جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

لو لم يكن «القتيل» قطريًا!



محمد أحمد الهاشمى «٢٥ سنة»، مواطن قطرى الجنسية كان يدرس فى جامعة ولاية أريزونا الأمريكية. وفى ساعة مبكرة من صباح السبت، نقلت مواقع إلكترونية عديدة، عربية وأجنبية، عن وكالة «أسوشيتد برس» أو عن شبكة «سى إن إن»، خبر مصرعه على يد ضابط شرطة أمريكى، فى وقت متأخر من مساء الخميس.
مر الجمعة والسبت، ويوشك الأحد على الانتهاء، دون أن يصدر أى تعليق رسمى عن دويلة قطر. والأغرب، هو أن كل وسائل الإعلام القطرية انتابتها حالة خرس، والتزمت الصمت تمامًا، بدءًا من شبكة «الجزيرة» وأخواتها، نزولًا إلى صحف الدوحة الصادرة صباح الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩، والتى خلت من أى إشارة إلى الحادث. مع أننا كنا نتوقع أن يحتل مكانًا بارزًا فى صفحاتها الأولى مع تغطية شافية وافية فى صفحات داخلية، تتضمن روايات لشهود عيان، أو تحليلات وتفسيرات لشخصيات ومنظمات حقوقية، أو تصريحات لأهل الضحية.
فحصنا صفحات جريدة «الشرق» الـ٦٤، التى يعلوها كلها شعار «نفنى وتبقى قطر ويبقى تميم»، ولم نجد ذكرًا للحادث. كما لم نجد أى إشارة، فى جريدة «الراية»، التى يرأس تحريرها عبدالله غانم البنعلى المهندى وتصدر فى ٥٦ صفحة. وتكرر التجاهل نفسه فى جريدة «العرب» التى تصدر فى ٤٨ صفحة، ويرأس تحريرها عبدالله بن حمد العذبة.
حتى الصحف التى تمولها العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة وتصدر فى الخارج، تجاهلت الحادث أيضًا، وأبرزها جريدة «العربى الجديد» التى تصدر فى لندن ويرأس تحريرها، من الباطن، وائل قنديل، تحت إشراف الإسرائيلى عزمى بشارة!.
وكالة «أسوشيتد برس» نقلت عن الكولونيل «العقيد» فرانك ميلستيد، مدير إدارة السلامة العامة، أن رجل الشرطة، هيو جرانت، استخدم المسدس الصاعق لكنه لم ينجح فى إخضاع الشاب، الذى هرع نحو الضابط ولكمه وركله، فاضطر الأخير إلى إطلاق الرصاص الحى، حرصًا على حياته وحياة المرأة التى كانت برفقته. وأضاف ميلستيد أن الشرطى تعرض لإصابات فى الوجه والرأس ويستعيد عافيته حاليًا فى منزله. كما نقلت الوكالة عن بيان أصدرته الشرطة أن الشاب تم إلقاء القبض عليه، قبل يوم من الحادث، لاعتدائه على «مركز تيمب الإسلامى»، الذى يقع فى ضاحية بالاسم نفسه.
التفاصيل نفسها، تقريبًا، ذكرتها شبكة «سى إن إن»، ولم تضف إليها غير قول شاهدة عيان إنها «سمعت صوت اثنتين إلى ثلاث طلقات»، وإنها شعرت بالرعب عندما شاهدت الحادث. ونقلت الشبكة عن الشرطة أن الشاب تلقى عدة إنذارات سابقة، منها تحذير يتعلق بالتعدى على ممتلكات الغير، بعد تسببه فى اضطرابات بالمركز الإسلامى فى الساعة ٤:٣٠ صباح الأربعاء، وأنه عاد فى وقت لاحق، وانتهك ذلك التحذير، فتم إلقاء القبض عليه واحتجازه لساعات.
فى مقطع الفيديو الذى سجلته كاميرا سيارة الشرطة، نرى الشاب يطيح بلافتة فى أحد الشوارع. ثم نسمع الضابط يأمره بإعادتها، لكن الشاب يتجاهل أمر الضابط وينزل إلى وسط الطريق ويبدأ فى الرقص، ثم يعود ويركل سيارة الشرطة بطريقة توحى بأنه إما سكران أو يعانى من اضطراب عقلى. وبنزول الشرطى من سيارته يحدث شجار بينهما، قبل أن يخرجان من الكادر، دون أن نرى الضابط وهو يطلق الرصاص، وبالتالى، لا نعرف إن كان اضطر فعلًا إلى ذلك، أم كانت لديه خيارات أخرى؟!
من المفترض أن يكون ذلك الشرطى «القاتل» قد تلقى تدريبًا جيدًا، أو كافيًا، على كيفية شل حركة الخارجين على القانون، وعلى استخدام المسدس الصاعق، Taser، أو Stun Gun، وهو سلاح كهربائى، تم اختراعه أساسًا لشل الحركة، ويستعمله أفراد الشرطة فى كل دول العالم. وبافتراض أن قوة الشرطى الجسمانية خانته، أو أن المسدس الصاعق تعطل أو كان من نوع ردىء، فإن «رصاصة حية» فى الساق، كانت تكفى وزيادة، لشل حركة الشاب والسيطرة عليه.
الصورة غير مكتملة. ولن تكتمل بالاعتماد على رواية الشرطة الأمريكية فقط. وهناك، أسئلة كثيرة تستوجب الطرح، كانت وسائل الإعلام القطرية ستطرحها، قطعًا، لو لم يكن القتيل قطريًا، ولم يكن القاتل أمريكيًا. لكن شاء حظ ذلك الشاب المسكين أن يذهب دمه هدرًا، دون أى اكتراث من سلطات بلاده، ودون أى اهتمام من وسائل إعلامها، لأن قاتله يحمل جنسية دولة الاحتلال.
قطر، تحت الاحتلال، حرفيًا، ولا تستطيع محاسبة أى أمريكى، أو تركى، يرتكب جريمة على أراضيها. وسبق أن توقفنا عند الاتفاقية الموقعة بين الفتى تميم والرئيس التركى، التى يحظر أحد بنودها على تلك الدويلة محاكمة أفراد القوات التركية حال ارتكابهم أى جرائم جنائية أو عسكرية على أراضيها. فما بالك لو تم ارتكاب الجريمة على الأراضى التركية أو الأمريكية!.