني لكن للحفاظ على التبرعات لا يتم تنفيذ عمليات الليزك التجميلي لكن يتم اللجوء للنظارت التى تفي بالغرض لذلك.


أحد المواقف التى وثقتها "الدستور" هو مع انتهاء يوم عمل القافلة وبدأت الأبواب فى الإغلاق بعد الانتهاء من كل الكشوفات والفحوصات، وبدأت التجهيزات للمغادرة إلا أن سيدة مسنة كانت تتكأ على عصاها وهي من أهل القرية جاءت تتوسل شباب القرية لتوصيلها بأطباء القافلة للكشف عليها، وحاول الشباب إقناعها أن القافلة انتهت، لكن شباب "حياة كريمة" ما أن علموا بالموقف إلا واستقبلوها وفتحوا لها غرفة خصيصة وطلبوا من الأطباء الكشف عليها واتضح أنها تحتاج عملية جراحية لإزالة مياه على العين، وتم إدراج اسمها ضمن المستحقين للعمليات بالمجان.
فرسان الحياة الكريمة

التقت "الدستور" الدكتور أحمد شعبان نائب محافظ أسوان خلال تفقده أعمال القوافل الموجودة بجزيرة المنصورية والذى أكد دعم الجهاز الإدارى للدولة لجهود العمل الأهلي الجادة، مثمنا الدور الذى تقوم به مؤسسة صناع الخير للتنمية ومؤسسة حياة كريمة وبنك القاهرة وسى اس ار ايجبت من خلال اطلاقهما مبادرة حماية لدعم المناطق الحدودية، مشيداً بجودة الخدمات الطبية التى تقدمها مبادرة حماية من خلال توقيع الكشف على أمراض العيون وتوزيع المساعدات الإنسانية.

إلى ذلك، أوضح مصطفى زمزم رئيس مجلس أمناء مؤسسة صناع الخير للتنمية، أن قوافل مبادرة حماية لدعم اهالينا فى النوبة تتضمن استهداف المناطق الأكثر احتياجا بقرى النوبة وتقديم الدعم الطبى فى مجال محاربة العمى لأهالى هذه المناطق فضلا عن توزيع كراتين المواد الغذائية وحقائب الوقاية من فيروس كورونا وبطاطين الشتاء وأن القوافل سوف تكون بداية انطلاقة لمرحلة جديدة من العمل لمواصلة تنمية وتطوير القرى الأشد احتياج بأسوان وأن المرحلة القادمة سوف تشهد بداية إعادة إعمار قرية المنصورية فضلا عن تنفيذ عدد من المشروعات التنموية الصغيرة ومتناهية الصغر التى تناسب البيئة المعيشية للأهالي والتى تدر عليهم دخلا مجزيا.


فى السياق، أكدت آية عمر رئيس مجلس أمناء مؤسسة حياة كريمة، أن قوافل مبادرة حماية لدعم المناطق الحدودية مستمرة فى تنفيذ أنشطتها الإنسانية والطبية الرائدة وإن استهداف قرى النوبة ومن قبلها التجمعات الصحراوية وسكان الوديان بحلايب والشلاتين ووسط سيناء يأتى تأكيدا لحرص حياة كريمة على تقديم الخدمات الإنسانية والطبية لكل مصرى مستحق على أرض مصر وأن قوافل المبادرة سوف تستمر فى استهداف المناطق الحدودية لتصل خلال الأسابيع القليلة المقبل إلى أهالينا في واحة سيوة وفى الوادى الجديد.

حضر "محرر الدستور" خلال جولة على بعض المنازل التى تستحق التأهيل، والذى علم أنها تصل لنحو 75 منزلا فى كل أسوان، وأن جزيرة المنصورية هي إحدى القرى التي تم اطلاق العمل فيها بالتعاون مع صناع الخير لهدم وإعادة وبناء وترميم أكثر 35 منزل وتأثيثه إلى جانب تنفيذ مشروعات تنموية كمراكب الصيد والثلاجات لحفظ الأسماك، ونوها إلى أنه يتم دراسة طبيعة القرية وتوفير مشروعات صغيرة تتلاءم مع كل نشاط.
هنا النوبة
البيوت هنا لا تبنى ولكنها تنبت كالزرع، وعلى الرغم من الألوان التى بدى بعضها زاهياً وآخر باهتاً إلى أن اللافت للانتباه أن منازل النوبيين لا تغلق أبوابها على مدار اليوم نظراً لمعرفتهم ببعضهم وحبهم للخير، وذلك لا يسكن الأغراب بينهم نظراً لعاداتهم وتقاليدهم، رغم معاناة الكثير منهم فى القرى والنجوع الذى يعيشون فيها بعد نزوحهم إثر غرق منازلهم القديمة بسبب خزان السد العالي.

داخل قرية "جبل تقوق" والتي يُعرف أهلها نفسهم بأنهم حراس الجبل، وتظهر منازلهم النوبية معلقة تتدلى من الجبال، والتى بدأت فيها جولتنا ضمن "حياة كريمة" لتوزيع كراتين الغذاء والبطاطين والمعقمات الطبية، لتمتد بعد ذلك للكثير من قرى ونجوع النوبة.


أول صورة تلتقيها بعد أن تصعد إليهم بعد أن تستقل مركب نيلي وتصعد لهم عبر منحدر هو حائط مكتوب عليه كلمة "معناش"، لكن ذلك على عكس الواقع فالأهالي هناك طيبين ويعيشون على الرضا الكامل وحب الوطن.

"أم عبدالله" إحدى نساء جبل تقوق تقول أنها كانت تظن أن حديث الرئيس التلفزيوني عن حياة كريمة مجرد كلام للحكومة لكن بمجرد أن وصلنا إليهم تأكدت من صدق ما يقال، وأنه يتحول لأفعال على الأرض، مقدمة الشكر له لأنه لم ينسى أبناء النوبة، وموضحة أنهم مصريين وليسوا نوبيين كما يزعم البعض، مشيرة إلى أنها تنتظر تأهيل قريتها ليعم الرخاء على كل الأهالي".

فيما يشير الحج محمد إلى نه رغم بعدهم عن العاصمة ورغم ما يقال عن النوبيين بأن لديهم أزمة مع الدولة ومزاعم التهجير إلا أنهم وطنيين وقد أدوا واجبهم الوطنى وإنه لا شكر على واجب، ويثقون بالرئيس السيسي أكثر من أي حد، لافتاً إلى أنه لأول مرة يتم صرف تعويضات النوبيين اللذين نزحوا من منازلهم بعد أن توقفت لنحو 100 عام، وهو ما يعطى بادرة أمل بأن النظام الحالي "نظام أفعال لا أقوال".

وشدد الحج محمد على أن إخوانهم المصريين يتذكروا تضحياتهم فى كل مرة يستعملوا فيها الكهرباء أو الماء، لأنه لولا تضحياتهم لما أقيم خزان أسوان ولا السد العالى، نافياً استغلال قضيتهم لأى غرض سياسي ضد الدولة.

يشير الحج محمد أن قريه "جبل تقوق" وقلعتها فوق الجبل يعود أصلها إلى كلمه تقوق بحرف الـt معناها فى اللغه النوبيه تحت او اسفل، وكلمه دقوق بحرف الـ d فوق أو أعلى الجبل فى القلعه فوق الجبل، موضحاً أن المعلومات الذي سمعها من أجداده تشير إلى أن القلعه البارزه فى الجبل بنيت لحمايه أسوان من هجوم الدراويش يؤكد أن ثوره الدراويش قامت فى السودان عام 1892.
داخل نصر النوبة

وهو مركز يقع شرق مركز كوم امبو ودراو، وتبعد مدينة نصر النوبة عاصمة المركز عن مدينة أسوان حوالى 60 كم ويبلغ عدد سكان المركز أكثر من 100 ألف، وتم إنشاء مدينة نصر النوبة لتكون عاصمة للمركز الذي يضم قري النوبة التي نزحت عام 1963، وأغلب اهله يعتمدون على الزراعة، ويضم المركز مدينتان نصر النوبة وعاصمة المركز ومدينة كلابشة، و7 وحدات محلية قروية هي : بلانة، أبو سمبل، عنيبة، خريت، المالكي، قورتة، الدكة. كما يبلغ عدد سكانها 5660 نسمة.


هبطت قافلتنا وسياراتها المحملة بالكراتين الغذائية من قرية عنيبة النوبية (80 كيلو من أسوان) والتى يسكنها نحو 5 آلاف نوبي، وهناك شكل شباب القرية شبكة من المتطوعين لمساعدة شباب "حياة كريمة" وخضوا لم مكاناً لتفريغ 4 آلاف سلعة غذائية وتأمينها ورصها وتوزيعها بدون أى مقابل أو تأفف لقريتهم وللقرى والنجوع المجاورة التي شملت قرى "ابريم وابو حنضل وابو سمبل وادندان وارمنا و الجنينه والدر والريقة والسبوع والسيالة والمالكي وبلانة اول وبلانة ثاني وتوشكي غرب وتوماس وجرف حسين ودابود ودهميت وشاترمة وقرشة وقورتة ثاني وكروسكو وكشتمنة شرق وكشتمنة غرب ومرواو ووادي العرب والمضيق وامبركاب والدكة وقسطل وقتة والديوان وغرب اسوان وجزيرة اسوان وجبل تقوق وجبل شيشة وجزيرة عواض وجزيرة هيصة وتنقار".


يقول محمد صلاح، منسق حياة كريمة فى أسوان إنهم يعتمدون على جمعيات المجتمع المدني المشهرة والمرخصة من التضامن لمساعدتهم فى مرافقة شباب حياة كريمة فى توصيل الكراتين والبطاطين والمعقمات، وإن الاختيار يكون للأسر الأكثر احتياجاً وفقاً للبحث الاجتماعي المدقق لوزارة التضامن ومبادرة حياة كريمة والجمعيات لمن يستحق.
داخل منزل متواضع للغاية من الطوب اللبن والمسقفوف بالبوص والطوب القديم بقرية بلانة فى نصر النوبة تسكن رابحة صبرى، 78 عاماً، وهي أرملة تعول أسرة من 5 أفراد، ما أن وصل لها فريق شباب "حياة كريمة" إلا وبكت قائلة أن وصولنا لها كان بمثابة حلم، فلم تتوقع السيدة المسنة أن نصل لهذه القرية البعيدة، وارسلت رسالة مع شباب المبادرة "قولوا شكرا للريس.. ربنا يخليك لينا".

أما انتصار، وهي سيدة مطلقة تسكن منزل بسيط للغاية بهت لونه بقرية "شاترمة" مع ابنها الصغير، ويبلغ عمرها 43 عاماً، ويبدو عليها التعفف للغاية رغم احتياجها الشديد، واعتادت فى حديثها عند سؤالها على شىء أن تقول "رضا الحمد لله"، بل ونال كل الشباب الذين زاروها قدراً من الدعاء والكرم.
تقول انتصار أنها تعيش بأمل أن تربي ابنها ولا تفكر فى شىء آخر سوا تعليمه، مقدمة الشكر لمن فكر فى دعم المحتاجين وأن الخير لا يزال قائماً مهما كانت الدنيا صعبة – حسب قولها.


المشهد الثالث كان من قرية جرف حسين النوبية، لعم محمود صالح الذى يتقاضى مساعدة من مبادرة تكافل وكرامة بوزارة التضامن الاجتماعي، وهو رجل خمسيني ومتزوج ويعول 4 أبناء، بعد تسلم الكرتونه الغذائية من حياة كريمة، ابتسم مفرجاً عن سنانه الذى جار عليها الزمن "وفرت علينا كتير .. ألف شكر لسيادة الريس اللى مبينساش حد".