جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«رسائل الـOther».. لماذا تفشت ظاهرة التحرش في مجتمعنا؟

التحرش
التحرش

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية بقضايا التحرش المختلفة، وآخرها كانت لشاب اتهم بالتحرش بعدد كبير من الفتيات الأمر الذي أثار ضجة بين رواد السوشيال ميديا بحثًا عن سبب تفشي هذا السلوك الذي لم يعد منحصرًا في الشارع فقط.

وبناءً عليه تقدم المجلس القومى للمرأة ببلاغ إلى النائب العام فى واقعة التحرش لحماية الفتيات بصفة عامة، فيما أشار المجلس إلى أنه يعمل على تشجيع الفتيات المصريات على التقدم ببلاغات حال تعرضهن إلى حادث تحرش لفظي أو جسدي.

تروي مايا جميل، فتاة تعيش في لندن، أنها تعرضت إلى التحرش من خلال رسائل صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، موضحة أنها قامت بكتابة منشور على إحدى مجموعات المساعدة التي تضم عددا كبيرا من المصريين مع بدايات أزمة انتشار فيروس كورونا في العالم.

وأضافت: "مضمون البوست اللي كتبته كان عرض مساعدة لأي مصري في لندن مش عارف يرجع مصر أو مش لاقي مأوى له في لندن، وكتبت نصًا إن اللي بيواجه مشكلة في المأوى يبعتلي وأهلًا به في بيتي أو هحاول أوفرله مكان هو وأسرته".

تابعت خلال حديثها لـ"الدستور": "انهالت التعليقات المتجاوزة على هذا المنشور، فضلًا عن أضعاف تلك التعليقات برسائل موجهة لي على صفحتي، وناس بتشتم إزاى استقبل حد في بيتي، وناس بتتحرش لفظيًا بسبب قيامي بعرض هذه المساعدة".

ولفتت إلى أنها كانت تريد عمل الخير في ظل أزمة عالمية، ولم تكن تتخيل أن يتحول الأمر لواقعة تحرش يتحدث عنها الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ساعة من كتابة المنشور، مشيرة إلى أنها مسحت المنشور بعد ساعة فقط من كتابته.

"التحرش جريمة أخلاقية" حملة توعوية جديدة أطلقها مجمع البحوث الإسلامية، من أجل مواجهة ظاهرة التحرش التي انتشرت بين فئة تفتقد لمعاني الإنسانية والشهامة والمروءة، وذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.

لم تكن "مايا" الفتاة الوحيدة التي تم التحرش بها لفظيًا من خلال رسائل الانترنت، هناك آية على، طالبة، تقول أنها أنشأت حسابا لها على إحدى تطبيقات الترفيه التي تتلقى فيه الرسائل من دون معرفة من المرسل، مؤكدة أن الغرض من هذا التطبيق هو إرسال رسائل داعمة وكلمات تشجيع، خاصةً وإن الكثير منا لا يستطيع التعبير عن مشاعره بصراحة، لذا تظهر الرسالة من دون اسم.

أكدت "آية" أنها لا تضيف سوى أصدقائها المقربين لها على حساب "فيسبوك"، فهو ليس به الكثير من الأصدقاء سوى أصدقاء الجامعة والسكشن وأقاربها، موضحة أنها بعدما أطلقت منشور هذا التطبيق، تلقت عليه رسائل داعمة، والكثير من رسائل التحرش، مشيرة إلى أنها لم تتفاجئ أن كون الرسائل تضمنت تجاوزا إلى هذا الحد، بقدر من أن يكون مرسل هذه الرسالة من أحد أقاربها أو أصدقائها في الجامعة.

أدركت "آية" بعدما أغلقت هذا التطبيق وقررت عدم فتحه مرة أخرى، أنه ليس هناك أي آمان في أي شخص في الدنيا، ومهما كان تجمع الأشخاص سنوات من الصداقة، فهذا ليس كافيًا لأن يحظى الصديق أو القريب بالثقة.

أما ريم سعيد، فتاة ثلاثينية، ذكرت أنها منذ عمل حساب على موقع "فيسبوك" وهي نشطة على المجموعات الخاصة بالبنات التي تهتم بالفاشون والموضة وغيره من اهتمامات البنات، مشيرة إلى أنها دائمًا ما تنشر بوستات الاهتمام بالصحة والمظهر الجيد وسلوكيات التعامل، ويتفاعل مع تلك المنشورات الكثير من الناس وليس بنات فقط.

وتضيف: "بدأت أتلقى رسائل تحرش وتجاوزات على صفحتها الخاصة، والمشكلة أنها كانت من حسابات وهمية لا يوجد عليها اسم واضح أو صورة شخصية، في بادئ الأمر كنت بعمل حظر على الحساب وخلاص، ولكن الموضوع تزايد بشكل كبير لدرجة تفوق الاحتمال".

أشارت إلى أنها كانت تتلقى يوميًا رسائل تحرش بصيغ مختلفة، قررت بعدها غلق الحساب وصفحة الموضة التي كانت تنشر النصائح عليها، إلى أن أصبحت الآن شخص يتابع الأخبار مثلها مثل أي شخص، ملفتة إلى أنها لم تسلم بهذه الطريقة ولا تزال تتلقى تجاوزات لفظية على رسائل صفحتها.

في هذا الصدد أوضح الدكتور أحمد الشرقاوي، أستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، في حديثه مع "الدستور"، أن قضية التحرش هي مسؤولية تقع على عاتق كل من الفتاة والشاب، وكل منهما يجب عليه المثول إلى السلوكيات العامة بالمجتمع الذي يعيش فيه واحترام عقائد وراسخ البيئة الشرقية.

وأضاف "الشرقاوي" أن الشاب عليه عدم التعدي على حرية الآخرين واحترام الغير وغض بصره فضلًا عن تقويض غرائزه والسيطرة عليها، فيما يجب على الفتاة أيضًا عدم المبالغة في زينتها وملابسها ومراعاة سلوكياتها مع الغير، حتى لا يُخرق النظام العام للبيئة والمجتمع الذي نعيش فيه.

أكد أنه يجب أن يكون دور الأسرة حاضر بقوة للحد من هذه الظاهرة التي تتفشى يومًا بعد يوم في المجتمع، وذلك من خلال ضبط سلوكيات أولادهم من الفتية والفتيات، والرجوع إلى ديننا الذي يدعو إلى العفة والاحتشام واحترام الغير وعدم مضايقته لفظيًا أو جسديًا.