جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تهانى الجبالى: أكتب مذكراتى قريبًا تحت عنوان «رحلة حياة».. ولم يخطر ببالى لحظة أن أكون قاضية

تهانى الجبالى
تهانى الجبالى

كشفت القاضية الجليلة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقًا، عن عزمها كتابة مذكراتها قريبًا، تحت عنوان «رحلة حياة»، مشيرة إلى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هو الملهم الأكبر فى حياتها، وكوكب الشرق السيدة أم كلثوم هى قدوتها فى الكفاح.
ونفت، فى حوارها مع «الدستور»، ما يتردد عن تدخل سوزان مبارك، حرم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لتعيينها قاضية فى المحكمة الدستورية العليا، موضحة أن المحكمة اخترتها من بين ٢٠٠ سيدة كن مرشحات لنيل ذلك المنصب الرفيع.
كما تحدثت عن الجانبين الإنسانى والشخصى فى حياتها، وذلك لإيمانها بضرورة أن «يخفت الحديث فى السياسة قليلًا، فى مقابل الاهتمام أكثر والتركيز بصورة أكبر على العلم والأدب وغيرهما من الأمور»، معتبرة أننا «بحاجة مُلحة إلى صياغة مشروع فكرى وثقافى نؤسس من خلاله لمرحلة جديدة من الوعى الذى نحتاجه لمواجهة كل الفيروسات التى غزت حياتنا خلال السنوات الماضية».


■ بداية.. لماذا أصبحتِ مُقلّة فى الظهور الإعلامى خلال الآونة الأخيرة قياسًا بالفترات السابقة؟
- أولًا: لا يوجد مجال للمقارنة، فالأوقات التى كنت دائمة الظهور فيها على الفضائيات والصحف كانت «شديدة الفوران»، وحجم الهول والمخاطر التى أحاطت بالدولة المصرية كان كبيرًا، لذا كنت حريصة على استخدام أدوات الإعلام بكثافة أملًا فى حشد الوعى الجمعى للشعب المصرى ضد تنظيم «الإخوان»، وكذلك الحال أيضًا فى الفترات التى كانت تشهد نوعًا من الحوار حول قضية ما مثل مرحلة كتابة الدستور وما تبعه من البدء فى بناء المؤسسات فى مصر.
ومع اكتمال المؤسسات المصرية وعودتها من جديد لم يعد هناك داع للظهور المتكرر، فقط أتكلم عندما تكون هناك رؤية نقدية أسعى لإيضاحها ورأى أرغب فى قوله، فأنا لا أبخل على بلدى بأى معلومة قد تسهم فى دفعه نحو التقدم دفعًا.
ثانيًا: يجب أن يخفت الكلام فى السياسة قليلًا ويعلو الحديث فى الفكر والأدب والعلم، فالآن هى أدوات الوقاية التى يجب أن نستغلها لأجل تشكيل حائط من المناعة وجدار من الوعى يسهم فى تدمير ومهاجمة كل الفيروسات التى غزت الشارع المصرى وعانينا منها خلال السنوات الماضية، سواء على الصعيد السياسى أو الثقافى، ولذلك بعد أن تستقر الأوضاع تمامًا ونعبر الظروف الحالية بأمان وسلام، لا بد أن تكون الثقافة هى مشروعنا القومى الأول.
■ كيف ترى المواطنة تهانى الجبالى أداء الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال سنوات حكمه الماضية؟
- يكفى هذا الرجل نجاحه فى إنقاذ مصر من براثن تنظيم «الإخوان»، وانتشالها من مخطط جهنمى كان يستهدف إعادة تشكيل المنطقة العربية، بالإضافة لذلك يُحسب له إنجازه فى استرداد الدوائر التى تُشكل دوائر الأمن القومى المصرى مثل الدائرة الإفريقية والإسلامية، بجانب براعته فى استرداد نفس الاستقلال الوطنى، ثم يأتى من بعد ذلك عبقريته فى خلق حوار مختلف وجديد بين القيادة والقوى الشعبية، كان الهدف منه النجاح فى إخراج مصر من المأزق الصعب الذى وضعت فيه.
■ هل كان قرار خوضك الانتخابات البرلمانية السابقة مغامرة غير مأمونة العواقب والنتائج؟
- قرار خوضى الانتخابات البرلمانية السابقة لم يكن يمثل لى طموحًا شخصيًا، فقد قررت أن أقود التحالف السياسى لأجل التبشير بميلاد تنظيم سياسى ينتصر للطبقة الوسطى وقوى الإنتاج الممثلة فى اتحاد النقابات المهنية والنقابات العمالية الكبرى وغيرها من القوى التى تُمثل ملح الأرض للشعب المصرى، وأنا سعيدة بتلك التجربة وغير نادمة عليها، لأننى من الشخصيات التى يسبق وعيها السياسى فى كل الأوقات حركتها وقراراتها التى أضعها دائمًا تحت سيطرة وخدمة مصر.
■ بعيون السياسية.. كيف تُقيّم تهانى الجبالى البرلمان المصرى الحالى بعد مرور تلك السنوات على انعقاده واقترابه من فصله الأخير؟
- هذا البرلمان يعكس المرحلة التى تم بناؤه فيها، فعندما يتم تشكيل مجلس نيابى بعد موجتين ثوريتين كبيرتين، فالمؤكد أنه لن يكون الأفضل لأنه يمثل جزءًا من مرحلة انتقالية، لكنه بصفة عامة أدى الدور المنوط به فى حدود المتاح خلال الأوقات الماضية، وخلال الفترات المقبلة فى ظل استمرار الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى حتمًا سنصل إلى تشكيل برلمانى يعادل التوقعات التى نتمناها ونرغبها.
■ لنغلق ملف الحديث السياسى ونبدأ فى الحديث الإنسانى.. كيف كانت حياة الطفلة تهانى الجبالى؟
- قبل أن أجُيب أحب أن أوضح أننى كنت من المحظوظات فى كل مراحل حياتى، فأنا لم أعانِ أثناء طفولتى، ولم يحدث ما يعكر صفو حياتى حينها، لسبب بسيط، يتمثل فى أن الجميع كان مؤمنًا بدورى وبطموحاتى، وكلهم كانوا خير الداعم والسند، وعندما أحاطت بى المخاطر من كل جانب إبان حكم «الإخوان» صمدت الأسرة ووقفت بجانبى.
■ هل راودتكِ الأحلام ذات يوم بأن يسبق اسمك لقب «القاضية»؟
- لم يخطر ببالى ولو للحظة واحدة ذلك الأمر، فقلبى كان معلقًا بحلم واحد ألا وهو العمل بالمحاماة، ولذلك لم أتقدم لمنصب القاضية، لكن المحكمة الدستورية العليا شرفتنى باختيارى من بين ٢٠٠ سيدة كانت مرشحات لنيل ذلك المنصب الرفيع، وهو شرف كبير نلته بغير ما أسعى إليه.
■ باعتبار أن العمل بالمحاماة كان حلمك الأبدى.. هل فكرت فى الاعتذار عن عدم قبول ذلك المنصب الرفيع؟
- المسألة لم يكن فيها اختيار، فتعيينى قاضية بالمحكمة الدستورية كان تكليفًا وواجبًا وطنيًا، و«جاء من عند ربنا»، وهو حق ناضلت المرأة المصرية كثيرًا لانتزاعه، وكان قدرى أن أكون أول من يحقق ذلك الحلم، وبالتالى فلم يكن هناك أدنى مجال للرفض أو الاعتذار.
ولذلك عندما تم تعيينى وجدت أننى أمام تحدٍ آخر وأكبر، يتمثل فى إثبات أحقيتى وأحقية المرأة المصرية فى نيل ذلك الشرف الرفيع، ولذلك اجتهدت بشدة حتى لا يكون حضورى مجرد تمثيل مشرف أو ضيفة شرف.
■ ما رأيك فيما أُثير حول تدخل زوجة الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى ترشيح اسمك وتزكيتك للعمل قاضية بالمحكمة الدستورية العليا؟
- لم يحدث مطلقًا، فالرئيس الأسبق لم يكن يتدخل إطلاقًا فى أعمال القضاء، وكذلك الحال مع زوجته وأفراد أسرته، ومن تحمل عبء طرح اسمى كان المستشار الراحل فتحى نجيب، رئيس المحكمة الدستورية العليا آنذاك، وهو وحده من سعى لإقناع «مبارك» بقرار تعيينى، وكل تلك التفاصيل لم أعلمها إلا عندما رواها لى المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل الأسبق، فيما بعد.
■ كيف كانت الأجواء والانطباعات الأولى داخل المحكمة الدستورية العليا بعد تعيينك قاضية؟
- فى البداية تعاملوا معى باعتبارى مجهولًا قادمًا، فقد كان الجميع يترقب نجاحى من عدمه، لكن تلك النظرة سرعان ما تغيّرت من أول جلسة مداولة، حيث كانت لدىّ شجاعة أدبية فى إبداء رأيى فى العديد من القضايا.
والفضل فى ذلك يعود إلى الخبرات السابقة التى اكتسبتها من عملى فى المحاماة، وعضويتى فى مجلس نقابة المحامين لمدة ١٢ سنة كأول سيدة تصل لتلك المكانة، ووقتها عندما كان يسأل أحد النقيب عنى: «إيه أخبار الست اللى عندك؟» كان يرد: «ست مين؟.. دى بـ١٠٠ راجل».
■ لكن ما الفارق بين عملك فى المحاماة وعملك فى القضاء فيما بعد؟
- هناك فارق جوهرى بين العمل فى القضاء الواقف والقضاء الجالس، فعندما كنت أعمل محامية كان هدفى اقتناص حكم لصالح موكلى، بينما على منصة القضاء يبقى الهدف دائمًا أن تتسق الأحكام مع صالح المجتمع، وتلك هى الفلسفة التى يقوم عليها القضاء الدستورى.
■ أى من الشخصيات تعتبرينها ذات التأثير الإنسانى الأكبر على حياتك ومسيرتك؟
- على المستوى الشخصى أرى والدى ووالدتى صاحبى التأثير الأكبر والأقوى على مسيرتى، فالقيم التى زرعت بداخلى وتربيت عليها كانت بمثابة العمود الفقرى الذى استندت إليه طيلة رحلتى فى عالم المحاماة ومرحلتى التى قضيتها داخل السلك القضائى.
لكن يبقى دائمًا وأبدًا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر هو الشخصية الملهمة لى على المستوى العام، فإلى الآن ما زلت متأثرة جدًا ببعده الإنسانى فى إعادة توزيع الثروة والسلطة فى مصر.
ثم تأتى من بعده السيدة أم كلثوم فهى كانت قدوة كبيرة لشخصى، لكونها سيدة قدمت من أعماق القرية المصرية، ولم تُتح لها فرصة نيل حظها من التعليم، ومع ذلك نجحت فى أن تحجز لنفسها مكانة خاصة، فالمؤكد أنها بحق ظاهرة استثنائية، والاقتداء بكفاحها فخر وشرف، كما أننى لا أنكر أفضال العظيمين الدكتور يحيى الجمل والدكتور فؤاد رياض، فأنا أعتبر نفسى من المحظوظات بالتعلم والدراسة تحت أيدى تلك القامتين العظيمتين.
بجانب هؤلاء يوجد كثيرون أستطيع أن أسرد بصماتهم على مسيرتى، خاصة أن حياتى متعددة المراحل ومتنوعة التفاصيل، وفى كل مكان تواجدت فيه دائمًا ما كنت حريصة على الاستفادة من خبرات الأساتذة الكبار الذين تجمعنى بهم صلات العمل أو حتى الصداقة.
■ الآن كيف تقيمين التطور الحادث فى ملف تصعيد المرأة المصرية لمختلف المناصب القيادية فى كل أجهزة الدولة؟
- بلا شك هناك تطور نوعى كبير فى ملف تصعيد المرأة المصرية خلال الفترة الماضية، فالدستور انتصر لها انتصارًا حاسمًا فى ظل وجود حقيقة لا يمكن تجاهلها، تتمثل فى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أكثر الرؤساء استنارة وإيمانًا بدور المرأة المصرية.
لكن بخلاف كل هذا، فدروس التاريخ تقول إن المرأة المصرية هى دائمًا صاحبة الحضور الأكبر والمشهد المؤثر فى كل القضايا التاريخية التى عايشتها الدولة المصرية، وما زالت تتحمل عبء استعادة الهوية التاريخية للشعب المصرى، وعلى الجميع أن يدرك تلك الحقيقة، فأنا من المؤمنات بالمقولة الرائجة: «اكسبوا النساء أولًا والبقية تأتى».
■ تقولين إن المرأة المصرية تتحمل عبء استعادة الهوية التاريخية للشعب المصرى.. فهل تعتقدين بوجود أمل فى استرداد الموروث الثقافى والحضارى للمصريين من جديد؟
- هناك انهيار ممنهج تم فيما يتصل بـ«الوديعة المصرية»، تلك «الوديعة» التى كانت تتميز بأنها تُؤثر ولا تتأثر، فالسمات التى كانت تُشكل الهوية المصرية من الفن والفكر والوسطية تم اختراقها عن طريق حرب منظمة تُشكل أداة من أدوات الجيل الرابع، وللأسف إلى الآن لم تحدث موجة تحاول مجاراة المرحلة الحالية.
وبالرغم من الوضع الصعب الحالى، فإننى أؤكد أننا بالفعل قادرون على استرداد المردود الثقافى والحضارى، وهذا لن يحدث إلا عن طريق وجود مسئولية لقوى المجتمع عن طريق إعادة تشكيل النخب، وللأسف لا أخجل من الاعتراف بأن النخبة المصرية الحالية، وأنا منهم، من أتعس النخب فى تاريخ مصر.
■ فى سياق الحوار تكلمتِ بإعجاب عن دور أسرتك الكبيرة فى إثراء مسيرتك.. فماذا عن أسرتك الصغيرة الممثلة فى الزوج والأبناء؟
- دائمًا ما أحب أن تبقى أسرتى الصغيرة بعيدة كل البُعد عن الأضواء، وأرفض أن يأتى ذكرها تصريحًا أو تلميحًا، لإيمانى بالخصوصية، وبالرغم من الدعوات التى يطلقها البعض فى ضرورة التحول للنموذج الأمريكى، لكنى لست مقتنعة بذلك، فالخصوصية الحضارية التى يتميز بها الشعب المصرى لا بد أن تبقى وتدوم.
■ ما العنوان الأنسب لمذكرات القاضية تهانى الجبالى؟
- حتى الآن لم أستقر على الاسم، وقريبًا سأبدأ فى كتابتها، وأعتقد أن العنوان الأقرب لها هو «رحلة حياة».

ما أقرب القضايا التى تعتز بها ذاكرتك؟
- ما زلت معتزة جدًا وفخورة بقضية من القضايا التى شغلت الرأى العام فى مصر، وهى قضية الشاب المصرى «أيمن حسن»، الذى كان مجندًا فى القوات المسلحة، يؤدى خدمته العسكرية على حدود سيناء، وعندما حدث بعض الاعتداءات من الجانب الصهيونى على الحرم الإبراهيمى، نفذ عملية استشهادية ضد أتوبيس إسرائيلى لكنه لم يمت. وعندما قُدم للمحاكمة العسكرية صدر الحكم ضده بالإعدام ٣ مرات، لكنى نجحت فى تخفيف الحكم إلى ١٢ سنة قضى منها ٦ أعوام ثم أفُرج عنه لاحقًا، بالإضافة لذلك فمرافعتى فى قضية «ثورة مصر» عن «الشيخ حامد»، أحد المدانين، لا تنساها ذاكرتى هى الأخرى، وبشكل عام لا توجد قضية شغلت الرأى العام إلا وشاركت فيها ولم أحصل فى أى منها على أى «أتعاب».

■ أخيرًا.. هل لديكِ أقوال أخرى؟
- نعم، ما زال عندى من الطموح فى أن أرى بلدى فى أعلى المراتب عالميًا، فذلك الوطن صاحب عبقرية الجغرافيا والتاريخ، لا بد أن يعود من جديد لممارسة الدور الذى اختارته له السماء منذ قديم الأزل كشعب يؤدى دور القائد والملهم والمعلم لكل بلاد وشعوب الدنيا.
فمصر التى قالوا عنها إنها ليست مجرد دولة تاريخية إنما جاءت ثم جاء التاريخ تستحق منا الكثير والكثير، فقط ينقصنا أن نؤمن بأنفسنا لأننا نستطيع ونستحق أن نكون فى المكانة والمقام اللذين يليق بنا وبوطننا، ولذلك دائمًا وأبدًا لا بد أن يكون شعارنا وهدفنا «مصر أولًا وأخيرًا».