جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نبيل فاروق: لن أكشف حقيقة «رجل المستحيل» ما دمت حيًا

نبيل فاروق
نبيل فاروق

على الرغم من أنه كاتب الخيال العلمى الأشهر فى مصر والوطن العربى، وصاحب شخصية «أدهم صبرى» التى دخلت ملايين البيوت، يرى الكاتب نبيل فاروق أن هذا النوع من الأدب لم يسر فى الطريق الصحيح.
وتمنى «فاروق»، فى حواره مع «الدستور»، أن يرى عملًا يستند إلى أسطورة مصرية مثل «النداهة» أو «إيزيس وأوزوريس»، بدلًَا من «المسوخ» التى نراها فى الأفلام الأمريكية، معترضًا على حبس شخصيته «رجل المستحيل» فى «أدراج الرقابة»، رغم أنها «قادرة على تدعيم الوطنية وتمثيل مصر فى الخارج».


■ بداية.. كيف تُقيّم مسيرة أدب الخيال العلمى فى مصر؟
- سبقنى فى كتابة أدب الخيال العلمى مصطفى محمود ونهاد شريف وصبرى موسى وغيرهم، لكننى أصبحت الأكثر شهرة وانتشارًا بسبب سلسلة «ملف المستقبل».
وأرى أن الأزمة الحقيقية التى تواجهنا فى هذا المجال هو التأثر بـ«الخيال العلمى الأمريكى»، القائم على فكرة «الإبهار»، بعكس ما أعتقده من أن الخيال العلمى يعتمد على «الفكرة» أكثر من «الإبهار»، فمن الممكن ألا يحتوى على تأثيرات بصرية من الأساس.
لذلك أعتقد أن مسلسل «النهاية» مثلًا، الذى عُرض فى رمضان الماضى، عابه أخذ «الشكل الأمريكى»، وكونه مزيجًا بين الشخصيتين الهوليوديتين «ترمنيتور» و«روبوتيكا»، و«الروبوت الشرير» هو فكرة أمريكية بحتة، وكذلك «العالم المتماثل» فكرة أمريكية أيضًا.
وما زلت أحلم وأتمنى إنتاج أول عمل خيال علمى مصرى الطعم واللون والرائحة، وقائم على الكثير من أساطيرنا الشرقية التى يصلح تحويلها إلى أدب خيال علمى، مثل «النداهة» فى الأدب الشعبى، وقصة «إيزيس وأوزوريس» فى مصر القديمة، و«جلجامش» و«بيجاسوس» فى الأساطير الإغريقية.
وللأسف لم نعرف كيف نوظف تلك الشخصيات الأصيلة فى أدب الخيال العلمى، حتى أصبحت جميع القصص والأفلام التى نقرأها ونشاهدها «مسوخًا أمريكية»، ولم نصل لـ«الإبهار الأمريكى»، ولم نصنع منتجنا المصرى الأصيل.
■ ما الفارق بين «البطل الرمز» فى الخيال العلمى ومسلسل «الاختيار» مثلًا؟
- هناك فارق كبير، فالشهيد العظيم أحمد صابر منسى شخصية حقيقية، وكان لا بد من صناعة عمل فنى يوثّق قصة حياته التى تدعم مشاعر الوطنية لدى الجماهير، أما شخصيات الخيال العلمى فهى دراما وليست توثيقًا.
فحجم الدراما المصنوعة فى مسلسل «الاختيار» لا تتعدى ٥٪ من السيناريو، لأنها قصة حقيقية لبطل من أبطال القوات المسلحة ضحى من أجل مصر، لذا كان أشبه بفيلم توثيقى متقن، وتحقق عامل الإبهار، لأن الجمهور لم ير عملًا مثل هذا من قبل، إلا بشكل جزئى فى فيلم «الممر» مثلًا.
■ لماذا لم تفكر فى كتابة سير ذاتية عن أبطال حقيقيين؟
- حمدى مصطفى، الناشر الخاص بى، قال لى نصيحة شكّلت مسيرتى، وهى: «أريدك أن تكون مثل النار لا الانفجار، لأن الانفجار ينتهى أما النار فتتوسع». وأقصد بذلك أن نجاح دراما التوثيق دائمًا ما يرتبط بأهمية البطل الحقيقى، لا الكاتب، لذا يحرص الكتّاب على أن يصنعوا حبكاتهم الخاصة التى تخلد أسماءهم.
وفيما يخص الأعمال الوطنية، أرى أن هناك متسعًا كبيرًا للإبداع، لكن للأسف يحرص الجميع على أن تكون كل القصص من الملفات الرسمية، رغم أن هناك تجارب ناجحة جدًا فى عالم الأفلام الوطنية لم تكن من الملفات الرسمية، مثل فيلم «إعدام ميت»، فهى دراما لا يمكن أن تكون حقيقية، ورغم ذلك حققت المرجو منها.
وهناك أيضًا «نيكيتا» أشهر فيلم عن الجاسوسية، فهو مأخوذ عن رواية، كما أن سلسلة «جيمس بوند» ليست حقيقية، ورغم ذلك نجحت وصنعت دعاية كبيرة للمخابرات البريطانية. لذا أرى ضرورة أن نفسح المجال للخيال، وألا نتسبب فى اندثار السير الشعبية المهمة مثل «سيف بن ذى يزن» و«ذات الهمة» و«علاء الدين» و«على بابا».
ويمكننا أن نصنع شخصية خيالية وتكون أكثر نجاحًا ودعمًا للروح الوطنية من السير الذاتية، وأتساءل الآن: لماذا سيرة شخصية مثل أدهم صبرى تظل إلى الآن حبيسة أدراج الرقابة؟ فهى لم توافق ولم ترفض، ولا أعرف السبب حتى الآن.
نحن نحتاج لتغيير الفكر، فهناك شعبية كبيرة لـ«رجل المستحيل»، وكل بلد أذهب إليه أصادف مئات البشر المحبين لشخصية بطل السلسلة «أدهم صبرى»، وأرى أنه سفير لمصر فى كل مكان، لذلك أعتبر أن وقف مشروع تحويله لفيلم أمر غريب.
إجمالًا، لا يمكن أن نمنع الخيال لصالح الحقيقة، والأفضل أن نفسح المجال للاثنين، ففيلم «رد قلبى» مثلًا ليس حقيقيًا لكنه قدّم رسالة وطنية عظيمة.
■ رشح كثيرون أمير كرارة ليقدم «رجل المستحيل» عقب نجاح «الاختيار».. ما رأيك؟
- أرى أن أمير كرارة يصلح لتجسيد دور «رجل المستحيل»، لكن الأهم بالنسبة لى هو المخرج وليس البطل، فكثيرون رشحوا لى كريم عبدالعزيز أو محمد إمام، خاصة بعد فيلم «لص بغداد»، ولا أرى أزمة فى أن يكون كل هؤلاء «رجل المستحيل»، لكن الأهم هو المخرج. ولأوضح الفكرة، إذا نظرنا لشخصية «جيمس بوند» فقد جسدها شون كونرى، وروجر مور، وبيرس بروسنان، وهذا لم يقلل من الشخصية، لذا يمكن تغيير البطل.
■ كيف كان شعورك حينما مات «أدهم صبرى»؟
- بنيت شخصية «أدهم صبرى» على مدار ٣٤ عامًا، وعندما أنهيت كتابتها تركت الباب مواربًا، حتى تكون عودته للحياة منطقية إن أردت ذلك، لكى أقنع القراء، ولم أستطع قتله، لأننى أعتبر شخصياتى أبنائى.
وإذا نظرنا لتجربة الكاتب أرثر كونان دويل، مبتكر شخصية «شرلوك هولمز»، فحينما قتل «هولمز» ثار عليه قراؤه، فلجأ لإعادته للحياة لكن الأمر كان باهتًا وضعيفًا، لذا لم أقتل «رجل المستحيل».
■ هل ستفصح عن حقيقة «أدهم صبرى» يومًا ما؟
- لا.. لأن الأمر لا يخصنى وحدى، ولأن إعلان اسمه الحقيقى سيكسر إيقاع الشخصية لدى القارئ، فعند مقارنة الشخصيتين سيحدث نوع من التشويش، لكننى أقول إنه قد يكون شخصية معروفة.
■ كتبت مذكراتك وأوصيت بأن تُنشر بعد وفاتك.. هل سنرى علاقتك بـ«أدهم الحقيقى»؟
- الكشف عن أى شىء يخص «أدهم صبرى» الآن سيدخلنى فى صراعات.. أحيانًا لا يصح أن تقول شيئًا ما وأنت على قيد الحياة.
■ ما تأثير التطور التكنولوجى على «دراما الجاسوسية»؟
- لا شك أن دراما الجاسوسية تتغير وفقًا للتطور التكنولوجى، لكننى أؤكد أن البطل سيكون دائمًا أهم من أى تكنولوجيا. البطل هو الذى يفكر، وهو الذى يتخذ القرارات وفقًا للظروف التى يمر بها، والتكنولوجيا أو الآلة عمومًا مجرد وسيلة.
فبدلًا من أن يستخدم الجاسوس «الميكروفيلم» سيستخدم الموبايل، وبدلًا من الحبر السرى سيستخدم وسائل حديثة لنقل الصوت، لكن سيظل الأهم فى الأمر هو قدرة الجاسوس نفسه على اختراق حاجز السرية والوصول للمعلومات.
وأرى أن فكرة الجاسوسية تجاوزت منطقة الحصول على المعلومات، فالآن هناك جواسيس مهمتهم الرئيسية إثارة البلبلة ونشر الفوضى لتخريب المجتمع وبث روح الشك بين أفراده، أو جعل الشعب يكره فئة معينة، وهذا ما فعلته المخابرات الأمريكية فى إيران-على سبيل المثال- وكان اسم الفعل حينها «إدارة أزمة» وليس «جاسوسية»، فالحروب أصبحت بالوكالة وليست بشكل مباشر بين أطراف واضحة.
وهناك جاسوس كان يرتدى جلبابًا أبيض ويربى ذقنه ويفتى للناس فى المساجد، لم يكن مصريًا أو مسلمًا، وهذا تطور فى مفهوم الجاسوسية، التى طالما كانت أسرع من الواقع، وأؤكد أن العنصر البشرى فى قصص الجاسوسية هو الذى يحوز إعجاب الجمهور، وليست التكنولوجيا أو الآلة.
■ هل فكرت فى أن تقدم خبراتك فى الجاسوسية للباحثين؟
- نعم، فلى كتاب يسمى «للجاسوسية فنون»، لكن وصول أفكارى للجامعات لا يخصنى، كما أجهز كتابًا حاليًا يحمل اسم «حروب»، وقد يكون من جزأين، وأناقش فيه ما يتردد على الألسنة دون أن يخرج من الضمائر، فمثلًا أناقش فيه «الماسونية» والفهم الصحيح لها، و«حروب الجيل الرابع»، وأؤكد أن كل ما فى الكتاب حقائق موثقة. انتهيت من الكتاب بشكل كامل، وطرحه فى جزء واحد أو اثنين هو أمر يرجع لدار النشر.
كيف كنت السبب فى أن يصبح أحمد خالد توفيق كاتبًا؟
- فى البداية لم أكن أعلم أن ما يفصل بينى وبين الراحل أحمد خالد توفيق مجرد شارعين، كان فى المدرسة وكنت أنا فى الكلية، ثم أصبحت مدير نشر فى المؤسسة العربية الحديثة، وتوليت مهمة قراءة الكتب الجديدة واختيار ما يصلح للنشر، وفى يوم ما كنت فى إجازة، واضطرت المؤسسة لتقييم مجموعة من الكتب دون وجودى، منها كتاب أحمد خالد توفيق، وللأسف رُفض نشره.
حينما عدت إلى العمل قرأت الكتاب، ورأيت أنه كاتب جميل وموهوب، فقابلت حمدى مصطفى، رئيس المؤسسة فى ذلك الوقت، وقلت له: «إن لم نحظ بهذا الكاتب فسيكون منافسًا قويًا لنا فى يوم ما»، فقال إن قرار الرفض مدعوم بأن العمل ليس كبيرًا بشكل كافٍ للطباعة، فقلت إن الأدب لا يرتبط بعدد الصفحات، وتمت الموافقة على الطباعة للكاتب الراحل.
بعد مرور عامين من تلك الواقعة التقيته، وكان الحديث معه ممتعًا، وكانت رؤانا واهتماماتنا متطابقة فى أمور شتى، وذات مرة جلسنا لمدة ٦ ساعات كاملة فى مكتبى بمنطقة روكسى، وللعلم لم يكن يحب القاهرة.