جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عالم مليان أرقام




كرة القدم، نشاط يتابعه ملياران من البشر، «يتابعه» دا ربما ما يكونش هو التعبير المناسب، إحنا قدام حالة من الهوس، عصية على الفهم والتفسير، إنما دا اللى حاصل. ولـ إنه هذا النشاط تنافسى، فـ هو يعتمد بـ الكامل على الأرقام.
تقريبًا كل تفصيلاته وأموره كدا، كام هدف، كام نقطة، كام ماتش، كام لقب، كام لاعب، كام ياردة، كام كارت، حتى الأمور الفنية، الخطط، رقمية، تقييم اللاعبين بناء على أمور رقمية.
كل حاجة، كل حاجة أرقام، تمام، الناس اللى شغالين فى مجال كرة القدم، الاتحادات المنظمة لـ المسابقات، الإعلام، شركات التسويق، وخلافه وخلافه وخلافه، أكل عيشها قائم على أرقام كرة القدم.
ولـ إننا متفقين إنه البشر بـ يتعاملوا مع الرقم نفسه، أسهل ما بـ يتعاملوا مع النسب والمعادلات، فـ اللى حاصل من خمسين سنة تقريبًا، واللى بدأ يزيد شوية شوية، ثم انفجر تمامًا من تلاتين سنة، هو إن المنظومة بـ الكامل، بقت شغالة، على أنها تبيع لـ المشجعين «أرقام ضخمة»، وكلما تضخمت الأرقام، زاد تفاعل الجمهور.
الفيفا مثلًا، عمل احتفاليات صاخبة لما اتسجل الهدف رقم ١٠٠٠ فى كأس العالم، ١٠٠٠ رقم يملا العين، ما قالوش بقى اتحقق فى كام نسخة، فى كام مباراة، ارتفع المعدل فى أنهى مرحلة، انخفض فى أنهى مرحلة، هم باعوا لـ الجمهور «الرقم الضخم».
طبعًا، هم فاهمين كويسين، وبـ يعملوا تحليلات دقيقة، لكن بـ نتكلم هنا عن اللى باعوه لـ الجمهور، ثم بدأت تظهر حاجات زى «نادى المائة»، عرفناها فى مصر أوائل التمانينات، قبلها، محدش كان مهتم، إنت سجلت كام هدف على مدار البطولة كلها، بـ الكاد كنا بـ ناخد بالنا من هداف النسخة.
بروزة الأرقام الضخمة، يلزمها وجود أرقام ضخمة تبروزها، من هنا، بدأ يبقى فيه اهتمام بـ صناعة هذه الأرقام، ممكن تكون الصناعة دى حقيقية، وممكن تكون مصطنعة.
يعنى مثلًا، لما يفكروا فى وسائل ونظم وطرق تدريب وإعداد بدنى، تساعد اللاعبين على تسجيل أهداف أكتر، دى صناعة حقيقية، لكن زيادة الأرقام دى، عن طريق احتساب ما لم يكن يحتسب، زى المباريات الودية وما أشبه، دا مصطنع.
خلينا ناخد شوية أمثلة، من ضمن طرق تضخيم الأرقام، هو التوسع فى تنظيم «البطولات»، فـ تعمل مثلًا «بطولة السوبر»، اللى هى فى الأساس فكرته ماتش شرفى استعراضى، فـ إنت تخليه لقب، مساوى لـ لقب الدورى والكأس ودورى الأبطال (اللى هى أساسًا ألقاب مش متساوية).
دا يساعد نادى زى الأهلى، إنه يبيع رقم ضخم، إحنا محققين ٤٣ لقب فى الألفية الجديدة، تيجى تبص، تلاقى منهم ١٧ لقب «سوبر»، اللى هو من غيرهم، كان الرقم هـ يبقى ٢٦.
خلينى أقولها لك بـ النسبة، ٤٠٪ من ألقاب الأهلى «سوبر»، اللى هو ماتش واقلب، وقد ينتهى بـ ركلات الترجيح، بعد تعادل سلبى، يعنى حضرتك ما سجلتش ولا هدف واحد، بس حصلت على لقب، يساوى بطولة الدورى العام، اللى هو ٣٤ مباراة أشغال شاقة.
حاجات كتير بـ تزق فى هذا الاتجاه، الهدف رقم ٣٠٠٠، الفوز رقم ١١٠٠، اللقب رقم ١٥٠، وهكذا وهكذا وهكذا.
ويا ريت الأمر وقف عند تضخيم الأرقام، سواء فعلية أو أى كلام، دا حصلت أمور تانية أخطر، خلينا نتكلم عنها فى مقال قادم إن كان لينا عمر.