جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

التحرش


مُعقّد هذا العالم. معقد بـ ما فيه الكفاية، كل ملف له ستين وجه، وفيه آلاف الحكايات، وكل حكاية ليها ستين رواية. مليارات البشر عايشين، مضطرين إنهم يتعاملوا مع بعض، ويتعايشوا فى وجود بعض.
عالم معقد، ومفيش أى وسيلة لـ تبسيطه، بـ حيث تكون الأمور واضحة، والسبل ممهدة، والفرص ممكنة، لا ينقصها إلا الاختيار والاجتهاد، إنما غصب عن الواحد، بـ يهتم ويتأثر بـ ملفات مطروحة، هنا بقى، بـ تلاقى نفسك فى وش تحدى، أكبر من تحدى تعقيد الحياة، وهو كيفية التعامل مع القضايا، بينما مستوى تفكير معظم الناس، على هذا القدر من السوء.
تعالى ناخد التحرش كـ نموذج، مبدئيًا كدا، لما تشوف الناس إزاى بـ تفكر، فى تحديد المشكلة، لما تفكر فى أى موضوع، من غير ما تعمل له «حدود»، يبقى تفكيرك سيئ، أيًا كان موقفك، حتى لو إنت «صح»، القصة مش صح وغلط، مش حق وباطل، التفكير بـ الطريقة دى، هـ يتسبب لى يومًا ما فى جلطة.
تعالى نحدد المشكلة، ويبقى أنا لى «تحديد»، وإنت ليك «تحديد»، ونتناقش فى الحدود اللى أنا راسمها، والحدود اللى إنت راسمها، ونوصل لـ صيغ.
إنما الناس، عايزين يناقشوا الموضوعات كلها فى المطلق، فى الفراغ، وكل شىء أو لا شىء، ويا إما العالم يمشى على مزاجى بـ الظبط، يا إما يبقى عالم ظالم مفترى، بـ التالى، يبقى «من حقى» التعاطى معاه، بـ كل ما أوتيت من قوة أو نفوذ أو حيلة، ونفضل ناكل فى بعض، بينما المشكلة نفسها عمالة تتفاقم وتضغط وتستمر وتستمر وتستمر.
مبدئيًا، هل «المشكلة» تتعلق بـ الوصول إلى النمط الأمثل لـ العلاقة بين الرجالة والستات؟ لأ. هل تتعلق بـ سؤال: كيف تكون المرأة مبسوطة ومرتاحة ومتحققة؟ لأ. كيف نصل إلى التطبيق الأمثل لـ شرع الله على الأرض؟ لأ.
ليه كل دا، وغيره، لأ؟.
أولًا، لـ إنه كل دى أمور نسبية مش ممسوكة، اللى يريح الست دى، غير اللى يريح دى، واللى يحقق س ما يحققش ص، وشرع الله عند فلان غير شرع الله عند علان.
ثانيًا ودا الأهم، فيه فرصة قدام كل إنسان، إنه يعيش حياته، محققًا إجاباته عن تلك الفروض، فى إطار حياته الشخصية، مش لازم كلنا يبقى عندنا نفس الإجابة.
أومال فين «المشكلة»؟ المشكلة المحددة كما أراها، تتعلق بـ «الأمان»، بـ إنه فيه مواطنين، الأغلبية الكاسحة منهم ستات، مش قادرين يعيشوا حياتهم العادية جدًا، الطبيعية جدًا، فى الشارع، فى الشغل، فى الأماكن العامة، وأحيانًا فى البيوت، نتيجة إنهم بـ يتعرضوا لـ اعتداءات واضحة مباشرة، من مواطنين تانيين.
هذه الاعتداءات، من كمها وكيفها، كفيلة بـ إنها تعوق حياة المواطنين، تعوقها بـ معنى تعوقها فعليًا، مش بـ المجاز ولا بـ شكل معنوى أو تقديرى، اللى هو نزول الشارع بقى مخاطرة، ركوب المواصلة بقى مخاطرة، مش هـ أكلمك عن الشغل والمدرسة وخلافه.
دى المشكلة «كما أراها»، المشكلة اللى محتاجة «حل»، وحل عاجل وحاسم، لو عندك «تحديد» مختلف لـ المشكلة، حقك، ونتناقش، بس خلينا فاكرين، إنى مش بـ أتكلم عن جذور المشكلة، ولا تحليلها، ولا إطارها الاجتماعى والسياسى والتاريخى والدينى والطبقى.
خلينا الأول نعرف إحنا بـ نواجه إيه؟ بـ المناسبة، تحليلى أنا الشخصى لـ ظاهرة التحرش وجذورها وخلافه، التحليل اللى هو مش مهم بتاتا، مختلف خاااااالص عن المطروح، إنما تفيد بـ إيه التحليلات، وقت شبوب الحريق، بعد ما تسيطر ع الوضع، هـ يكون فيه أهمية لـ التحليل والتفكير، إنما وقت الحريق، الأولوية المطلقة لـ المطافى.
خلينا فى مقالات جاية نكمل الكلام، وابقوا معنا.