جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

من قلب النجع.. «الواحد لما يعتر يقول أخ»

يسري أبوالقاسم
يسري أبوالقاسم

الترابط وصلة الدم عاملان أساسيان في صعيد مصر؛ لأنه مجتمع قبلي بطبيعته، ويبدأ من الشخص ثم الأسرة ثم الرُبع ثم العائلة ثم القبيلة، سلسلة من الوشائج التي تحيط بالشخص في الصعيد.

لذا ليس للمرء حرية الاختيار في الكثير من الأمور التي تجنح إليها نفسه بعيدا عن التقاليد والعادات، إن فعل المرء ذلك تكون العواقب وخيمة جدا عليه من قبل أهله، ذلك لأن سيئته تخصهم جميعا، لأنه ورقة في فرع من شجرة، وليس شخصا مستقلا بذاته لا يتأثر بأخيه أو يؤثر فيه.

في الصعيد دون غيره الحسنة تعم والسيئة تعم أيضا، فإذا قام الشخص بفعل شيء حسن يفخر به قومه أمام الناس ويقولون: "فلان شرفنا"، ويقول الغرباء: "فلان شرف ناسه"، بل ويعيرون به الفاسد منهم الذي جلب لهم المهانة، وإذا قام الشخص بفعل سيئ تلحقهم المسبّة جميعا، وإن لم يشتركوا معه في الفعل، وأن لم يكونوا على علم أو رضا بفعلته التي فعلها من خلفهم.

وفي الصعيد لا يمكن للعائلة أو القبيلة أن تتبرأ من الشخص المخطئ رغم عدم إقرارهم بما فعل وذلك يرجع إلى الخوف من العار أن ينعتهم أهل العائلات الأخرى بالضعفاء الذين تخلوا عن ابنهم، وبهذا يكون الشخص جزء من كل، أو عود فى حزمة لا يمكنه الفكاك منها حتى لا يضعف وتضعف حزمته أمام خصومه، فيكون هو وأهله عرضة للطامعين.

وأول شروط الحفاظ على أعواد الحزمة هي ألا يتنافر المرء مع أقاربه، وأن يتسامح مع أخيه وإن أخطأ في حقه، وإذا ذكر مساوئه يقول له الجمع: "يا أخي الواحد لما يعتر (يتعثر) بيقول أخ"، وفي الصعيد راح الكثير من الشبان بجريرة أقاربهم، فيقول أهل الصعيد: "الواحد يسد لأخوه أو الواحد يسد لواد عمه، أي يُقتل لأن ابن عمه قتل، وبهذا يكون الأخ الصالح جالبا للنفع الشخصي، وجالبا للشر والموت في الوقت نفسه.