جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الموت الرحيم».. «سرطان» الخلافات الداخلية ينهش تاريخ الإخوان

الإخوان
الإخوان

الخلافات في الجمعات المتأسلمة هي أخطر عليها من رصدها أمنيًا، فأي خلاف في الداخل يصبح شبيه بالخلية السرطانية يهدد البنيان بالكامل ويزعزع بقائه، وفي تاريج جماعة الإخوان الإرهابية تحديدًا العديد من التصدعات التي خلخلت قواعدها وغيرت دستورها الحاكم، وجُل ما أزم الداخل كان ما حدث بعد ثورة 30 يونيو، وتدريجيًا صعدت إلى السطح، ما أدى إلى تفككها لعدة كيانات خارجية وداخلية، تتصارع فيما بينها من أجل السيطرة على قرار التنظيم وموارده، الأمر الذي يمهد في لـ"موت رحيم" أو واقعيا لانتحار الجماعة.

- إبراهيم منير قائم بأعمال مرشد الجماعة أكبر خلافات الإخوان

أخر وأكبر إرهاصات هذه الخلافات، رفض قطاعات واسعة من الجماعة قرار تعيين القيادي إبراهيم منير، نائب المرشد العام، وأبرز قادة التنظيم الدولي، قائما بأعمال المرشد، عقب اعتقال القائم السابق بالأعمال محمود عزت، لكن سبق ذلك أكثر من موقف هدد الكيان واستمرار بقائه لاسيما في الخارج الذي يعد الدرع الحصين ضد إنهاء تواجد الإخوان بالكامل، وكان أشهر خلاف ترأس محمد كمال ما سمي (اللجنة الإدارية العليا)، منذ تأسيسها في فبراير 2014، بهدف إدارة شؤون الجماعة، عقب اعتقال معظم القيادات العليا.

ومنذ توليه هذا المنصب، تصاعد الخلاف بينه وبين النائب الأول لمرشد الإخوان، القيادي محمود عزت، والخلاف لم يكن عقائدي كعادة الإخوان، حيث كان حول طريقة إدارة شؤون الجماعة في مرحلة ما بعد اعتقال القيادات، ووصل هذا الخلاف لذروته أواخر عام 2015، حين أصدر نائب المرشد قرارًا بإقالة جميع أعضاء لجنة كمال، وتعيين آخرين.


- "القتل والدم".. سلاح موازي للإخوان للبقاء على السطح

يرجع الخلاف لرؤية القيادي الراحل محمد كمال، بشأن اللجوء إلى ما أسماه (العنف الثوري)، وهو التوجه الذي قام بتدشينه فعليًا أوائل عام 2015، عبر تشكيلات مسلحة عديدة، منها (حركة حسم) و(لواء الثورة) وغيرها.

وأدت هذه الخلافات إلى استقالة "كمال" من عضوية مكتب الإرشاد في مايو 2016، ومن أية مناصب إدارية أخرى داخل الجماعة، وشرع في تأسيس جناح إداري خاص به ومنفصل عن الجماعة، تمت تسميته (المكتب العام)، وظل هذا الوضع قائمًا حتى قُتل "كمال" خلال اشتباك مع الشرطة أثناء إحدى المداهمات في أكتوبر 2016، وشكلت وفاته المفاجأة، لتكون نقطة انطلاق جديدة في مسار الصراع الداخلي في جماعة الإخوان.

ظهر هذا جليًا، من خلال ردود الفعل التي تلت مقتل كمال في صفوف قياديي الجماعة ونشطاءها، فعقب صلاة الجنازة التي أقامها الإخوان في تركيا، وشهدت انقساما واضحًا بين المعسكر الموالي لـ محمد كمال، والمعسكر الموالي لمحمود عزت، صدرت عدة بيانات من نشطاء بارزين في الجماعة، تهاجم محمود عزت وإبراهيم منير، منهم مؤسس شبكة (رصد) عمرو فراج، وعز الدين دويدار، كما تشكلت جبهة من شباب الإخوان، أتهمت صراحة المعسكر الموالي لمحمود عزت، بالتورط في عملية التبليغ عن مكان تواجد القيادي الراحل محمد كمال، ورغم أن كمال لم يكن مؤثرًا إلا أن طريقته المسلحة كانت تلاقي ترحيبا من الشباب خاصة من شارك في اعتصامي رابعة والنهضة، فنصبونه "وليا" يثأر لدمائهم.

- المرشد يحاول أن يواري الخلافات بتسميتها إصلاحات داخلية

صدى الخلافات الداخلية داخل الكيان المتهالك للجماعة الإرهابية، أثر على الدول الحاضنة والتي بدأت بالتدريج في التملص من وجود الإخوان على أرضها وحذرها بكل الأشكال، ولعل أكبر نموذج ماحدث في الاْردن بعد فض الجماعة وإنهاء تمثيلها الحزبي، الأمر الذي دفع نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير للظهور لأول مرة إعلاميا بعد القرارات التي اتخذها بإعادة هيكلة جماعة الإخوان المسلمين وإلغاء منصب الأمين العام وتأسيس لجنة معاونة لاتخاذ القرارات.

وأكد منير أن تلك القرارات االمتمثلة في الانتخابات واختيار قيادات جديدة عجل بها اعتقال الدكتور محمود عزت، حيث جاء وقت تنفيذ توحيد العمل وإعادة تكليف الإخوان في الداخل والخارج، وجاء الترتيب ليعلم إخوان الداخل أن الجماعة ما زالت موجودة وليعلم النظام أيضا أن الجماعة لم تمت.

وأوضح منير أنه لم تكن هناك إزدواجية في اتخاذ القرار، وكان محمود عزت له الكلمة الفصل في أي خلافات وكان هو من يحسم القرار وما حدث هو ترتيب للصفوف والعمل.

- الإخوان.. لا عزيز لديهم وتخلوا عن مرسي بعد وفاته لحصد منافع شخصية

لكن كل هذا مجرد محاولات لإخفاء خلافات تمهد لوأد الجماعة الإرهابية نهائيًا، أهمها موقف إبراهيم منير من ملف الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي عبر عنه في مكالمة هاتفية، بينه وبين المقاول الهارب في إسبانيا محمد علي، وقال خلالها إن ملف مرسي (قد مات بموته)، وهذا استدعى ردود أفعال غاضبة من شباب الإخوان وبعض الوجوه البارزة فيها، مثل عمرو عبد الهادي.

محمود حسين، كان قاسمًا مشتركًا في كل الأزمات التي حدثت للجماعة منذ 2014، فبالإضافة إلى دوره في حل مجلس شورى الجماعة في تركيا، ومكتب إدارة الأزمة، وكذلك دوره في حل اللجنة الإدارية العليا التي يرأسها القيادي الراحل محمد كمال، وملف الفساد المالي الذي كشف عنه القيادي أمير بسام، تتهم قطاعات شبابية إخوانية، محمود حسين، بالتضييق على شباب الإخوان المعارضين له في تركيا، ورفض استقبال أعداد منهم، كانت توجد سابقا في السودان.

تفاقم الانقسامات الحالية داخل الجماعة عبر عنه بشكل دقيق، القيادي بها عصام تليمة، الذي نشر فيديو مطولا، يتحدث فيه عن (لجان إلكترونية)، تمولها القيادات التاريخية الحاكمة للجماعة، تستهدف كل صوت يعارض للجبهة الحاكمة الحالية، أو يحاول توجيه انتقادات إلى إبراهيم منير أو محمود حسين، أو أي قيادي موالي لهما.

وأشار تليمة في هذا الفيديو، إلى دور محمود حسين في شق صف الجماعة، عن طريق حل الكيانات الإدارية الأخرى للإخوان في تركيا، وعزل القيادي الراحل محمد كمال ولجنته.