جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

محمد الباز يكتب: بلال فضل.. المعقد الذى يبصق فى كل إناء يأكل فيه

الدكتور محمد الباز،
الدكتور محمد الباز،

- لا يتردد فى فعل أى وكل شىء ليصل إلى ما يريده وليس لديه أخلاق أو ضمير يمنعه عن أذى الآخرين
- تحول من خادم مطيع لإبراهيم عيسى إلى ناقد عنيف له ومهاجم لكل ما يقدمه بعد أن انتهت مصلحته عنده
- حياته قائمة على التدليس وليس مخلصًا لشىء أو لأحد إلا نفسه فقط ولا يحب إلا نفسه
- لا يعرف الانتماء لأى أرض.. والناس بالنسبة له مجرد أدوات يستغلهم لحصد مكاسبه


جرت هذه الواقعة فى تسعينيات القرن الماضى.
الكاتب والسيناريست والمذيع بلال فضل يجلس بعد تخرجه فى كلية الإعلام جامعة القاهرة مع مجموعة من أصدقائه يحدثهم عن الإنجاز الكبير، الذى حققه بعد أن أصبح سكرتيرًا لتحرير جريدة الدستور فى إصدارها الأول، برئاسة تحرير إبراهيم عيسى، بعد شهور قضاها متدربًا فى مجلة روزاليوسف.

وفجأة دون مقدمات تغيرت نبرة صوت بلال، واستحضر الدموع التى كانت حاضرة لديه دومًا للتأثير على مستمعيه وحصد تعاطفهم، بدأ يكلمهم عن المعاناة، التى اعتصرته فى حياته، وكان غريبًا أن يحدثهم عن الموقف الذى صاغ حياته كلها وحدد رؤيته فى كل شىء.

قال بلال إنه كان يحب زميلته فى كلية الإعلام، وهو الحب الذى جعله يقدم لها كل شىء، ولأنه لم يكن يملك شيئًا، فقد كان يكتب لها المحاضرات ويلخصها، معتبرا أن هذا إنجاز كبير، كان الفارق الاجتماعى بين بلال وحبيبته كبيرًا جدًا، لكنه كان يحلم باليوم الذى يتزوجها فيه، ويبدو أنها كانت توحى له بموافقتها على ذلك، ما جعله يعيش أعظم وأهم وأسعد أيام حياته.
قبل التخرج بأيام قليلة- بلال خريج العام ١٩٩٥- وجد حبيبته تحطم أحلامه كلها بجملة واحدة: «مش هينفع نكمل مع بعض».
رفضت الزواج منه، وكان لديها ثلاثة أسباب لذلك، كما قال هو.
الأول أنه تخين جدًا، وهى ليست على استعداد أن تنجب أبناء بدناء فى المستقبل.
وأنه فقير جدًا، وهى ليست على استعداد أن تتنازل عن المستوى الاجتماعى الذى تعيش فيه.
وأنه يمنى، وهى لا تريد أن يكون أبناؤها غير مصريين، وقتها لم يكن صدر القانون الذى يمنح أبناء المصرية من زوج أجنبى الجنسية.
كانت الحبيبة، التى وهبها بلال كل حياته ومشاعره ودموعه أيضا سخيفة ومتجاوزة فى صياغتها للأسباب، التى تدفعها لرفضه، لكنها تحدثت معه بوضوح شديد جعل توازنه يختل تمامًا، فعاش أيامًا صعبة.
الصراحة لم تكن راحة أبدًا، لكنها كانت سببًا فى مجموعة من العقد النفسية والاجتماعية، التى حكمت سلوك بلال وكتاباته ومواقفه وحياته كلها بعد ذلك.
قال لأصدقائه على المقهى المجاور لجامعة القاهرة: سأجعلها تندم على ما قالته.
وبدأ فى سرد خطته للانتقام.
قال إنه سيقوم بريجيم قاسٍ جدًا حتى يفقد وزنه ويصبح رشيقًا، وهو ما نجح فيه بالطبع، لكن الأزمة لم تفارقه، ففى بعض أفلامه كان يتعمد أن تكون لديه شخصية بدينة يجعل الأبطال يسخرون منها، وراجع مثلًا شخصية طالبة الجامعة فى فيلمه «الباشا تلميذ»، فقد كانت سخريته منها فيما يبدو لعلاج نفسه ذاتيًا، فهو لا يعانى من مشكلة البدانة، والدليل أنه يسخر بنفسه من البدناء.
وقال إنه لن يظل فقيرًا، بل سيعمل كل وأى شىء لتكون لديه ثروة، وهو ما حققه أيضًا، وكان زملاؤه يتندرون عليه أنه عندما اشترى سيارة حرص على أن يستعين بسائق، وكان يحرص على أن يركب فى الكرسى الخلفى من السيارة على طريقة الأثرياء الأصلاء، وليس على طريقة أولاد البلد، الذين يفتح الله عليهم، فيجلسون فى الكرسى الأمامى إلى جوار سائقهم.
وقال أيضا إنه سيكافح للحصول على الجنسية المصرية حتى لا يظل يمنيًا، رغم أن جنسيته الأصلية شرف، لكنه كان يريد التحرر من العقدة التى أورثته إياها حبيبته.
لقد عاش بلال فضل حياة صعبة جدًا، مثل كثيرين رافقهم فى الطريق، الفارق أن صعوبات حياته صنعت منه شخصًا عنيفًا شرسًا لا يتردد عن فعل أى وكل شىء ليصل إلى ما يريده، ولم يكن غريبًا بالنسبة لى عندما شن حملة صحفية مريبة على كاتب صحفى كبير لصالح كاتب آخر نشرها على صفحات جريدته الأسبوعية، لا لشىء إلا لأن صاحب الجريدة كان يساعده فى تجديد إقامته، ومن بعدها ساعده فى الحصول على الجنسية.
الذين يصعدون بسرعة فى مجتمع بلا معايير تحيط بهم الأساطير والأكاذيب أيضًا، ورغم أن بلال لا يتورع عن فعل شىء، فلا أخلاق تمنعه ولا ضمير يصده، فإننى لا أصدق أنه استخدم زواجه الأول للحصول على الجنسية المصرية من خلال أقارب زوجته، ولما حقق مراده انفصل عنها على الفور، فهذا فى الغالب بعض من المعلومات غير الدقيقة التى تطارده.
شىء من هذا أيضًا تكرر مع موقف بلال من والدته السيدة البسيطة، أحد أصدقائه المقربين، كان شاهدًا على تجاهله لدعوتها فى حفل زفافه الأول، وذلك حتى لا يغضب أهل زوجته، أكد لى ذلك، لست واثقًا من أن هذا حدث على أى حال، خاصة أنه وعندما ماتت والدته نعاها نعيًا مؤثرًا جدًا، أعتقد أنه لا يتناسب أبدًا مع صورة الابن الجاحد، الذى يحاول البعض تصويره بها.
هنا يمكن أن تقطع علىّ الطريق، وتسألنى عن التدليس الذى يمارسه بلال فضل عبر كتاباته، وهو فى الحقيقة غزير الكتابة بفعل حجم موهبته، التى لا تستطيع أن تنكرها عليه.
سأقول لك لست مشغولًا بما يكتبه بلال فضل الآن- لأنى لم أكن مشغولًا فى أى وقت بما يكتبه عبر الصحف أو الكتب أو يقدمه على شاشة السينما- فعمله وحده فى قناة العربى ٢١ وكتاباته فى المنصات الإخوانية كاف بالنسبة لى للتدليل على أنه ينتج خطابًا معاندًا للمشروع المصرى بعد ٣٠ يونيو، بانحيازه الواضح لمن ينتجون هذا الخطاب ويوجهونه لهز استقرار وطن بالكاد يتعافى مما فعله به وفيه الإخوان وحلفاؤهم.
ما يهمنى هنا هو الوصول إلى دوافع كاتب كان يمكنه أن يكون إضافة إلى مشروع وطنى، يستطيع أن يعارضه دون تجاوز أو إسفاف أو تدليس، لكن أقداره هى التى حسمت اختياره مبكرًا، فمنعته من أن يكون شخصًا مستقيمًا، ففى سلوكه وإبداعه شذوذ يليق بمسيرته المهنية والشخصية.
ستعتبر أن عمل بلال فى منصة تليفزيونية يديرها عزمى بشارة، ربيب نظام تميم، أمير قطر، أمر لا يدينه، فهو يقدم برنامجًا ثقافيًا، ولا دخل له بالسياسة، ثم إن ما يكتبه فى المنصات المختلفة تعبير عن رأيه ولا يمكن أن يدينه ذلك، وهو نفسه ينفى أن يكون فى صفوف الإخوان، وهو أمر يشبه تمامًا من يقضى وقتًا طويلًا فى خمارة، وعندما داهمتها قوة من الشرطة وقف بينهم يصرخ أنه دخل الخمارة ليصلى.
فهل مطلوب منّا أن نصدقه؟
فى قصة بلال ما يحيرك، فبعد ٢٥ يناير كان قريبًا من قيادات المجلس العسكرى، وفى نفس الوقت كانت جماعة الإخوان معجبة بكتاباته، محمد مرسى نفسه قال إنه من قراء مقالاته.
بعد شهور من ثورة يناير ابتعد بلال عن قيادات المجلس العسكرى.
يمكن أن تراجع أنت مقالاته خلال مرحلة القرب، ستجده يتحدث عن اتصالاته بشخصيات نافذة فى المجلس العسكرى، وأنه قال لهم وأنهم قالوا له، لكن فجأة تغيرت اللهجة تمامًا، وتحول الود إلى هجوم فى وقت كانت السيولة السياسية والإعلامية هى السمة الغالبة على المجال العام فى مصر، وكان من الطبيعى أن يتحرك أبطال الورق بمدفعيتهم الثقيلة تجاه من لا يعجبونهم، مهما كانت مناصبهم، ولم يكن فى أى الأمر شجاعة من أى نوع، ففى الفوضى يستطيع الجميع أن يرفعوا أصواتهم دون أن يؤاخذهم أحد على ما يقولونه.
ورغم أننا فى بدايات عملنا الصحفى كنا نسمع عن انتماءات مبكرة يخفيها بلال لجماعة الإخوان، إلا أن هجومه على الجماعة عندما وصلت إلى السلطة يكفى للتأكيد على أنه لم يكن منها فى أى يوم من الأيام، فلو كان من بين أبنائها لألقى بنفسه فى أحضانها بعد تمكنها، فهو من الفصيلة التى تعرف من أين تؤكل الكتف جيدًا.
فى أيامه التى لا تخفى على أحد ما يدلنا على ذلك.
عندما رحل إبراهيم عيسى عن مجلة روزاليوسف ليصدر جريدة الدستور فى العام ١٩٩٥، أخذ فى يده الشاب المعدم تقريبًا بلال فضل، ومنحه مساحة هائلة ليس للعمل إلى جواره فقط، ولكن للكتابة التى كانت تتم تحت إشرافه وتوجيهه، للدرجة التى لا ينكر بلال أن لحم أكتافه من خير إبراهيم عيسى، فقد منحه فرصة عمره.
لم يكن بلال يعمل لمصلحة جريدته بقدر عمله لمصلحته الخاصة، بدا هذا فى محاولة تقربه من الفنانين، لأنه كان يحلم بالدخول إلى عالم السينما، وكانت وسيلته فى تحقيق ذلك المصور الصحفى الشهير حسن عبدالفتاح، ألح عليه بلال أن يصطحبه إلى بلاتوهات التصوير، التى كان يتردد عليها، فلم يمانع حسن، طيب القلب والنية.
خدم حسن بلال خدمة كبيرة عندما عرفه على عادل إمام، الذى جعل بلال «الدستور» فى خدمته ليتقرب منه، ويعرف من اقتربوا من كواليس العمل الصحفى أن هناك فضيحة مهنية ارتبطت باسم بلال. ففى حمى محاولته التقرب لعادل إمام، أعد تقريرًا مطولًا عن فيلم «رسالة إلى الوالى»، وكتب أحداث الفيلم وحدد نهايته، وعندما عرض الفيلم تبين أن نهاية الفيلم ليست ما كتب بلال فى تقريره، لكن إبراهيم عيسى تسامح معه، وكثيرًا ما كان يفعل ذلك.
حاول بلال أكثر من مرة أن يعرض أعماله على عادل إمام، لعله يحظى بفرصة أن يقدم الأستاذ إحدى شخصياته، لكن هذا لم يحدث أبدًا، وعنما عرض عليه سيناريو فيلمه «صايع بحر» سخر عادل منه. فالعمل لا يناسبه، وتعجب وقتها من مجرد تفكير بلال فيه.
ولم يكن غريبًا عندما انتقدتُ موافقة عادل إمام على زواج ابنته من ابن أحد قيادات جماعة الإخوان، أن يقود بلال هجومًا طاغيًا فى جريدة «العربى» منتصرًا لعادل، وهو ما قابله عادل بسخرية وقتها. فقد عرفت من أحد الأصدقاء أن عادل إمام قال: «ولو... مش هاعمل له حاجة من سيناريوهاته ولو وقف على دماغه».
عندما أغلقت الدستور أبوابها فى فبراير ١٩٩٨، تحول بلال فضل من الخادم المطيع لإبراهيم عيسى- الذى لم يكن يتحدث عنه حتى فى غيابه إلا ويسبق اسمه بكلمة الأستاذ- إلى ناقد عنيف له ومهاجم لكل ما قدمه، ووصل الأمر به إلى أن قال إنه هو صاحب الإنجاز الحقيقى فى الدستور، بينما إبراهيم كان يجلس على المقاهى مع أصدقائه، وعندما عرف إبراهيم ما يقوله بلال، قال إن هذه عادته، فهو دائمًا ما يبصق فى الإناء الذى أكل منه.. وهو كلام سمعته من إبراهيم عيسى بنفسى ولم ينقله لى أحد.
الأمر نفسه تكرر بعد ثورة ٣٠ يونيو، كان بلال قد عاد ليكتب مع إبراهيم فى الدستور بعد صدورها الثانى فى العام ٢٠٠٥، وفتح له المساحة كاملة ليكتب ما يريد، لكن عندما انحاز إبراهيم إلى ٣٠ يونيو، وكتب فى عبدالفتاح السيسى ما لم يكتبه حتى الآن أشد مناصريه، شن بلال عليه هجومًا عنيفًا مستعينًا بأرشيف إبراهيم. فقد اختار بلال أن يقف فى صف من يقولون بسذاجة غريبة إن ٣٠ يونيو ثورة وإن ٣ يوليو انقلاب.
من الصعب أن تتهم بلال بأنه ليس موهوبًا مثلًا، لكن لا بد أن تضع موهبته فى سياقها، فقد صعد صاحبها لأن الظروف خدمته لا أكثر من ذلك، ولأن السياق العشوائى الذى صادفه كان طبيعيًا أن يخدمه. فالعشوائيون لا يصعدون إلا فى السياقات التى تشبههم.
ولذلك سيكون طبيعيًا جدًا عندما يصبح بلال مجرد ذكرى ألا يبقى منه شىء. فهو ليس صاحب مشروع فى الكتابة، كل ما يحدث أنه يمر مرورًا عابرًا على منصات كثيرة، دون أن يترك وراءه أثرًا معتبرًا، ولو حاولت أن تمنحه توصيفًا دقيقًا، فهو ليس أكثر من كاتب مسلٍّ.
لم يكن بلال كاتبًا ساخرًا فى بداياته، لكنه جرب السخرية ونجح فيها لأن نهايات عصر مبارك كانت تربة خصبة لانتشار الكتابات الساخرة، ورغم أنه لم يكن الأنجح فى السخرية، إلا أنه حجز لنفسه مساحة بفضل إبراهيم عيسى ودعمه الكبير، يمكنك أن تذكر عددًا من عناوين كتبه لغرابتها وخفة ظلها، لكنها لن تكون أبدًا جزءًا من تشكيل وعى الناس، وأعتقد أن شيئًا من هذا لا يهمه ولا يشغله.
ولم يكن كاتبًا سينمائيًا له بصمة، ولو راجعت أفلامه ستجد أنك أمام كاتب سيناريو ضعيف وكاتب حوار مبتذل جدًا، ولم يكن غريبًا أن يشير من يعرفونه إليه بأنه استوحى شخصية «خالتى فرنسا»، التى جسدتها المبدعة عبلة كامل فى الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، من شخصيته هو. فهو بارع فى رمى بلاه على الناس، هذا غير قدرته الرهيبة على الشرشحة.
يعرف بلال حجمه فى السينما، وأعتقد أنه لا ينسى الموقف الذى وضع إبراهيم المعلم، ناشر كتبه، فيه.
كان إبراهيم المعلم يستضيف عددًا من الناشرين والمثقفين العرب، وفى محاولة منه لتقديم الفن المصرى العظيم لهم، اصطحبهم لمشاهدة فيلم «حاحا وتفاحة» وعندما بدأ الفيلم وتوالت مشاهده أصبح المعلم فى نصف هدومه، ومن غيظه اتصل به وهو لا يزال أمام باب دار العرض، وقال له: قلت أفرج الناس اللى معايا على فيلم مصرى، وقلت أكيد فيلمك حاجة كويسة، باعتبارك مثقف وكاتب كبير يعنى، لقيت فضيحة، الله يكسفك.
يحتج بلال أحيانًا بأنه حصل على جائزة السيناريو من المهرجان القومى للسينما، عن فيلمه «بلطية العايمة»، على اعتبار أن الجائزة شهادة لتميزه، وأذكر أننى كتبت عنه وعن الاعتراف بحرفوش السينما، فتواصل معى ووجدت أنه يشكو مُر الشكوى من النقاد الذين يتجاهلونه تمامًا، ولا يلتفتون لتجربته السينمائية، لكننى عرفت بعد ذلك أن الفضل فى هذه الجائزة يعود إلى مخرج الفيلم، على رجب، الذى عمل على السيناريو كثيرًا قبل أن ينفذه، فقد كان مهلهلًا تمامًا.
حاول بلال أن يُصدر نفسه بصورة المثقف، فقدم برنامج «عصير الكتب»، ولم يكن متميزًا فى شىء، فحتى اسم برنامجه لم يكن خاصًا به، بل كان عنوانًا لباب نقدى ظل الكاتب والأديب علاء الديب يكتبه لسنوات على صفحات مجلة صباح الخير، وهو ما تكرر فى فيلمه «واحد من الناس» الذى كان اسمًا لبرنامج عمرو الليثى الذى يقدمه منذ سنوات، وقد أخبرنى عمرو أن بلال تواصل معه واستأذنه فى أن يستعين باسم برنامجه فلم يمانع.
حتى برنامجه «الموهوبون فى الأرض» يحاول بلال أن يبدو من خلاله أنه كان قريبًا من نجوم الفن والكتابة للدرجة التى تجعله يروى حكاياته معهم، والمفارقة أنه ينسب لنفسه أشياء كثيرة لم تحدث من الأساس.
نحن أمام كاتب يعيش على ظل الآخرين طوال الوقت، وربما لذلك يحرص على التواصل مع قرائه عبر منتديات الدردشة على الإنترنت، ليشرح نفسه، فما يكتبه ليس كافيًا، ولذلك تجده يقوم باستعراض بطولاته التى لا يعرفها عنه أحد غيره.
من حقك أن تسأل بعد كل هذا عن التدليس الذى يمارسه بلال فى كتاباته؟
والإجابة سهلة، فنحن أمام شخص حياته قامت على التدليس والمؤامرات، ويكفى أن تعرف أنه ليس مخلصًا لشىء أو لأحد إلا لنفسه فقط.
فعليًا لا يحب بلال فضل إلا بلال فضل نفسه، ومن بعده يأتى الطوفان.
من بين سماته التى يعرفها عنه أصدقاؤه جيدًا أنه «مؤذى لوجه الله»، ورغم أن الأذى لا يمكن أن يتم أبدًا لوجه الله، لكن من يقولون عنه ذلك يدركون أنه يؤذى لوجه الأذى فقط، قد لا تكون بينه وبين شخص خصومة أو خلاف من أى نوع، لكنه لا يتردد فى إيذائه من باب الفراغ، فهو يستمتع بألم الآخرين، للدرجة التى لا تتردد فى أن تصفه بأنه شخص كريه إنسانيًا تمامًا.
المناضل الذى لا يشق له غبار قَبلَ أن يعمل فى مجلة «القاهرة»، التى قرر فاروق حسنى أن يصدرها فى العام ٢٠٠٠، وأسند رئاستها إلى الكاتب الكبير والناقد رجاء النقاش، ثم انحاز إلى صلاح عيسى الذى انقلب على رجاء وحوّل المجلة إلى جريدة، وهو الانقلاب الذى تم توثيقه فى مقالات متبادلة بين الكاتبين الكبيرين.
كانت جريدة «القاهرة» نافذة لتلميع وزارة الثقافة ووزيرها، وتتعجب من بلال الذى يصدر نفسه على أنه كان من معارضى نظام مبارك ينتظم للعمل فى جريدة رسمية، يقاتل فيها دفاعًا عن سياسات الوزارة التى هى سياسات عصر مبارك.
ليس هذا فقط، ولكنه حاول ومن معه إزاحة صلاح عيسى. فقد أبدى استعداده لأن يخدم الوزير بأكثر مما يخدمه صلاح، لكن الكاتب الكبير المتمرس فى إدارة الصحف والعارف بكواليسها استطاع أن يقصيه، وكان غريبًا أن يدون بلال فى سيرته الذاتية أنه ترك جريدة «القاهرة» بعد خلافات مع رئيس التحرير، فلم يكن فى الأمر خلافات بل كان صراعًا على مساحة القرب من الوزير.
ليس مهمًا ما يكتب بلال فضل.
المهم هنا هو منْ يكتب.
ومن أين جاء.
وكيف كانت سيرته ومسيرته؟.
وأعتقد أن بعضًا مما عرفته الآن يكفى جدًا لإدراك أى كاتب هو، ولذلك لم تشغلنى أبدًا مواقفه التى حرص فيها على أن يكون مناضلًا.
فقد ابتلانا الله بأن يكون النضال فى مصر شغلانة يحترفها بعضهم، ليحققوا أكبر قدر من المكاسب، وأعتقد أن بلال فضل حقق كل ما يريده، لأن هذا ما يشغله.
لا تسأله عن الوطن فهو بلا انتماء حقيقى لأى أرض.
ولا تسأله عن الناس، لأنهم بالنسبة له مجرد أدوات لا يتردد عن استغلالها لحصد مكاسبه.
وهذا هو كل شىء.