جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«فيها لأخفيها».. من مفردات الحارة المصرية

 الحارة المصرية
الحارة المصرية

حين كنا صغارا نلعب الكرة فى شارعنا، يدخل الطفل اللزج الذى لم يختاره أى الفريقين إلى منتصف اللعب ثم يجلس ويقول " فيها لأخفيها"، وهى عباره تحذيرية مبطنة بالوعيد، ومعناها إما أن ألعب معكم أو سأفسد اللعبة.

لم تقتصر هذه العبارة على الأطفال وإن كانت من صنعهم، بل استخدمها الكبار أيضا فى معاملاتهم. حين يتدخل شاب أو شيخ يحمل نفس جينات اللزوجة، التى حملها الطفل ويقول هذه العبارة ليكون شريكا لجماعة فى مكسب، دون رضا من الجميع فينتهى الأمر أما باشراكه أو بإلغاء الأمر برمته، وفى الحالتين يكون هذا الشخص اللزج قد حقق مرادة وبغيته.

ولأن عبارة "فيها لأخفيها" قديمة متجذرة داخل الحارة المصرية، كان من المنطقى أن يستحدث المصريون أخرى لها نفس الدلالة ولكن بمفردات جديدة، لذا جاءت عبارة " يا نعيش عيشة فل يا نموت إحنا الكل "، ومن خلال كلمات هذه العبارة نفهم المعنى، حيث يقول اللزج: إما أن أكون واحدا منكم أقاسمهم الربح أو لا يربح أحد على الإطلاق، فنكون على صعيد واحد، وان كان صاحب العبارة قويا وأصحاب المصلحة ضعافا خافوا منه وأشركوه فى أمرهم، أما إن كان ضعيفا فسيكون نصيبه التوبيخ، فيقوم هذا الحقود بصنع الدسايس والكيد حتى يفشل الأمر، فإن استطاع ذلك بالفعل تجده يسخر منهم ويقول " يا نعيش عيشه فل يا نموت احنا الكل " من منطلق فيها لأخفيها أما نكسب جميعا أو لا أخسر وحدى.

وتعد هذه العبارة سيئة السمعة داخل الحارة المصرية، لا تنم عن رضا كامل، بل يكون فيها جمع على اتفاق وفرد على خلاف، لكنه إما بمكر أو ببطش يستطيع أن يحقق مرادة ويفسد الأمر برمته، هذا فى الغالب الأعم.

أما فى حالة فشله فى الدخول فى اللعبة يتحول الأمر إلى شجار سواء بين الأطفال أو بين الكبار، وذلك نتيجة منطقية للحقد الذى يملأ قلب الشخص المنبوذ من أقرانه داخل الحارة.