جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

السادات.. الدعاة وصناعة التشدد فى مصر


يعتبر السادات من أبرز الشخصيات الخلافية فى تاريخ مصر المعاصر، فمن ناحية لا ‏ينكر أحد دوره التاريخى كصاحب قرار العبور فى أكتوبر ١٩٧٣، هذا القرار الذى أعاد للأمة ‏كرامتها بعد هزيمة ٦٧، لكن من ناحية أخرى هناك خلاف حاد حول خطوته نحو زيارة القدس ‏واتفاقية كامب ديفيد، ومعاهدة السلام، ما بين مؤيد ومعارض، إلا أن هناك شبه إجماع على ‏خطيئة السادات الكبرى واللعب بالنار.
عندما بدأ فى مطلع السبعينيات ضرب معارضيه من ‏الشيوعيين والناصريين- لا سيما من طلاب الجامعات- من خلال عودة التيار الإسلامى من ‏جديد، وهذه السياسة البراجماتية البحتة كانت نتيجتها فى نهاية الأمر اعتقالات سبتمبر ‏الشهيرة فى عام ١٩٨١، ثم اغتيال السادات فى ٦ أكتوبر من العام نفسه على يد هذا التيار.‏
من الكتب الجديدة التى أولت اهتمامًا كبيرًا لهذه المسألة كتاب وائل لطفى الأخير «دعاة ‏عصر السادات: كيف تمت صناعة التشدد فى مصر»، والعنوان فى حد ذاته ذو دلالة هامة، لا ‏سيما أنه يصدر من واحد جعل مشروعه الفكرى وهمه دراسة «ظاهرة الدعاة»، سواء بشكلهم ‏التقليدى ذى الخلفية الأزهرية، أو شكل «الدعاة الجدد» المتأثرين بظاهرة الواعظ البروتستانتى الأمريكى، ‏وإن كان وائل لطفى عقد مقارنة مهمة ومثيرة بين أداء الشيخ الشعراوى، وأداء الواعظ الأمريكى ‏الشهير بيلى جراهام، والسياسة الأمريكية آنذاك حول تقديم رجال الدين كنجوم تليفزيون من أجل ‏محاربة الشيوعية.. وهو هنا يشير إلى ظاهرة «صناعة النجم الدينى»، التى تجلّت فى الشيخ ‏الشعراوى من خلال التليفزيون، والشيخ كشك من خلال شرائط الكاسيت.‏
ومن النقاط المثيرة التى يطرحها الكتاب موقف الشيخ الشعراوى من الإخوان، يوضح ‏الكتاب أن الشعراوى كان فى شبابه عضوًا فى جماعة الإخوان، لكنه خرج منها، ومع ذلك بقيت ‏أفكاره أكثر ميلًا إلى فكر الجماعة، وعندما سأله البعض عن رأيه فى الجماعة وهو فى أواخر ‏عمره، قال: «إن سبب فشل الإخوان عندما دخلت فى أذهانهم حكاية الحكم، ولو سكتوا لكان الحكم ‏جاءهم.. كان الناس سيقولون مافيش أحسن من الإخوان يحكمونا»!‏
ومن النقاط المثيرة للجدل موقف الشعراوى المؤيد للسادات، ودعم الدولة له، لكن وائل ‏لطفى يستند إلى دراسة لمستشرق هولندى وصل فيها إلى أن الشعراوى كان يبغض السادات فى ‏أواخر أيامه.‏
يُلقى الكتاب أضواءً هامة على ظاهرة «دعاة عصر السادات»، فكيف ظن السادات أنه من ‏خلالهم يستطيع تعويض غياب أيديولوجية واضحة للدولة فى زمنه، لذلك يتناول الكتاب أدوار ‏عدد من الدعاة، مثل: الشيخ «كشك»، الذى يصفه بأنه «صوت الغضب الموجه»، وأنه كان ينقد حال ‏المجتمع وأهل الفن وليس السادات- على الأقل حتى معاهدة السلام- والشيخ «عبدالحليم محمود» ‏والذى يُطلق عليه «شيخ الأزهر الغامض»، والدور الذى لعبه فى محاربة الشيوعية وإحياء التيار ‏الإسلامى، والشيخ «السيد سابق» صاحب الكتاب الشهير «فقه السنة»، لكن وائل لطفى يشير أيضًا ‏إلى أنه مفتى الإخوان الذى أصدر فتوى اغتيال رئيس وزراء مصر «النقراشى».
كما يعالج الكتاب ‏عودة الشيخ «الغزالى» إلى الأضواء من جديد مع عصر السادات، ودوره فى تشجيع نشأة الجماعات ‏الإسلامية فى الجامعات المصرية، ويُنهى الكتاب بالشيخ «المحلاوى» وقصته الشهيرة عندما ‏وصفه السادات فى خطابه الشهير فى سبتمبر ٨١ بأنه- أى «المحلاوى»- مرمى زى الكلب فى ‏السجن!!‏
لقد لعب السادات بالنار عندما حاول ضرب اليسار بالتيار الإسلامى إلا أن النهاية كانت ‏درامية، حيث أدرك السادات متأخرًا- كما يقول وائل لطفى- «أن الإخوان خدعوه فى الوقت الذى ‏كانوا ينسقون فيه الجهود مع الجماعات الإسلامية ليوم معهود».‏