«حشرات وديدان».. متى ينتهي مسلسل الوجبات المدرسية الفاسدة؟

في أذهان أربع أجيال بداية من الثمانينات وصولًا بالتسعينات وحتى أول عقدين من الألفية الثالثة، هناك جزء رصين من ذاكرتهم متعلق بوجبة التغذية المدرسية؛ التي تنوعت بين " قطعة جبنة نستو، قطعة حلاوة، بسكويت، برتقالة، رغيف بلدى، علب مربى صغيرة".. تغيرت تلك المفردات من مدراس محافظة لأخرى وتباينت حسب طبيعة الميزانيات المخصصة لها.

مع تغيرها ظلت ثابتة اعتاد الأطفال فى المدارس الحكومية على تسلمها يوميًا معتمدين عليها ثقة في جودتها نظرًا لكونها ممنوحة من الدولة تشرف عليها جهات عدة ما بين التربية والتعليم والزراعة ويشرف على جودتها وسلامتها الصحة.

هناك محافظات بدأت تختفي تدريجيًا الوجبات منها حتى غابت تمامًا، ثم عادت مجددًا، لكن مع مرعاة الدولة على استمرارها وشكلها الصحي، لازمها بعض المشكلات التي عانى منها الطلاب، الذين اشتكوا من وعكات صحية تسببت فيها.

أبرز ما اشتكى منه الطلاب، حوادث تسمم، تكررت أكثر من مرة خلال عامي 2014 و2015، مما أدى إلى وقف توزيع التغذية المدرسية بعدة مناطق أبرزها حادث شمال سيناء حين تسببت ألبان في تسمم 53 تلميذًا ببئر العبد في مارس 2014.

وفي السويس، أكتوبر 2014 توقف توزيع وجبة التغذية المدرسية بعد وقوع 70 حالة اشتباه بالتسمم الغذائى، وفي نفس التوقيت تقريبًا أصابت الوجبات نحو 108 طلاب، أما أسيوط كانت صاحبة نصيب الأسد من الاصابات فى مارس من عام 2017، عندما أصيب 312 طالبًا بمدارس متفرقة بتسمم، عقب تناولهم وجبة تغذية مدرسية، بعدها أصدر وزير التربية والتعليم قرارًا بوقفها.

إن لم تتسب الوجبة في إعياء وتسبب لطلاب كانت دون المستوى المقبول لاسيما مع التلاميذ المعتمدين عليها بشكل أساسي، ومن ضمن هؤلاء محمود السيد طالب مدرسة عبد الحليم السكري بأحدى قرى مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية يروي تجربته مع الوجبة المدرسية، فتتنوع لديهم بين عدة عناصر جميعها من المخبوزات، فتنوعت بين الكعك والمعجنات المحشوة بمعجون التمر أو الزبيب، يذكر أن من الاسبوع الثاني للدراسة في الصف الدراسي الأول بدأ توزيع الوجبات عليهم بانتظام، فاعتمد عليها محمود واخوته الاثنين نظرًا لوفاة والدتها وهي تقلل الكثير من أعباء والدهم الصباحية.

يصف في البداية جودتها بالجيدة، لكن طالب السادس الابتدائي يكمل أن الوجبة في الشهر الثاني كانت تتأخر كثيرًا في الوصول إليهم مما يصبهم بالجوع الشديد وفي أيام أخرى لم تكن توزع لديهم، قسوة الجوع كانت تشعره بالاعياء خاصة أن المدرسة تفتقر لمقصف بيع وجبات خفيفة، توقف عن انتظارها بعد أن تكرر توزيعها عليه في حالة سيئة؛ لم تكن طازجة يبدو أنها مخزونة منذ عدة أيام، والأزمة الأكبر أنه تلقى وجبات عليها نسب عفونة فاستغنى عنها نهائيًا خشية أن يصيبه منها أي ميكروب أو مشكلة بالمعدة، لكن ظلت التكلفة المادية التي يتحملها والده كبيرة لشراء ثلاث طلاب ما بين المرحلة الابتدائية والاعدادية.

بعض المدارس تعتمد في غذائها على كيس بسكويت مع علبة لبن ومن بين الطلاب الذي اعتاد على استلامها حمدي علي طالب بمدرسة الواحة باحدى قرى مركز أبشواي التابع لمحافظة الفيوم، يذكر طالب الصف الثاني الإعدادي أنه يتلقاها منذ المرحلة الابتدائية، لكن العام الماضي اضطر إلى الاستغناء عنها خاصة بعد أن اكتشف بعد فتحها في أكثر من يوم؛ وجود ديدان عالقة عليها.

يذكر أنه اعتمد على اللبن وحده مع مخبوزات يشتريها من احد المخابز لعدة أيام، لكن ساء الوضع أكثر بعد أن استلم العلب وبها رائحة غريبة، ولون السائل يميل للصفرة بطعم ملئ بالمرارة، مما دفعه مع عدد من أعضاء اتحاد الطلبة أن يشتكوا للمدير الذي أنكر أنهم يخزنون الوجبات بل على العكس ان كان هناك فائض نظرًا لغياب عدد منهم فانه يُرمى على الفور أو يوزع على العمال.

بعض وجهات النظر ترى أن الوجبة المدرسية المدعومة ليست بالأمر المهم لكن حسب الأمم المتحدة ودراسة أجرتها على عدة دول حول العالم من بينها مصر، فإن التغذية المدرسية ساهمت فى معدلات الالتحاق بالمدارس وتقليص معدلات الغياب، وتسهم بشدة فى تحسين قدرتهم على التعلم وتحسن من قدراتهم الغذائية وقدراتهم الذهنية والاستيعابية، وحمايتهم من التقزم والسمنة لاسيما انهم محسوبة السعرات متكاملة العناصر الغذائية خاصة لأطفال المدارس الابتدائية تؤثر على معدلات حضورهم للمدرسة وتحصيلهم وناتجهم الدراسي وينعكس على نموهم.

عام 2014 شهد تعاونًا بين منظمة الأغذية العالمية والاتحاد الأروبي الذي قام باعداد مشروع للتغذية المدرسية كجزء من منحة قدرها 60 مليون يورو يقدمها الاتحاد الأوروبي على مدار 40 سنوان في إطار برنامج "تعزيز اتاحة الفرص التعليمية ومكافحة عمالة الأطفال في مصر"، بعد أن رأوا أن توفير وجبة للطالب تقللر من فرص عزوفه عن اكمال المراحل التعليمية خاصة في المحافظات الأكثر فقرًا والصعيد.

في إطار متصل أوضح النائب فايز بركات، عضو لجنة التعليم، أن اجتماعات اللجنة بوزير الصحة تشهد اهتمامًا كبيرًا بمسألة التغذية المدرسية حتى انهم في أكثر من مرة يتناولونها لاختبار مدى جودتها كي لا تتكرر حوادث التسمم، وشددوا على تقليل عدد الوسطاء القائمين عليها منذ التصنيع وحتى الوصول إلى يد الطالب.

وقال: من خلال تجربته تيقّن أهميتها للطلاب، وفى بعض الفترات كانت هناك تغذية تأتى على هيئة وجبات ساخنة، وتعتبر بمثابة حوافز للحضور، وكذلك وسيلة للحماية الاجتماعية فى ظل ارتفاع الأسعار.

لكن لا يظل بعد كل تلك الجهود ملف التغذية المدرسية عالقًا وبه عدة مشكلات مع كل مرة تعاود الدولة توزيعها على الطلاب واخرها من يومين، نشرت إحدى أولياء الأمور صورًا عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تدعي إصابة ابنتها بإعياء عقب تناولها وجبة تغذية مدرسية، مشيرة إلى أنها عندما فحصت العبوة وجدت بها حصوات ورمال وقطع بلاستيك.