جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قراءة في عقل سفاح الجيزة.. «مجرم محترف أم عقدة من النساء»

سفاح الجيزة
سفاح الجيزة

لم يكن يخطر ببال أساتذة كلية الحقوق التي تخرج فيها «قذافي» قبل 27 عامًا، أن طالبًا من بين الجالسين أمامهم ليستمعوا إلى مواد القانون المصري من أجل الدفاع عن الآخرين، سيُصبح يومًا مُجرمًا في قضية تشغل الكثيرين في مصر وخارجها، ويحمل لقبًا يُفسر جرائمه التي ظل سرها مدفونًا معها لسنوات في باطن الأرض، قبل أن تلفظها العدالة، لينكشف ضحاياه واحدًا تلو الآخر، ويعرفه الجميع بعدها بـ«سفاح الجيزة».

4 ضحايا من بينهم زوجته وصديقه، إضافة لفتاتين سقطتا في شِباكه بعد أن أوهمها بحبه لهما.. اختلفت قصص الضحايا في تفاصيلها وجغرافيتها، وفواصلها الزمنية، غير أن رابطًا واحدًا كانت تلقي فيه، بمشهد نهاية يحوي حفرة عميقة تحتضن جثمان الضحية، ومواد خرسانية تُغطي سره تحسبًا من أن ينكشف برائحة تحلل الجسد.

سنوات طويلة قضاها اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، في الجهاز الأمني بالبلاد، عاصر خلالها مئات الجرائم التي جعلته بمجرد سماعه لتفاصيل قضية «سفاح الجيزة» يعتقد أن مرضًا نفسيًا ناتجًا عن صدمة تعرض لها الجاني، وراء التحول الذي طرأ في حياته، مرجحًا أن تكون الصدمة هذه بأيدي امرأة، ما جعله ينتقم من النساء، كون ثلاثة من ضحاياه الأربعة؛ سيدات، متساءلًا: لماذا يدفن الضحية بحُليها الذهبية!.. بالتأكيد ينتقم.

في علوم الجريمة، لا يوجد شيء اسمه تعدد في جرائم النفس، والجاني الذي يقتل لأكثر من مرة، لا يُمكن أن يكون شخصًا سويًا، فحياته بالتأكيد تحوي شيئًا ما سبق إصابته المرض النفسي الذي هو فيه.. «قد تكون امرأة خانته، أو تسببت في أذى شديد له» ـ يقول اللواء نور الدين.

يرى رجل الشرطة السابق والخبير الأمني، أن «قذافي» يُعد شخصًا شديد الخطورة، من واقع تخطيطه وتنفيذه لجرائمه، وهذا النوع من الجرائم يتم دراسته من قِبل الأجهزة الأمنية، والتنسيق مع معهد العلوم الجنائية والاجتماعية، ووضع توصيات، لتجنب بوادر ظهور المرض النفسي، ليتم لحاق الشخص الذي يعاني من ذلك بالعلاج، والتوعية بأنه ليس وصمة عار، فالمرض النفسي مثل الانفلونزا يمكن علاجه.

«قذافي» صاحب العقدة في تحليل اللواء نور الدين، يراه الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام والمحامي بالقضاء العالي، مُجرمًا محترفًا، مستندًا لما وصفه بالتحليل النفسي والاجتماعي والقانوني لقضيته، يعلم جيدًا حقيقة ما يفعله، فالجريمة بالنسبة له لم تكُن اعتداءً على الأرواح وإراقة دماء فحسب، بل أنه كان يُخطط جيدًا لجرائمه، ولكيفية التستر على هذه الجرائم، وكيفية الحصول على الأموال التي يحصل عليها من ضحاياه الذين يُوقع بهم.

ارتكابه عِدة جرائم، نصب واحتيال وقتل واعتداء على حُرمة الموتى، إضافة لانتحاله لأكثر من صفة، وقتله صديقه وانتحاله اسمه واستخدامه في ارتكاب جرائم أخرى، هذا يعني أنه يعرف جيدًا ما الذي يفعله، ويُخطط بشكل جيد لجرائمه، ويعرف كيف يستخدم الحيل من أجل دفع الآخرين للخطأ، ويدفعهم للتعامل معه، ثم ينصب عليهم ويتحصل على أموالهم، ثم يتخلص من الضحية إذا ما أُكتُشف أمره ـ يقول مهران، مُرجحًا أن يكون الإعدام هو مشهد النهاية في حكايته، استنادًا لنص المادة 32 من قانون العقوبات فيما يتعلق بالتعدد في الجرائم، ويُعاقب فيها بعقوبة الجريمة الأشد.

تحليل الشخصية من وجهة النظر الأكاديمية، التقت كثيرًا مع التحليل الأمني، فالدكتورة سامية قدري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، رأت أن «سفاح الجيزة» ذو شخصية غير سوية، معتقدة أنه مرّ في حياته ببعض المشاكل النفسية والاجتماعية التي جعلته هكذا.

«إذا ما سلطنا الضوء إلى حياته السابقة، بداية من طفولته، سوف نجد بالتأكيد أنه عانى من مشكلات اجتماعية وقد تكون المرأة سببًا أساسيًا في هذه المشكلات.. الأم.. زوجة الأب، أو الزوجة.. مرّ بأحد أشكال القهر في حياته.. أي إنسان يصل لأن يكون سفاح، لابد أن يكون في حياته ما قاده لذلك» ـ تقول أستاذ علم الاجتماع، مضيفة أنه قد يكون تأثر بالدراما، ويستلهم القصص من خلالها، متابعة: هذه الحالة تحتاج لدراسة جيدة من أجل أن نصل إلى طبيعة حالته، بأن يُعرض على أخصائي نفسي، بحيث يبصر المجتمع والعدالة بكيفية أن يصل الإنسان لهذا الطريق.