جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فادي عاكوم يكتب: ألف باء الأزمة اللبنانية

فادي عاكوم
فادي عاكوم

بعد فترة وجيزة نسبيًا من الركود، عاد المشهد اللبناني إلى الواجهة بقوة بعد تحرك الشارع ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى هاوية الانحدار الاقتصادية؛ بسبب اتباعها نظام المحاصصة والعمولات والمحسوبيات، وارتفعت الأصوات للمطالبة للتخلص من الطبقة هذه للوصول إلى حكومة جديدة بعيدة عن التسييس لنقل البلاد إلى الضفة الأخرى التي تبني الآمال حولها لإنقاذ البلاد والعباد.

هذا ما يبدو في الظاهر، إلا أن بواطن الأمور أعمق من هذه الصورة، فالمسألة لا تتعلق بالطبقة الموجودة على أساس طائفي تحاصصي على الاطلاق، بل بنوعية الأشخاص الذين أوصلوا بلاد الأرز لهذا الموقف المخزي الذي أطاح بآمال وطموحات الشباب اللبناني، الذي لم ينفك بالمطالبة بالتخلص من نظام المحاصصة الطائفية الذي يعتقدون أنه أوصل لبنان إلى هذه المرحلة، فالأمر لا يتعلق بهذا النظام التمثيلي بل بالطريقة التي تم من خلالها استنزاف مقدرات هذا البلد المحدود الموارد.

فالنظام الطائفي المعمول به في لبنان، والذي تكرّس من خلال اتفاق الطائف، كان طوق الأمان للبنان على مدى عشرات السنوات، كونه كان ولا يزال يؤمن التمثيل النسبي والعادل لكل الطوائف التي تمثل الشعب اللبناني، من خلال إشراك جميع الأطياف بالعملية السياسية التنفيذية في مجلس الوزراء، مع اعتماد عرف سائد بسيطرة طوائف معينة على بعض الوزراء، وبالتالي فان نوعًا من الانسيابية كان سائدًا إلى أن فاحت رائحة الفساد الصادرة عن العديد وربما معطم الوزارات، بسبب الصفقات المشبوهة والعمولات والمحسوبية التي أصبحت عائقًا حقيقيًا مع مرور الوقت.

إذا لم تكن المشكلة يومًا بنظام المحاصصة الطائفية، بل بالأشخاص الذين تولوا المسؤوليات لمصالحهم الخاصة ومصالح الأحزاب التي يمثلونها، فضربوا النظام الطائفي التمثيلي ومعه الاقتصاد ومن ثم المجتمع الذي زاد من انقسامه المدمر، فالمشكلة ليست بالنظام، بل بمَن مثّلوا الطوائف من خلاله، والذي أدى إلى تدمير هيكلية المؤسسات الحكومية والتي اعتمدت الفساد نظامًا أساسيًا لها كتقليد للنظام السائد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما كشفته إحدى الشركات الإيطالية التي كانت مكلفة بالبحث والدراسة عن احتمال استخراج البترول والغاز من الشواطئ اللبنانية حول طلب واضح من مسؤولين نافذين لعمولاتهم قبل البدء بالأعمال كشرط لعملها مما دفعها للإحجام عن مباشرة عملها، بالإضافة إلى العديد من الملفات المتعلقة بالنفط والكهرباء والشواطئ البحرية والكسارات في الجبال والتمويل الخارجي وغيره وغيره.

إذا فالطائفية ليست علّل لبنان كما يتم الترويج له، فبلد كلبنان يحوي 18 طائفة لا بدّ من أن يدار من خلال منظومة تحفظ حق جميع الطوائف بالتمثيل العادل للجميع منعا لايجاد النّعرات الطائفية أو شعور أي طائفة بالغَبن تجاه الطوائف الأخرى، بل المشكلة الحقيقية هي بممثلي هذه الطوائف في الوقت الحالي وغالبيتهم من المتهمين بالفساد وهم أيضًا، من أمراء الحرب السابقين الذين اعتادوا إعلاء مصلحة جيوبهم وجيوب الأحزاب التي يمثلونها على أي مصلحة أخرى حتى لو كانت على حساب وطنهم.

وربما أكبر دليل على هذا الكلام ما حصل مؤخرًا بين صفوف الثوار الذين احتلوا الشوارع في كافة المناطق اللبنانية، فعندما تمت تسمية الدكتور حسان دياب لرئاسة الحكومة غضب قِسْم منهم وهم من أبناء الطائفة السُّنية بسبب عدم اللجوء إلى دار الفتوى في لبنان ورؤساء الحكومات السابقين في مسالة الاختيار، وعندما تم الاتفاق على أن يكون ممثل الدروز في الحكومة من اتباع طلال أرسلان غضب اتباع وليد جنبلاط من المشاركين في الحراك الشعبي من استثنائه من المفاوضات الجارية وضعف التمثيل الدرزي بوزارة ضعيفة لا وزن سيادي لها، والطامة الكبرى كانت حينما شملت الشعارات التي اطلقها المتظاهرون ضد زعيم حزب الله حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي باعتبارهما من الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، ونفس الأمر بالنسبة لمناصري حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية من خلال اتباعهما من الطائفة المارونية، إذا فحتّى المشاركين في التحرك الشعبي المطلبي لم يخرجوا من العباءة الطائفية على الاطلاق، بل على العكس.

إذا فالمطلوب في لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية والسياسية تمثيل طائفي بعيد عن الأحزاب الطائفية المتحكمة والمتلاعبة في البلد، والتي تعتبر من الوجوه الطائفية التقليدية المتورطة في ملفات الفساد التي ضربت الاقتصاد اللبناني من جذوره، فمسالة المطالبة بوجوه تكنوقراط أو اختصاصيين مسألة شائكة يعمل أهل السياسة في لبنان على التهرب منها على اعتبار أنها ستؤدي إلى خروجهم من دائرة الاستفادة من النظام السياسي القائم، والأسماء هذه معروفة محليًا وإقليميًا ودوليًا كونها كانت ولا تزال تشكل المنظومة الحاكمة منذ ثلاثة عقود وأكثر، نعم وأكثر كونها هي نفسها التي كانت مستفيدة من حالة الحرب الأهلية وتبعاتها ونتائجها، فالأحزاب الأساسية التي شاركت بالحرب الأهلية والتي كانت مسؤولة عن فقدان أرواح ألاف اللبنانيين وسرقة المليارات هي نفسها، الآن، التي تستحوذ على القرارات السياسية والاقتصادية.
..........................
*كاتب صحفي لبناني