جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هرج.. قصة تشيخوف عن الكرامة

تشيخوف
تشيخوف

الكرامة هى الأهم على الإطلاق. كما أنها لا تتقيد بالمكان أو الزمان أو أعمار الشخوص، هذا ما أراد تشيخوف قوله فى قصة هرج، والهرج هو الجلبة فى المكان، حيث بدأ تشيخوف قصته من دخول الفتاة ماشنكا الفقيرة التى تدرس فى المدينة وتقيم فى بيت سيرجينتش، وجدت ماشنكا هرجا ومرجا فى بيت السيد حين عودتها من المدرسة، الخدم يهرولون بينما زوجة السيد أو بمعنى أدق سيدة الدار تتمتم وتصول وتجول وتسب الخدم والبواب دون أن يرد عليها أحد، أما زوجها النحيل المستكين يبدو غاضبا من تصرفاتها لكنه لا يقوى على فعل شىء، فقط يروح ويجىء خافضا رأسه دون أن ينبس ببنت شفة، دخلت ماشنكا غرفتها فوجدت الخادم قد بعثر أغراضها، فسألته عن السبب فقال: بروش السيدة سرق والسيدة غاضبة لذا فتشتنا تفتيشا ذاتيا، بكت ماشنكا وقالت: وأنا مالى وهذا الأمر هل أنا سارقة؟.

خرج الخادم من غرفتها فألقت بجسدها الصغيرة على سرير نومها، وتمنت لو أن السيدة المتغطرسة أصابها الفقر، وجاءتها متسولة، كما حلمت لو أن ميراثا هبط عليها من السماء، لتشترى سيارة وتمر بها من أمام المتغطرسة لتحقد عليها، حلمت بأشياء كثيرة كانت كلها محض خيال، وقالت فى نفسها ليس لى إلا الرجوع وترك الدراسة والعودة إلى قريتى الفقيرة وأهلى المعدمين، طرق الخادم باب غرفتها وطلب منها أن تخرج لتناول الغداء، على ترابيزة السفرة كان الكل واجم ليس هناك صوت إلا صوت الملاعق وطحن الطعام، قالت السيدة: كلكم لصوص حتى يظهر لى السارق، هل هذا جزاء إحسانى لكم؟!

قامت ماشنكا غاضبة ودخلت غرفتها وبدأت فى ترتيب حقيبتها، وبينما هى تجمع أغراضها دخل عليها سيرجينتش وقدم اعتذاره نيابة عن نفسه وعن زوجته، وقال لها لا ترحلى رجاء لا يمكننى البقاء بدونك، غير أنها لم تتوقف عن جمع أغراضها، فبكى وقال لها هل يكفيك أن أجلس أمامك على كرسى الاعتراف لتبقى معنا، نعم أنا سرقت البروش هو ملكى كما أن البيت والأرض والثروة كلها لى وليست لزوجتى المتغطرسة التى تعاملنى أقل من معاملة الخدم، اعترف أمامها ثم انصرف وكله يقين أن اعترافه سيكون كافيا لبقائها، بعد خروجه بنصف ساعة كانت ماشنكا فى الطريق.